ثقافةصحيفة البعث

ندوة “ترجمة المصطلح إلى اللغة العربية” تختتم أعمالها

اختتمت  الندوة الوطنية للترجمة بعنوان “ترجمة المصطلح إلى اللغة العربية” فعالياتها في مكتبة الأسد، وأدار الجلسة الأولى د. غسان السيد، وبدأها د. ممدوح خسارة بمحاضرة بعنوان “التراث اللغوي مصدراً من مصادر ترجمة المصطلح” وقدّم من خلالها مجموعة توصيات أبرزها: تدريس علم المصطلح مقرراً جامعياً في المعاهد والكليات ذات الصلة بالترجمة، وتعريف طلاب الترجمة والعلوم بأهم المصادر والمراجع التراثية اللغوية الأدبية والعلمية، وتعليم اللغة العربية لغير المختصين من خلال نصوص ذات صلة باختصاصاتهم لا من خلال النصوص الأدبية والبلاغة، كأن نعلّم طلاب الطب العربية من خلال كتاب القانون لابن سينا، وطلاب الصيدلة من خلال كتاب الصيدلة للبيروني، وإلزام الموفدين إلى البلاد الأجنبية ترجمة رسائلهم الجامعية إلى العربية بأسلوب سليم، واستعمال المعاجم المتخصّصة الموحدة وذلك قبل التحاقهم بعملهم التدريسي.

الفوضى في توحيد المصطلح

وعلى الرغم من كل الجهود التي تُبذل في مجال الترجمة، إلا أن الفوضى مازالت مستمرة في مجال وضع المصطلح وتوحيده. وتحت عنوان “المصطلح بين الفوضى والالتزام” قال الباحث عدنان جاموس: اختلاف المواقف من ظاهرة التعريب لم يكن أمراً جديداً بل هو يعود بجذوره العميقة إلى سلف قديم له، إلا أن رواد النهضة الأوائل لم يلجؤوا إلى تعريب الألفاظ إلا نادراً لحرصهم الشديد على نشر اللغة العربية في جميع مجالات الحياة بعد محاولات التتريك والفرنسة، وفي المراحل التالية عندما وجد المختصون أنفسهم أمام سيل عارم من المصطلحات أصبح تعريب بعضها أمراً لا بد منه ولكن ضمن أطر وقواعد معينة، وغدت الحاجة ملحّة إلى قبول الكثير من الألفاظ المعربة، وبالمقابل فإن بعض التسميات لم تلق القبول عندما وجدت ترجمة مقبولة لها.

إشكالية المصطلح المسرحي

كذلك عانت التجربة المسرحية العربية من تشتّت الجهود وغياب آليات ثقافية تضمن تواصل التجارب في تنوعها وتعدّدها في الوطن العربي. وتحت عنوان “إشكاليات ترجمة المصطلح المسرحي”، تحدثت د. ميسون علي إذ قالت: تعدّدت الاجتهادات في تحديد المصطلحات ترجمة وإبداعاً، ثم فاق التعدّد والاختلاف تنوع المرجعيات التي يستقي منها المسرحي، كاتباً أم ناقداً، فالذين على مرجعية فرنسية يعطون للمصطلحات معاني وشروحاً لا تتفق مع تلك التي يجد من يتكئ على مرجعية إنكليزية أو ألمانية من هذه المصطلحات ذاتها، ولأن الجهود فردية ومبعثرة ولا توجد مؤسسة عربية للتنسيق والتصويب والتعميم، فقد وجدنا أنفسنا وليس المسرح فقط أمام ترجمات واشتقاقات لغوية متعدّدة للمصطلح الواحد لنكون بحاجة إلى معجم يوحّد ترجمة هذه المصطلحات، فضلاً عن محاولة تقديم المترجم ترجمته الخاصة لعدد من المصطلحات الجديدة. 

صعوبات الترجمة

أيضاً يحتاج النقل بين اللغتين لمهارة مزدوجة مما يضع المترجم أمام مسؤولية الكلمة المنقولة من اللغة الأم إلى اللغة الهدف. وعن الأسس والمبادئ التي يقوم عليها هذا الاتفاق وسبل تحقيقه تناولت الأستاذة لبانة الجندي موضوع “صعوبات ترجمة المصطلح” فقالت: لقد زادت العناية بالمصطلحات بعد أن تشعّبت العلوم وكثرت الفنون وكان لابد للعرب من أن يضعوا مقابلاً لما يستجد من مصطلحات، ومن المسلّم به أنه يستحيل إضفاء الصفة العلمية على أية دراسة لا تستعمل مصطلحات محددة المدلول، وفي البلاد العربية نلاحظ الاضطراب في استعمال المصطلحات العلمية في الجامعات بشكل خاص، وإن وضعية المصطلح يشوبها التعدّد وعدم الاستقامة، فالترجمة العلمية تشكل رافداً مهماً من روافد تشكيل العقل العربي في القرن الحادي والعشرين، وقد تعاظمت أهمية الترجمة مع تفجر ثورة المعلومات، فلا نخالف الحقيقة عندما نؤكد أن الترجمة والتعريب يساهمان في تناسق الأفكار والمعطيات العلمية وانفتاح الشعوب على بعضها، واللغة العربية كان لها الفضل في تقدم العلم، فلا يمكن أن تصبح غريبة وعاجزة عن مسايرة هذا التقدم.

الحوسبة

أدار الجلسة الثانية من الندوة رئيس اتحاد الكتّاب العرب مالك صقور، وبدأها د. فؤاد خوري بمحور “حوسبة المصطلحات في خدمة الترجمة التخصصية”، حيث قال: تتسم الترجمة التخصصية أن لها أسلوباً خاصاً ومباشراً بلا تلوين أو صور أو بلاغة إلا فيما ندر، وأنواع محدّدة من الجمل، وصيغ زمنية محدّدة في الأفعال والأكثر أهمية أن مفرداتها مصطلحات في غالبها. وأضاف: حوسبة المصطلحات هي استخدام التقانيات الحديثة من حواسيب وانترنت وغيرها في معالجة وتخزين واسترجاع المصطلحات وإنتاجها في برامج المساعدة على الترجمة والتحرير وكل ماشابه. وهناك بنوك وقواعد المصطلحات ويتميّز بعدة نقاط إيجابية ومنها تحديث شبه آني، حيث توفر المصطلح بعد لحظات من تخزينه في البنك، والتكامل والتعاون بين بنوك المصطلحات الأخرى، والترتيب السريع للبيانات، والبحث السريع في المصطلحات وتوحيد المصطلحات في فريق عمل في مؤسسة أو في شركات كبرى والتوثيق. ولهذه البنوك نقاط سلبية ومنها الاقتصار في معظمها على تقديم المعلومات الكتابية أو النصية، وعدم توفير الأشكال الأخرى من صور ورسوم بيانية وخرائط ورسومات توضيحية، ومقاطع صوتية وفيديو، وغياب أداة مهمة في علم المصطلح وهو شجرة المفاهيم أي العلاقات المنطقية الدلالية بين المفاهيم.

المحتوى الرقمي

وقدم د. أحمد شعبان في محور “فوضى المصطلح في المحتوى الرقمي العربي” عدة مقترحات منها عدم الفصل بين المحتوى الرقمي والتقليدي، والعمل على صناعة الثقافة التي أصبحت من أهم الصناعات في عصر المعلومات، وتنمية كوادر تقنية تستطيع النهوض واللحاق بعالم الاتصال الرقمي ومجتمعات المعرفة المتطورة، والانفتاح على العالم والمعطيات الرقمية الحديثة، وتفعيل حسّ المسؤولية لجهة نقل بعض المصطلحات من الحقول الثقافية غير العربية أو ترجمتها والابتعاد عن الاستسهال الذي يزيد المصطلح فوضوية وبلبلة.

المعاجم الفرنسية

أما د. جمال شحيد فاقتصر في بحثه على القواميس الاختصاصية التي ينطبق عليها خطاب مختلف وتخضع لمعايير أخرى، ولا بد أن يؤمن القاموس النقاط الآتية: المفردات التعريفية والمداخل وشروط المعجمية المزدوجة اللغة والذي يتطلب إتقان هذه اللغات وتحديد معنى الكلمة والتنسيق، وينبغي على القاموس التمثيل أو إعطاء الأمثلة ومعلومات إضافية حول الكلمة. وفي القواميس الفرنسية -العربية هناك الكثير من الأمثلة وهي ليست لتقويض العمل المعجمي الثنائي اللغة الذي تمّ خلال القرنين الماضيين، وأفادت الفئات العربية المثقفة منه كثيراً بالرغم من ثغراته، بل يمكن القول إن الدقة والأناة والفهرسة المنطقية والمنهجية ضرورية لإخراج قواميس تحظى بالمصداقية وليس فقط بالبين بين.

مستقبل الترجمة

وقدم د. سليم الحسينية نموذجاً لبناء مستقبل الترجمة وترجمة المصطلح في مقدمتها، وهذا المستقبل يبنى على خمسة أعمدة هي الطاقة الإبداعية والعمل النظمي والتراكم المعرفي وتكنولوجيا المعلومات والرؤية الإستراتيجية، فمستوى الأداء الجيد لهذه الأعمدة لم يعد كافياً اليوم، بل لابد أن يكون ممتازاً ومنافساً، فمنهجية النظم في الترجمة هي آلية علمية وعملية ومنطقية، وأي نظام مادي أو فكري مدرك في العقل له خمسة مكونات هي العناصر الأساسية المكونة لنظام الترجمة: المترجم وخصائصه، ومادة الترجمة وخصائصها، والموارد الأخرى اللازمة للترجمة، والعلاقات يجب أن تكون تكاملية بين كل عناصر النظام كنظام الساعة أو الحاسوب مع الناشر والقارئ، وآليات عمل منطقية وعالية الجودة، وأي نظام له هدف، وهدف الترجمة أعلى جودة وأكبر كمية وبأقل تكلفة، إن أي خلل في تكامل هذه المكونات وتناغمها لن يكون للترجمة مقومات تسير عليها وإن حدثت الترجمة من هنا وهناك.

توصيات..

في ختام الندوة قدّم مدير الترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب حسام خضور بعض التوصيات تحت عنوان “المؤثرات في ترجمة المصطلح”، حيث أكد على تنشيط عمل مجمع اللغة العربية وتفعيل علاقاته مع الجهات ذات العلاقة بالكتابة والنشر، وتفعيل دور اتحاد المجامع العربية، والإصلاح الإداري الجامعي على أساس الكفاءة العلمية والإدارية، وتحرير الجامعة من الصراعات الأيديولوجية والشكوى الحزبية، وإنشاء مكتب وطني لتوحيد المصطلح في إطار مجمع اللغة العربية تكون له سلطة على دور النشر والدوريات والإعلام المكتوب والمسموع والمرئي، والعمل على إنشاء مؤسسة عامة للترجمة تكون مشروعاً رائداً على المستوى العربي تعمل على تنسيق أعمال الترجمة وتلاحق القضايا النظرية والتطبيقية والمهنية للترجمة، وأخيراً الحاجة إلى موقع إلكتروني يتواصل المترجمون من خلاله ويتبادلون الخبرة والتجربة.

عُلا أحمد- جُمان بركات