“الكاستنغ”.. خضع لها أهم النجوم العالميين وما زالت غائبة عن وسطنا الفني
في وسطنا الفني من الصعب جداً معرفة كيف يختار مخرجونا ممثليهم، حيث لايتم ذلك وفق معايير واضحة في أغلب الأحيان وإن كان لكل مخرج طريقته في اختيار ممثليه فإن ما هو مؤكد أن عملية اختيار الممثل المناسب للدور المناسب هي عملية شاقة وصعبة عند بعض المخرجين، ولتحقيق ذلك يلجأ المخرجون في الدول الغربية لاختيار ممثليهم من خلال ما يسمى بالكاستنغ، أي عملية اختيار الممثلين في عمل من الأعمال عبر إخضاعهم لظروف الشخصية لمعرفة مدى ملاءمتهم لها على صعيد الشكل والمضمون، ويحدث ذلك كله فبل التصوير، ومن ثم اختيار الأنسب منهم لأداء الشخصية.
ومن المعروف أن فنانين كباراً خضعوا للكاستنغ، ويقال بأن الكثيرين من المُمثلين المعروفين على الصعيد العالمي كانوا مُرشّحين لأداء دور جاك في فيلم “التايتانك” منهم ماثيو ماكونهي، كريس أودونيل، بيلي كرودب، ستيفن دورف، إلا أن مُخرِج الفيلم كاميرون اختار ليوناردو دي كابريو، وكان في ذلك الوقت بِعُمر 22 سنة بعد خضوعه لتجربة الكاستنغ..
وعلى الصعيد العربي نذكر أن الفنان غسان مسعود الذي أدى شخصية صلاح الدين الأيوبي في فيلم “مملكة السماء” قد تم اختياره من قبل المخرج ريدلي سكوت من بين عدد من الممثلين الذين خضعوا للكاستنغ..
ومن المؤسف أن هذه الطريقة في اختيار الممثلين ما زالت غير متبعة بشكلها الصحيح، وإن بدأت بعض المحاولات الخجولة من قبل بعض مخرجينا باتباعها على صعيد اختيار بعض الممثلين للأدوار الثانوية فقط، في حين أن الأدوار الأولى غالباَ ما يقوم المخرج أو شركات الإنتاج باختيار أسماء محددة لها بعيداً عن الكاستنغ، ويبرر ذلك المخرج غزوان قهوجي بأن الوسط الفني السوري قليل العدد نسبياً، ومعظمه على معرفة ببعضه البعض وبنتاجات فنانيه، مؤكداً أنه يؤيد إجراء كاستينغ بالعموم بهدف التعرف على مواهب الممثلين وملامستها عن قرب، لكن الأهم بالنسبة له هو التيست الذي يتيح له تجريب شكل الشخصية وأدواتها ومقترح ممثلها سلفاً قبل التصوير.
عدم وجود تقاليد مهنية
ويبيّن الفنان مالك محمد أن مسألة اختيار الممثلين في وسطنا الفني ما زالت مزاجية وغير مضبوطة بمعايير معينة لعدم وجود تقاليد مهنية تحكم الوسط الفني، موضحاً أن المخرج في تجربة الكاستنغ ينبغي أن يضع مجموعة مواصفات جسدية ونفسية للشخصيات التي يبحث لها عن ممثل مناسب، وفي تجربة الكاستنغ يُطلب من الممثل تحضير مشهد يشبه ما سيقدمه في العمل ويختبره بذلك أمام الكاميرا، وبهذه الطريقة يكون المخرج قد امتحن الممثل وتلمس مدى مناسبة أدائه لما يريده للشخصية، مشيراً إلى أنه في هوليوود يتم الإعلان عبر الإعلام وفي كل الأمكنة عن تجربة كاستنغ لعمل من الأعمال، ويذهب إليه معظم النجوم ليتم اختيار من هو الأنسب للشخصيات التي يبحث لها المخرج عن ممثلين، وغالباً ما تكون شخصيات أساسية في العمل وليس كما يحدث عندنا لاختيار الشخصيات الثانوية، منوّهاً بأن بعض المخرجين لدينا يعلنون عن كاستنغ لعمل من الأعمال ولكنه يفاجأ أن مخرج العمل يعود لاختيار نفس الممثلين الذين سبق وأن اختارهم في عمله السابق، وأن الكاستنغ هو لاختيار ممثلين للمشاركة في مشهد أو مشهدين من العمل، لذلك هو يعذر الممثلين الذين يرفضون الخضوع للكاستنغ لأنهم يلمسون أنه غير حقيقي، أما هو فلن يمانع من دخول تجربة الكاستنغ حينما يتم الإعلان عنها بشكل محترم وحين يكون المخرج فيها بالفعل يبحث عن ممثل لأداء دور معين لتجسيد شخصية من الشخصيات، وحينها سيحمل معه سيرة ذاتية تشمل سيرته الفنية وأعماله التي قدمها ليتعرف عليه المخرج جيداً فإن كان أهلاً للشخصية التي يبحث لها عن ممثل بمواصفات معينة بعد أن يخضع لاختبار على صعيد الأداء والشكل، وذلك بعد تهيئة كل ظروف الشخصية التي سيؤديها من ملابس ومكياج، وعندها لن يتردد في خوض تجربة الكاستنغ لأن هذا ما يحدث في الدول الأخرى، والدليل أن فناناً كبيراً مثل غسان مسعود خضع لكاستنغ عندما تم الإعلان عن فيلم “مملكة السماء” مع المخرج العالمي ريدلي سكوت لأنه يعرف أن المخرج يبحث بالفعل عن ممثل يلعب دور صلاح الدين، مع الإشارة إلى أنه تقدم للكاستنغ شخصيات مهمة وأكثر من نجم، ولكن وقع الاختيار على مسعود.
حق طبيعي
وبعد مشاركته في كاستينغ لاختيار عدد من الممثلين للمشاركة في أحد الأعمال أَكَّد الفنان أمير برازي أنه لا يتردد في المشاركة في كاستينغ اختيار الممثلين، ويوضح أن القائمين على الكاستينغ استغربوا قدومه لأنهم يعرفونه جيداً، في حين رأى أن ذلك حق طبيعي لأي مخرج، مع تأكيده أن بعض الممثلين يترفعون عن هذا الأمر، أما هو فكل ما يعنيه أن يكون الكاستينغ دقيقاً ومهنياً، أي أن يقوم بوضع الممثل في قلب المشهد مع الإضاءة والتصوير، حيث لا يكفي أن يراه المخرج يتحدث، ويأسف لأن هذا مازال غير متبع في وسطنا الفني.
المساواة بتوزيع الفرص
وتعتقد الفنانة الشابة نور أديب أن فكرة الكاستنغ بدأت تنتشر مؤخراً، وقد ساعد على ذلك وجود صفحات مواقع التواصل التي تساعد على إتاحة وصول الإعلان إلى أكبر عدد من الراغبين بالمشاركة لأنها نوعاً ما تحقق المساواة بتوزيع الفرص إذا كانت موضوعية بحيث يتقدم لها كل من لديه موهبة والخضوع لاختبار دون أي اعتبار آخر، لذلك هي من المشجعين لهذه الفكرة الراقية التي يقوم بها مخرج أو شركة، وهي لا ترفضها إلا إذا كانت الجهة غير واضحة وغير معروفه بشكل عام، منوّهة بأنها دخلت الوسط الفني وعالم التمثيل في السينما والتلفزيون من خلال تجارب الكاستنغ، وهي فخورة بذلك، وتعتبر كل مشاركة فيه ونجاحها فيه بمثابة شهادة من المخرج الذي اختارها للمشاركة في عمله لأنه وجد فيها مؤهلات معينة تسمح لها بوجودها في العمل، وهذا منحها الثقة أكثر بموهبتها، مشيرة إلى أن فكرة الكاستنغ رائجة في الغرب ويخضع لها أهم النجوم، في حين أنها في وسطنا هي للوجوه الجديدة والمواهب المغمورة فقط، ومن خلال تجاربها توضح أديب أن لكل مخرج طريقته في اكتشاف الممثل المناسب لإحدى الشخصيات، وغالباً ما يعتمد على رؤيته في ذلك من خلال تحليله لشخصية الممثل الذي أمامه على صعيد الثقة وطلاقة اللسان والكاريزما وأمور معينة يجب أن تتوفر فيه لتجسيد شخصية من الشخصيات، في حين أن بعض المخرجين يطلبون من الممثل أداء مشهد تمثيلي.
مهمة بالنسبة للممثل
ويرى الفنان باسل خليل أن فكرة الكاستنغ بدأت بالانتشار مؤخراً في وسطنا الفني نتيجة تبادل الثقافات، ووجود عدد من المخرجين ومدراء الإنتاج الذين يعملون في الخارج، مؤكداً أن فكرة الكاستنغ مهمة بالنسبة للممثل عندما تطبق بشكل صحيح، حيث يتيح للممثل فرصة الحصول على دور بجدارة، وهو يرفض الكاستنغ عندما يشعر أنه للبروظة ولمجرد الإعلان عنه، وهو لا يستطيع اليوم تقييم تجارب الكاستنغ لأنها ما زالت مجرد تجارب تخطو خطواتها الأولى مع تأكيده على أهميتها للجهة المنتجة وللمخرج وللممثل قبل الكل حتى يكتشف نفسه ومدى ملاءمته لدور من الأدوار حتى ولو كان نجماً معروفاً، وهذا ما يحدث في تجارب الكاستنغ في أهم إنتاجات العالم (هوليود)، حيث يتم اختيار الممثلين بعد كاستنغ حتى لو كان الممثل لديه أعمال مع أهم المخرجين، منوهاً بأن الطريقة المثلى للكاستنغ هي أن يتم اختبار الممثل بعد أن يتم وضعه مكان الشخصية التي سيؤديها من ملابس ومكياج وأداء، وهذا ما خضع له في تجربة كاستنغ مسلسل “فرقة ناجي عطا الله” عام ٢٠١٢ والذي نجح فيه.
فكرة غائبة
ويأسف الفنان الشاب كريم نويلاتي أن العديد من مخرجينا ما زال غالبيتهم يختارون الممثلين حسب أمزجتهم، ويحدث كثيراً أن يختاروا أي ممثل لأداء شخصية من الشخصيات، مع تأكيده على أهمية وجود كاستنغ حقيقي يتم فيه بالفعل اختيار ممثل لأداء شخصية بعد اختبارات عديدة له على صعيد الشكل والمضمون كما يحدث في دول الغرب التي تنجح في إنتاج نجوم فيما بعد بفضل هذه الاختبارات الحقيقية لأنها تعطي الممثل المناسب للدور المناسب بعيداً عن أية اعتبارات سوى الكفاءة والإمكانيات.
أمينة عباس