“أدب الطفل وفنه بين الواقع والطموح”.. نفير سوري لثقافة الطفل
تأتي أهمية أدب الطفل من أنه بات حاجة ملحة وضرورية، بعد أن أثّرت الحرب الظالمة على فكره وحياته، فأزمتنا الحقيقية تبدأ الآن من خلال إعداد جيل واعٍ مثقف، وتحت عنوان “أدبُ الطِّفل وفنُّهُ بينَ الواقع والطُّموح” أقام فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب ندوة أدارها رئيس تحرير مجلة أسامة قحطان بيرقدار.
غصة كبيرة
ترى الكاتبة أميمة إبراهيم أن عنوان الندوة غصّة كبيرة، وأن أدب الأطفال ليس بخير، إذ قالت: هناك العديد من المشكلات لم نستطع تجاوزها، لأن الوسيلة الوحيدة لإيصال الفكرة إلى الطفل هي الطباعة الورقية، ومعظم أدباء الأطفال لا يستطيعون ذلك بسبب التكلفة المادية المرتفعة، لذلك نلجأ إلى الجهات الرسمية للطباعة، وهناك فكرة استسهال الكتابة للأطفال التي أدّت إلى انتشار الفكر التجاري، والتي بدورها تؤثر على فكر الطفل. في الحقيقة، أتمنى أن تصدر عن اتحاد الكتّاب العرب مجلة دائمة ودورية خاصة بالطفل أسوة بالدوريات الأخرى، وهذا يبقى ذخراً للمستقبل. إن تجربة الملحق الصادر عن الاتحاد كانت تجربة ناجحة، لكنها تحتاج إلى الصقل واستكمال النواقص من خلال رفدها بورشات عمل تستطيع أن تكمل النص بالرسم المناسب له محلياً، وليس المستورد من الانترنت وغيره، ولكن على صعيد المضمون النصوص ناجحة.
وعن أداء وتفعيل دور جمعية أدب الطفل أضافت أمينة سر الجمعية أميمة إبراهيم: تعمل هذه الجمعية بكل جدٍ، وتواظب شهرياً على دعوة الأعضاء لاجتماع شهري في مقرّ اتحاد الكتّاب العرب، ولكن الحضور لا يتجاوز حتى الآن العشرة أعضاء، وبالنسبة لرفد الاتحاد والجمعية بالأدباء الشباب لم يتمّ الموافقة على أي طلب من طلبات الانتساب، وهناك صعوبات عديدة تحول دون حضور معظم الأدباء للاجتماعات الدورية، منها ظروف الحرب والمواصلات، وهذا يحول أيضاً دون تحقيق الجمعية لمعظم أهدافها، بينما في الخارج يحظى أدباء الأطفال بعناية خاصة، وتقدّم لهم التسهيلات اللازمة للقيام بعملهم، وهذا ما نحتاج إليه الآن.
مجلة شامة
مجلة “شامة” موجّهة للأطفال من عمر (4 – 8) سنوات، ولهذه المرحلة الزمنية احتياجات تختلف عن المراحل الطفلية المتقدمة الأخرى، وعن المجلة قالت رئيسة تحريرها أريج بوادقجي: الطفل يكون في مرحلة التكوين، ولابدَّ من التركيز على القيم التربوية بعيداً عن الوعظ والتنظير والإرشاد ضمن فكرة مكثفة إبداعية مترافقة بالرسم المتناسب معها، وليس كل كاتب بقادر على الكتابة لهذه المرحلة، والكتّاب لهذه المرحلة قلائل أو يمكن القول نادرون، ورحلة البحث عن كتّاب لهذه المرحلة رحلة صعبة وشاقة.
وعن مقومات النص الأدبي لهذه المرحلة، قالت بوادقجي: هناك مشكلة حقيقية في الكتابة لهذه المرحلة العمرية، فأغلب الكتّاب يرسلون لنا مطولات، ونحن نعيد لهم النصوص لصياغتها وفق شروط فنية معينة، فالنصوص يجب أن تتقيّد بعدد الكلمات وتكون مكتوبة بشكل جيد، وجملها مكثفة ومترابطة ورشيقة، وتحتاجُ لفكرة تنتمي لعالم الطفل في هذه المرحلة، حيث يكون للطفل خياله وعالمه وقاموسه اللغوي الخاص.
وعن الصعوبات التي تعترض مجلة “شامة” والحلول المقترحة، قالت بوادقجي: النص المراد إيصاله للطفل يحتاج إلى جهد وفنان مميّز، ونحن نوافق على النص بشرط أن يكون مكتمل العناصر الفنية، ونتعاون مع الفنان لرسم الصورة المناسبة المعبّرة عن الفكرة والنص الأدبي. والحقيقة، هناك دور نشر في سورية تسعى إلى ترويج النص التجاري، الذي يؤثر على فكر الطفل سلباً، وهناك دور نشر تنشر القصص دون إعطاء الكاتب الأجر المناسب مكتفية ببعض النسخ التي تعطيه إياها، وهذا أمر لا يصلح أبداً.
اللوحة وتأثيرها
وعن أهمية الرسوم الموجودة في الكتب والمجلات الموجّهة للأطفال، قالت الفنانة ضحى الخطيب: أحببت عالم الطفل والخيال المبدع والألوان الجميلة، والرسوم يجب أن توازي إبداع النص المترافق معها، وهي تجربة مميزة في مجال الخيال والألوان، وأمر نفتقده دائماً، عملي هو بناء اللوحة وهذا يعطي قيمة مختلفة للنص، وقد شدّني هذا العمل، وأنا أقوم به بكل حب، وكلما اطلع الرسام وثقّف نفسه، كلما أبدع أكثر في مجال الرسم، ومتابعة تجارب الآخرين لصقل الموهبة أمر ضروري، كذلك متابعة الرسوم الأجنبية تضيف للجميع رؤية جديدة نحن بأمسّ الحاجة لها، ويعدّ استخدام الكمبيوتر للرسم في هذا المجال أمراً مدهشاً، فهو ينتج صورة متحركة ومميزة ومتقنة، وكل فنان يستطيع أن يثبت نفسه في اختيار طريقة الرسم التي تناسبه، المهم أن تشدّ اللوحة الطفل.
وأضافت الخطيب: لقد اعتذرت عن الرسم مؤخراً لمديرية منشورات الطفل وفي دوريات الوزارة التي بدأت مشواري معها، والسبب هو الكلف العالية للوحة التي أعمل عليها، فأنا أعمل في مجال الـ(كولاج) وهذه اللوحة تكلفني مادياً (التصوير، واللصق والتلوين والمواد الخام وغيره)، والمبلغ الذي تقدّمه المديرية لا يغطي التكاليف المادية، لذلك ألجأ للعمل لدور النشر التي تقدم لي المبالغ اللائقة لتغطية النفقات الحياتية العادية، وقد تقدّمت لنقابة الفنانين بطلب انتساب وقدمت لهم الرسوم المناسبة والتي كلفتني مادياً وفكرياً الكثير، فقاموا بإلقائها في مستودع النقابة، وعاملوها بإهمال لا يليق بصورة أخذت مني كل هذا الجهد والوقت!.
توطين الرسوم المتحركة
دخلت سورية في القرن الماضي عالم الفضاء، فهل استطاعت الرسوم المتحركة دخول هذا المضمار، عن هذا السؤال أجاب الفنان رامز حاج حسين بالقول: الرسوم المتحركة صناعة أساسها الخلق والإبداع، ويجب فعلياً أن تكون جميع مقوماتها مترابطة بشكل وثيق، لكن في سورية ينقصنا موضوع الاهتمام بهذه الكوادر. كما يجب علينا مراقبة ما يُعرض على التلفاز وما يقدّم للطفل، فكل ما يُعرض من صناعة رسوم هو إنتاج خارجي بعيد عن واقعنا ومجتمعنا وفكرنا وثقافتنا، لذلك يجب أن نولي الرسوم والفنانين المحليين الرعاية الكافية لتجاوز ذلك، وللأسف لا يوجد خطة وطنية لذلك، وكل المنابر المختصة مقصّرة في هذا المجال، وفي الواقع لا توجد تجارب على الساحة الفنية بسبب عدم وجود مموّل على الرغم من وجود المواهب والكوادر المميزة والموهوبة.
وعن المؤسّسات الحكومية وما قدّمته من إنتاج قال حاج حسين: للأسف لم تستطع المؤسسات الرسمية حتى الآن إدراك الأهمية الحقيقية للرسوم الموجّهة للطفل، وهذا كارثة بالنسبة لمجتمع يريد أن يربي أطفاله تربية صحيحة، لدينا جيل مؤهل يعمل في هذا المجال يحتاج للتوجيه، مؤسسة السينما لم تنتج حتى الآن سوى أعمال قليلة ونادرة في هذا المجال، ومشكلتنا هي مشكلة عدم الوعي وعدم تحمّل المسؤولية وهذا يقع على كاهل الجميع، ونحن ليس لدينا نقابة لفناني أدب الأطفال ورساميهم وهذه فعلياً حقيقة مؤلمة، لذلك لابدَّ من العمل على إنتاج عمل محلي يحمل الفكر الوطني ويقدّم الطفل السوري بصورته الحقيقية، بدلاً من استيراد فكر أجنبي يقدم للطفل، وكلنّا نعلم أن مقص الرقابة في هذه الشركات يكون حازماً، حيث يقوم بحذف العديد من المقاطع التي لا تتناسب مع مجتمعنا وفكر طفلنا، ويجب أن نباشر بالعمل على إنجاز هذه الفكرة. إن استيراد هذه المسلسلات والعمل عليها هو ترقيع، أين منتجنا الخاص الذي يعرض حكاياتنا الشعبية التي تربينا عليها؟!، نحن قادرون على صنع ثقافة خاصة بنا، ولكن نحتاج إلى الدعم المناسب، وأدعو للنفير السوري العام لثقافة الطفل.
جُمان بركات