على شفا..
عبد الكريم النّاعم
قال له: “أشعر أنّنا نقف على شفا، ما، لستُ أتبيّن ما هو، بيد أنّه غير مطمئن، حتى لكأنّ الكورونا وحدها ليست كافية، على الرغم من كلّ ما فيها من تدمير وتخريب، فإذا التقت الكورونا وفاسدي الداخل فذلك يكاد يضيء على “الشفا” الذي ذكرت، وثمّة مَن يقول إنّ هذا كلّه بتخطيط وتآمر من الخارج، فهل أنت مع هذا الرأي”؟!
أجابه: “أنا أتساءل متى لم نكن مستهدفين من الخارج الذي ذكرت، والمتمثّل بأمريكا وإسرائيل، ومَن يدور في ذلك الفلك، والذي أضافوا إليه بلداناً عربية جديدة، والحَبْل على الجرّار؟
عبر التاريخ هذه البلاد كانت مستهدّفة بحكم موقعها الاستراتيجي، وأضيف إلى ذلك قضيّة الصراع العربي الصهيوني، في عصر العرب الحديث، ولا تنس حجم المكتشَف فيها من مخزون نفطي وغازيّ، والذي عليه المُعوَّل في دوران عجلة الإنتاج الغربي، هذا كلّه يجعل المعركة أكثر تعقيداً، وأضرم سعيراً. فما نكاد ننتهي من معركة حتى تُفتَح علينا أبواب أخرى، ولن أفصّل في ذلك، فكلّ حدث مؤثّر يترك أخاديده الخاصة، ولا أمل في أن يتوقّف عدوّك عن إيقاد النّار، لإبقاء الحريق مشتعلاً، ليحرقَ ما يحرق، ويثبّط ما يثبّط، ويزيد في الارتباك، وهذا يضعنا أمام مسؤوليّة واحدة: إمّا أن نكون وإمّا أن نكون، وإلاّ نكون قد حكمنا على أنفسنا بقبول الذلّ، والاستعباد، والتخلّي عن كلّ قيم الشرف والوطنيّة”.
قاطعه: “هل ترى أنّ ثمّة أياديَ في الداخل، في مواقعها، فاعلة ومؤثّرة، تصبّ البنزين على النّار”؟!
أجابه: “اذكرْ لي زمناً واحداً، لدى أيّة أمّة عبر تاريخ البشرية الذي نعرفه، لم يكن فيها مثل ما ذكرتَ، لاسيّما في حالات الضعف، وإصابة جسد الوطن ببعض الأمراض! عبر الأزمنة ثمّة مَن يبيعون كرامتهم، وضمائرهم، وشرف أعراضهم من أجل الحصول على حفنة من الذهب، فهل رأيت هؤلاء في أية أمّة، أو في أيّة مرحلة، يمثّلون ضمير الأمّة؟! هؤلاء دورهم أن يبيعوا ويقبضوا ثمن ما يبيعون، وهنا يأتي دور ضرورة “النّهوض” بالداخل، ولا سبيل لمواجهة ما نحن فيه إلاّ بذلك النّهوض.
لنعدْ قليلا إلى التاريخ، لقد استعمر الغرب الصين، وأغرقها بالحشيش والمخدّرات، حتى ظنّ المستعمرون أنّه لن تقوم لهذا البلد قائمة، وكنتَ ترى مَن تعاطوا المُخدِّرات مطروحين في شوارع المدن، وجاء ماو تسي تونغ وبدأ بمسيرته الشهيرة المعروفة، وما نراه الآن في الصين كان ماو تسي تونغ ورفاقه قد أرسوا دعائمه، باستجابة طيبة من الشعب الصيني.
لنعدْ إلى مثال كوبا، كانت حانة للقمار، وحديقة خلفيّة لواشنطن، فبادر كاسترو وغيفارا ومن معهما، وباستجابة الناس، رغم وجود عملاء، لتحقيق ما وصلت إليه كوبا الآن، والذين زاروها لا يتحدّثون عن رفاه السيارات، والفنادق، والطائرات الخاصة، بل عن بلد يحافظ ماديّا ومعنويّا على كرامة كلّ مواطنيه، من السكن، إلى التعليم، إلى الصحّة، إلى أدقّ شؤون الحياة.
أسوق الأمثلة للتأكيد على أنّ “النّهوض” أمر ممكن، ولو كان الأمر غير ذلك لقتل اليأسُ الناس في مرحلة ما”.
قاطعه: “هل يمكن لبلد في هذا العصر أن يقوم بذلك دون عون”؟
أجابه: “في كلّ زمن ثمّة شرفاء في العالم، يقفون إلى جانبك، ويؤازرونك، ولكنْ لا يُنتَظَر منهم أن يقوموا بما يجب أن تقوم به أنت تجاه ذاتك، الفعل الخارجي مساند، وليس حاسماً، والحسم لا يكون إلاّ بيد وطنيّة، وبإرادة حازمة، ورؤية واضحة، وأهداف محدَّدة، تمثّل تطلّعات الشرائح الاجتماعيّة التي قدّمت الدماء، والشهداء، واستطاعتْ أن تكسر ذلك الطوق الذي ضربوه علينا، فحاصرونا في بيوتنا، وكانوا على بُعد خطوات، لنتذكّر بعض ما مرّ علينا في السنوات الماضية، لا شكّ أنّنا الآن في مرحلة مختلفة، وهذا يستدعي حشد الطاقات الوطنيّة الشريفة النّظيفة، وتطهير المواقع من السماسرة، والمرتشين، وبائعي الضمائر، ولا تنسَ أنّ أعداد التّوّاقين لما هو أنقى وأفضل، هو أضعاف أضعاف النّهّابين وسماسرة الضمائر.
aaalnaem@gmail.com