زبيب السويداء.. طقوس خاصة
“البعث الأسبوعية” ــ رفعت الديك
على الرغم من أن صناعة الزبيب في محافظة السويداء من المهن التقليدية المهمّة بين الصناعات التقليدية الرائجة في المحافظة، نظراً لتوفر العنب، المادة الأساسية، والذي يتجاوز عدد شجيراته بالمحافظة ٤ ملايين شجيرة، إلا أن تلك الصناعة ما زالت تصطدم بالعديد من المعوقات، وفي مقدمتها المشكلة التسويقية التي يبدو أنها ستكون مضاعفة هذا العام، جراء وفرة الإنتاج والكميات التي يطرحها المزارعون.
منذ منتصف الشهر الماضي، وعشرات الأسر الريفية في السويداء منهمكة بصناعة الزبيب التي لها طقوس خاصة تتعزّز من خلالها الحياة الاجتماعية، حيث يشارك كل أفراد الأسرة في هذه الصناعة التقليدية المتوارثة التي تشتهر بها المحافظة، ويعمل بها الكبير والصغير، والسيدات أيضاً، والتي يفضّلها عدد كبير من مزارعي مادة العنب لما لها من أهمية اقتصادية، حيث تقدّر نسبة العنب المستخدمة في صناعة الزبيب بنحو 87.8 بالمئة من إجمالي الإنتاج السنوي للمحافظة، وتتركز مراكز الإنتاج بصورة رئيسية في مناطق ظهر الجبل، والكفر، ومياماس، وعرمان، وقنوات، ومفعلة، إضافة إلى باقي المناطق التي تنتج العنب بدرجات متفاوتة.
ولهذه المهنة المتوارثة العديد من الخطوات التي يجب المرور بها وإتقانها للوصول إلى المنتج النهائي، حيث يشرح المزارع نائل الديك، من قرية مفعلة، مراحل تلك الصناعة بالقول إن “تحضير الزبيب يتمّ على عدة مراحل تبدأ بتنقية حبات العنب من العناقيد، وهي ما يسمّى بعملية التحبيب، أي فصل الحبات عن العنقود يدوياً، حيث يفضّل اختيار الحبات الكبيرة، ثم توضع في الماء لتنظيفها، لتبدأ عملية السلق وغمر العنب المحبّب في ماء يغلي لمدة دقيقتين”. وأضاف الديك: “بعدها، يضاف إلى العنب زيت الزيتون وبودرة مادة القلي للوصول إلى عملية التجفيف بعد فرش الحبات على سطوح المنازل، أو في الحقول الزراعية، حيث تترك عدة أيام تحت أشعة الشمس، وعندما تجفّ تصبح جاهزة، حيث يفضّل التجفيف الطبيعي على الصناعي.
وبيّن الديك أن كل خمسة كيلوغرامات عنب تنتج كيلوغرام واحداً من الزبيب، مشيراً إلى أن المزارعين يتعرّضون لخسائر متفاوتة حسب سعر مادة الزبيب في الأسواق التي يتحكّم به التّجار، وغالباً ما يتمّ بيع المنتح بسعر التكلفة، أو أقل بقليل، جراء ارتفاع تكلفة التصنيع من مواد أولية وأيدٍ عاملة.
أكثر من 10 آلاف فرصة عمل موسمية تؤمّنها صناعة الزبيب، خاصة وأن عدداً كبيراً من الأسر الفلاحية في المحافظة يعتمد على هذه الصناعة كخطوة لتسويق إنتاج العنب. ويشير المزارع فضل الله الدعيبس، رئيس الجمعية الفلاحية في قرية مفعلة، إلى أن سعر كيلوغرام الزبيب هذا العام يزيد عن ألفي ليرة سورية، سواء خلال فترة موسم إنتاج العنب التي تبدأ من شهر تموز وحتى نهاية تشرين الثاني، أو خارج هذه الفترة كونه يخضع لعملية التخزين، داعياً إلى إقامة شركات تسويقية مختصة بهذه الصناعات التقليدية، والتزام “السورية للتجارة” باستلام مادتي الزبيب والدبس، وتأمين أسواق خارجية لتصريفها، والترويج لها، واعتماد العنب محصولاً أساسياً، ودعمه عبر صندوق الدعم الزراعي، بما يسهم في حماية المنتج، وبالتالي الفلاح. وأكد أن هناك العديد من المعوقات التي تواجه تلك الصناعة المهمّة، أبرزها عدم وجود خطوط إنتاج لتصنيع الزبيب أسوة بالدول الأخرى.
وللزبيب فوائد غذائية وصحية كبيرة تجعل منه منتجاً صحياً بالدرجة الأولى، حيث يقول الدكتور أكرم أبو عمر، الاختصاصي في التغذية، إن منتج الزبيب يشكّل مادة غذائية مهمّة، ويتمتّع بفوائد علاجية، من أهمها أنه يحتفظ بأكثر خواص العنب الطازج، ويمدّ الجسم بالسعرات الحرارية، إلى جانب عشرات الفوائد الصحية الأخرى، حيث يعدّ مقوياً للمعدة والكبد والطحال، وفيه نفع لتقوية الذاكرة، وله فائدة كبيرة في مساعدة الجسم على التخلص من السموم، كما أنه مقاوم للميكروبات والفيروسات، ويوصف في الطب البديل لعلاج الروماتيزم وأمراض الكبد والمرارة وضغط الدم المرتفع، وأيضاً يعتبر علاجاً للسعال الجاف، وللوقاية من أمراض القلب، كما يعدّ مصدراً لعدد من المغذيات الضرورية للصحة مثل البوتاسيوم، والألياف، والحديد.
يحتلّ زبيب السويداء الصدارة من حيث الجودة والتماسك ونسبة السكريات العالية عن مثيله من الزبيب الإيراني، والصيني، واليمني، وينافس بقوة في السوق المحلية والأوروبية. وقدّرت مديرية الزراعة بالسويداء إجمالي إنتاج مادة الزبيب المصنّعة من ثمار العنب للموسم الحالي بنحو 5400 طن. وأشار معاون مدير الزراعة بالسويداء، المهندس علاء شهيب، إلى أن نسبة العنب المستخدمة في صناعة الزبيب تُقدّر بشكل وسطي بنحو 10 بالمئة من إجمالي الإنتاج السنوي، ويتركز تصنيعه في مناطق الكفر وعرمان وقنوات ومفعلة وحبران ومياماس وسهوة الخضر. ولفت إلى أن إنتاج الزبيب للموسم الحالي جيد ويحقّق قيمة مضافة للمزارعين عبر عمليات تصنيعه بدلاً من بيع العنب بشكل مباشر.
بدوره بيّن مدير فرع “السورية للتجارة” في السويداء عاصف حيدر عزم الشركة على التدخل إيجابياً في سوق الزبيب عبر استجرار بعض الكميات منه بأسعار مجزية للفلاحين وعدم تركهم عرضة لابتزاز التجار، منوهاً بتشكيل لجان سبر ستقوم بزيارة أماكن الإنتاج وتحديد الأسعار المناسبة للبدء باستجرار الكميات التي ستحدّد بناءً على طلب فروع الشركة في باقي المحافظات.
إذن لصناعة الزبيب مكانة اجتماعية واقتصادية مهمّة لدى أبناء السويداء، ولا شك أن حلّ مشكلات هذه الصناعة ليس بالأمر الصعب أو المستحيل عبر التوجّه نحو التصنيع الآلي، وخاصة في عملية التجفيف التي توفر الوقت والجهد، وتزيد جودة المنتج، وذلك بوجود منهجية واضحة لتصريف الإنتاج، وتأمين أجهزة قياس الرطوبة في المنتج، بما يسهم في توحيد صفاته ودرجة كثافته، وقد يكون من الضروري بدء تأسيس منطقة صناعية متطورة لإنتاج الزبيب، وتوفير خطوط إنتاج، ودعم تلك المنطقة لتكون نواة لتحويل تلك الصناعة من يدوية إلى آلية.