زجاجة العطر
سلوى عباس
في زمن نقضي فيه أيامنا في الركض واللهاث، سألت صديقتي عن مفهومها للسعادة، فمدت يدها إلى حقيبتها وأخرجت ظرفاً مخملياً أفرغت محتوياته، قطعة قطعة.. كان يحتوي زجاجة صغيرة فيها بعض نثرات الذهب، وبعض قطع النقود الذهبية. نظرت إليّ صديقتي وهي تفرد محتويات الظرف وكأنها قرأت استغرابي فبادرتني بالكلام قائلة: هذه لحظات سعادة أحملها معي فتمدّني بالطاقة إيجابية، إنها التكريمات والجوائز التي حصلت عليها خلال مسيرتي الوظيفية والحياتية، وأضيف إليها جلستنا الجميلة هذه، فالسعادة – برأي صديقتي – هي اللحظة التي نعيشها، وليست كما يحاول البعض فلسفتها وإعطاءها أبعاداً أكثر مما تحتمل، هي حالة نسبية تختلف في مفهومها من شخص لآخر.
أخذني كلام صديقتي في مسارب الحياة أتلمس روحي وأبحث عن لحظات سعادتي أين أجدها، فرأيت أنني أمتلك الكثير منها دون انتباه مني، فعندما أكون في حالة حزن أبدو أشبه بنواة متخشبة ما إن ترعشها بلّة من ماء الروح حتى ينبعث من قلبي برعماً مخضوضراً بالحياة وهذه الحالة تحمل شيئاً من السعادة.
وعندما أستسلم للإحباط والكآبة، وأحسب أن ألوان الحياة قد خبت واصفر بنفسجها، وغدت أقواس القزح فيها ذكريات من ماض ونسيان، ثم تأتي يد ثرية بالنور واليخضور تمسح عني رمادي، وتزيل غبار القلب وبرودته، وتحوّلني إلى قطرة من مطر سخي تلألىء الدنيا وتضيء السماء، هي قمة السعادة، كذلك عندما يلفني سواد هذا الزمن الموحش وأرى وسط الظلام شعاعاً من ضوء.. أليس هذا الإحساس روح السعادة؟ والسعادة الأجمل أن يجمعك العالم الافتراضي بأشخاص لا تعرف ملامح وجوههم ولا لون عيونهم، لكنهم ينشغلون عليك إذا غبت فترة عن فضائهم، ويطمئنون عليك إذا قرؤوا في منشوراتك بعض الحزن أو الألم، فيصبحون أصدقاء حقيقيين تخاف على مشاعرهم وتتعاطف معهم وكأنك تعرفهم منذ زمن طويل.
السعادة هي هذا الشعور بالرضا والسكينة الذي ينبع من داخل الإنسان، ونظرة الناس للسعادة تختلف باختلاف طباعهم واهتماماتهم، فليبحث كل منا عن سعادته وليحملها تعويذة تحمي أرواحنا من وحشة العمر، فالحياة تسير بسرعة ولا تنتظر أحداً، فأين نحن في زحمة الحياة من أنفسنا، ومن أرواحنا التي تحتاج فسحة من الراحة لتحافظ على حيويتها وتجددها لتستطيع متابعة المشوار؟ ربما هذا الإحساس لا نعيشه إلا عندما يأتي من يقدم لنا فرصة نسرق عبرها من الزمن لحظات نعيشها بعيداً عن مشاغل العمل وتراكمات الحياة، لحظات نشعر فيها بإنسانيتنا التي نسيناها في زحمة انشغالاتنا.. فلتكونوا سعداء وأنتم تسيرون نحو صنع سعادتكم، فالسعادة الحقيقية هي في المحاولة وليست في لحظة الحصول عليها، ولا تسمحوا لأحد أن يأخذ الأولوية في حياتكم عندما تكونوا خياراً ثانوياً في حياته، وابحثوا عن السعادة داخل نفوسكم وستشعرون بها حتى لو بقيتم وحيدين، وتمسكوا بأحبتكم جيداً وعبّروا لهم عن حبكم، فقد ترحلون أو يرحلون يوماً ولهم في قلبكم مشاعر وأشواق، واحذروا أن تتركوا جروحكم تلتئم على ألمها، بل نظفوها لتكون مرآة صادقة عن قلوبكم، فالحياة قصيرة جداً لا تستحق أن نقضيها بالحقد والضغينة، فغداً قد نكون جميعنا ذكرى، الموت لا يستأذن أحداً، فابتسموا وسامحوا من أساء إليكم.
مرة.. قال لي صديق: لا تنتظري أحداً يحمل دفاتر السعادة لك، لأنه لم ينتظرك لتكوني سعادته، السعادة لا تُعطى.. أنت فقط حولي بقايا العطر إلى زجاجة عطر.