نقاط قوة السياسة الخارجية الصينية
عناية ناصر
الصين هي واحدة من أقوى الدول في العالم عسكرياً واقتصادياً، وأكبر سوق، ومركز كلّ سلاسل التوريد العالمية تقريباً، والقوة العظمى الناشئة. جغرافياً، لديها العديد من الجيران، ولديها أكبر عدد من الحدود البرية مع الدول المجاورة، فلديها 14 دولة مجاورة.
منذ استقلالها، عملت بجد لتظلّ لاعباً مهماً في الساحة الدولية. ولأنها عضو في مجلس الأمن، فهي تتمتّع بميزة إضافية أيضاً. إن المنافس الأبرز للصين في الشؤون الدولية هو الولايات المتحدة الأمريكية، فلطالما كانت العلاقات بين الطرفين متوترة، لكنهما لم يتورطا قط في مواجهة عسكرية مباشرة مع بعضهما البعض. وعلى عكس روسيا، لم ترغب الصين أبداً في الاندماج في الغرب، أو أن تكون جزءاً من الغرب، بل إنها تدرك أهميتها في المجال الدولي، وتبنّت مقاربات عقلانية لتصبح اللاعب العالمي الرئيسي. فما هي نقاط القوة في السياسة الخارجية المعاصرة للصين بقيادة شي جين بينغ، بعدما أصبحت الصين بلا شك ذات تأثير كبير، وحسّنت علاقاتها مع الدول الأخرى على الرغم من وجود بعض العقبات؟.
التحول من السياسة التقليدية
تُوّج شي جين بينغ باعتباره أقوى زعيم للصين منذ ماو تسي تونغ، ومنذ توليه المنصب سعى إلى تغيير السياسة الخارجية وحرفها عن السياسات التقليدية للصين. تتمثّل إحدى نقاط القوة المهمّة للسياسة الخارجية الصينية الجديدة في أنها إستراتيجية كبرى تتمثّل في أن الصين ستتخلى عن إستراتيجية “الابتعاد عن الأضواء” والتحول إلى موقف نشط وأكثر وضوحاً.
البحث العالمي عن الطاقة
إن الحاجة غير المسبوقة للموارد هي الدافع الآن لسياسة الصين الخارجية، فعدد سكان الصين هو الأكبر في العالم، حيث يبلغ عددهم 1.4 مليار نسمة تقريباً، وإطعام سكان 1.4 مليار شخص ليس بالمهمة السهلة. ويشكّل هذا نحو 18.47٪ من إجمالي سكان العالم. كما أن موارد الدولة ليست كافية لتلبية احتياجات الناس، لذلك، من أجل إطعام هذا الحجم الكبير من سكانها، يتعيّن على الصين أن تنظر في الموارد الأجنبية أيضاً.
استثمرت الصين الكثير في الدول الأجنبية بحثاً عن الموارد، يعتبر هذا قوة للسياسة الخارجية للصين، حيث كان بحث الصين عن موارد بمثابة نعمة للدول النامية، لأنه يسمح للعديد من الدول باستغلال مواردها التي لم تكن تمتلكها، أو أنها تفتقر إلى الأنظمة والأساليب المناسبة لاستخراج تلك الموارد. تساعد الصين بشكل غير مباشر الدول النامية على تحسين ظروفها الاقتصادية، مما يقلق الولايات المتحدة والدول المتقدمة في الوقت نفسه.
تدويل الشركات
كانت الصين تتطلّع إلى الموارد الأجنبية وتستثمر فيها كثيراً، وقد أدى ذلك إلى تدويل الشركات الصينية. وكان وجود الصين في دول أخرى وفي جميع أنحاء العالم تقريباً، سواء كانت أفريقيا أو آسيا أو أوروبا، أمراً مقلقاً للولايات المتحدة وحلفائها. زادت الصين من وجودها، وأظهرت المزيد من النهج الليبرالي، وقد أدى هذا أيضاً إلى جعل الدول تنظر إليها بشكل مختلف، لا على أنها ساعٍ للنفوذ.
مبادرة الحزام والطريق
تسوّق الصين “مبادرة الحزام والطريق” كمساهمة مميزة للصين في الانفتاح والتنمية الدوليين، إذ تُعدّ المبادرة واحدةً من أكثر الطرق تأثيراً ومثالاً واضحاً على أن نموذج الصين ليس مفيداً فقط للدول النامية، بل أيضاً للدول المتقدمة. هناك أيضاً ثقة متزايدة في أن الصين يمكن أن تتولى دوراً عالمياً رائداً في العالم، وأن تكون نموذجاً ليس فقط للبلدان النامية وإنما للعالم بأسره.
الصين في أفريقيا
استثمرت الصين كثيراً في القارة الأفريقية وساعدت القارة على تحسين قطاعها الصحي والاقتصادي. لقد ضخت الصين مبالغ هائلة من الأموال في القارة وساعدتها على النمو اقتصادياً. إنها قوة لأن أفريقيا قارة لديها موارد هائلة لكنها تفتقر إلى الأنظمة والأساليب لاستغلال تلك الموارد. تضمّ أفريقيا أفقر دول العالم، وعندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأعظم، لم تفكر في مساعدة تلك الدول، تقدمت الصين لمساعدة أفريقيا، عاكسة بذلك قوة ناشئة مسؤولة.
قوة عظمى مسؤولة
تمارس الصين نفوذها في جميع أنحاء العالم من خلال سياساتها. إذا أخذنا مثال الوضع المعاصر لوباء فيروس كورونا السائد في العالم، فإن إيطاليا، عندما أصابها الوباء، طلبت من الاتحاد الأوروبي المساعدة، لكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (كونهما حليفين لإيطاليا)، صمّا آذانهما عن دعوة إيطاليا. استفادت الصين من الموقف وقدّمت لإيطاليا المساعدة الطبية اللازمة لمكافحة الوباء، كما كان للصين تأثير في أوروبا، فقد ساعدت دولاً أوروبية مثل فرنسا، وقدّمت لها الأقنعة والمعدات الصيدلانية، لتثبت للعالم أنها قوة عظمى أكثر مسؤولية على عكس الولايات المتحدة الأمريكية.