دراساتصحيفة البعث

الشعب السعودي ينشد الحرية خارج بلاده

 

ترجمة: لمى عجاج
عن موقع سي إن إن نيوز 3/2/2019
كان الفجر على وشك أن يطلع في سيدني عندما رنّ هاتف نورا، ردّت فإذا بالمتصلة تقول لها: “أنا طالبة لجوء من السعودية اُدعى رهف القنون وعمري 20 عاماً، وأنا أريدك أن تساعديني وأن تتحدثي باسمي”.
الفتاة السعودية المراهقة اتصلت بنورا لتشرح لها أن جواز سفرها تمّت مصادرته في مطار بانكوك وأن السلطات التايلندية هدّدت بترحيلها إلى بلدها. لفتت رهف القنون الانتباه لقصتها بعد النّداء الحماسي الملتهب الذي أطلقته على تويتر الشهر الماضي من أجل الحصول على حق اللجوء، فقامت بحبس نفسها في غرفةٍ بفندق المطار لتمنع السلطات من ترحيلها. كانت نورا تمشي مسرعةً صعوداً ونزولاً في حديقةٍ عامةٍ في سيدني، وهي تقوم بإجراء اتصالاتها مع القنوات الإخبارية الغربية متحفظةً عن كشف اسمها بالكامل وذلك لدواعٍ أمنية. قالت نورا إنها لم تقابل رهف بعد وأنها ليست بحاجةٍ لرؤيتها شخصياً، يكفي أنها فتاة سعودية مثلها وفي مثل ظروفها، فهي أيضاً هربت مؤخراً من السعودية، وهذا ما جعلها تدرك ضرورة اتخاذ خطواتٍ سريعةٍ ومستعجلةٍ في قضية رهف القنون التي تمّ منحها حق اللجوء إلى كندا بعد بضعة أيام. تحدّثت نورا إلى “سي إن إن” وأخبرتهم بأنها اهتمّت بقضية رهف القنون لأنها تعيش في بلدٍ حر تستطيع فيه التعبير عن رأيها دون أن تتعرّض للسجن، وأن هذا ما دفعها للحديث عنها وإخبارهم بقصتها وقصة رهف “فالقضية ليست قضية رهف فقط بل هي قضية المرأة السعودية، وهذا تماماً ما كانت ستفعله مع أي فتاة سعودية أخرى في حال طلبت مساعدتها”. ظلت نورا تنشر قصة رهف عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومعها اثنتان من صديقاتها السعوديات الأصل دون التعريف عن أنفسهن، وأجرت اللقاءات مع وسائل الإعلام وكتبت على تويتر تغريدات تهاجم فيها المجتمع السّعودي الذي يسمح للرجل أن يمارس قوانين الوصاية الصّارمة على المرأة السّعودية وتعطي الرجل حقوقه دون المرأة، فالحصانة التي يمتلكها الرّجل تبرّر له ممارسة العنف ضد المرأة دون الخوف من العقاب، وهذا ما جعل رهف القنون تهرب، وجعل فكرة “طلب اللجوء” شائعة في المملكة العربية السّعودية، فحسب النّاشطين والمحللين أصبحت الإغراءات تزداد أمام طالبي اللجوء بعد الحملة التي يقوم بها ولي العهد السّعودي لقمع المعارضة في السّعودية، حيث شنّت السلطات السّعودية حملة اعتقالات وملاحقات استهدفت علماء ومفكرين ورجال دين ورجال أعمال وأمراء، وقامت السلطات بتعذيبهم وألصقت بهم تهمة “التعامل المشبوه” مع جهات خارجية، ولكن الحكومة السّعودية نفت هذه الادعاءات حول هذه الممارسات وردّت بالقول “لن نتغاضى.. ولن نشجع على استخدام القمع والتعذيب”.
لقد وُضع ولي العهد تحت حمايةٍ دوليةٍ مشدّدة بعد مقتل الصحفي السّعودي جمال خاشقجي في القنصلية السّعودية في اسطنبول في شهر تشرين الأول الماضي، والذي وصفته السّعودية بمحاولةٍ فاشلةٍ جديدةٍ لتشويه سمعة المملكة، وأن القتلة سوف ينالون عقابهم، ولكن رأي السّعوديين في الخارج كان مختلفاً، فبالنسبة لهم السّعودية وموظفوها في الخارج هم المسؤولون عن هذه الجريمة، وهذا ما عبّر عنه النّاشط السّياسي السّعودي المعارض والمقيم في لندن يحيى العسيري الذي قال لشبكة “سي إن إن” قبل انتشار خبر اختفاء خاشقجي: “كنت لا أفكر مطلقاً بالدخول إلى السّفارة السّعودية، ولكن قضية القنصلية جعلتني الآن أكثر إصراراً على موقفي”. العسيري كان عضواً سابقاً في سلاح الجّو الملكي، في عام 2013 سافر إلى المملكة المتحدة ليدرس في مجال حقوق الإنسان ولكنه قدّم طلباً للجوء بعد سنةٍ من سفره وأصبح لاجئاً سعودياً مقيماً في لندن ولم يعد مضطراً للذهاب إلى السّفارة ليحصل معه ما حصل مع خاشقجي الذي دخل ولم يخرج بعدها.
ارتفاع أعداد اللاجئين السّعوديين خارج المملكة
ازدادت أعداد طالبي اللجوء حول العالم في السنوات الأخيرة، ففي عام 1993 تمّ تسجيل سبع حالات لجوء توزّعت على الأردن واليونان والسويد، أما حالياً فيبلغ عدد اللاجئين وطالبي الّلجوء نحو 2,392 حسب الإحصائيات الحديثة لمفوضية شؤون الّلاجئين، موزعين على خمس دول: الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا والمملكة المتحدة وألمانيا. وقد تصاعدت هذه الأعداد بعد الربيع العربي عام 2011 واندلاع الاحتجاجات التي قام بها السّعوديون في المنطقة الشّرقية من المملكة، في حين بلغ الارتفاع في أعداد الّلاجئين وطالبي الّلجوء ذروته بعد دخول ولي العهد السّعودي محمد بن سلمان إلى المعترك السّياسي في السّعودية، حيث اعتبر الباحث في “هيومن رايتس واتش” والمختص بشؤون الشرق الأوسط آدم كوغل “أن أسباب الازدياد في الأعداد يعود ببساطة لسياسة القمع التي يمارسها ولي العهد محمد بن سلمان على الشّعب السّعودي مما دفعهم إلى الهرب خارج البلاد”. أما علي الشهابي الذي يترأس مؤسسة “آرابيا”، وهي مؤسسة فكرية للأبحاث مركزها واشنطن ومقربة من القيادة السّعودية ومؤيدة لولي العهد محمد بن سلمان، فقد عبّر عن رأيه قائلاً: “من المؤكد أن القمع السّياسي الحاصل في المملكة والذي ازداد بشكلٍ كبيرٍ في الآونة الأخيرة سوف يدفع المزيد من السّعوديين إلى الهرب خارج البلاد”، ولكن رأيه لا يشكّل أي أهمية نظراً لموقفه الدّاعم لولي العهد السّعودي وسياسته القمعية على الشعب السّعودي الذي صار ينشد الحرية خارج بلاده ويبحث عنها في المنفى.
لقد بدأت قوة ولي العهد محمد بن سلمان بالتزايد بعد أن اعتلى والده العرش في كانون الثّاني عام 2015 حين عيّنه الملك كوزيرٍ للدفاع في السّنة نفسها، ثم تمّ تعيينه كوليٍ للعهد في السّنة التي تلتها وأصبح يلقب بالحروف الأولية من اسمه
(م ب س)، وهو الآن مرشح بقوة ليصبح الملك.
عمل ولي العهد محمد بن سلمان على توسيع مشروع للتنمية الاجتماعية والاقتصادية أطلق عليه اسم رؤية “2030” التي تهدف إلى تحرير اقتصاد المملكة من سيطرة النفط وزيادة الإيرادات غير النفطية، كما خفّفت هذه الخطة التنموية من حدّة القوانين الاجتماعية المتحفظة التي منعت المرأة السعودية من قيادة السّيارة ورفعت عنها الوصاية من قبل الرجل وأصبحت تستطيع قيادة سيارتها بنفسها، كما افتتحت السّعودية دور السينما واستقبلت الفرق الموسيقية واستضافت الحفلات.
وقد نالت هذه الإصلاحات القوية استحسان الغرب وتصدّرت عناوين الصحف العالمية. ولكن الحقيقة هي أن وراء كلّ هذه الإصلاحات والخطط الطموحة كان هناك واقعٌ أسود، فبعد بضعة أشهر من تنصيب محمد بن سلمان كوليٍّ للعهد كتب صحفي سّعودي في الواشنطن بوست لقد وعد محمد بن سلمان بأنه سيجعل من السّعودية بلداً أكثر انفتاحاً وتساهلاً، وبأنه سيعالج الأسباب التي حدّت من تطورنا ومنها منع المرأة من قيادة السّيارة، ولكن ما أراه الآن هو موجةٌ جديدةٌ من الاعتقالات”. وكتب أيضاً بلغةٍ يملؤها الأسى: “يؤلمني أن أتحدث مع أصدقاء سعوديين آخرين يقيمون مثلي في منفاهم الاختياري، فهناك سبعةٌ منا على الأقل في اسطنبول ولندن، فهل سنكون نواة للشتات السعودي؟.. وهل ستظل المرأة السّعودية تشعر بعدم الأمان وتفكر بالهروب مثلما فعلت رهف ونورا التي قالت إنها كانت تخطّط للهرب من السّعودية طيلة حياتها، فظلم أهلها وزوجها لها زاد من إصرارها على قرارها الذي كانت تدخر المال لأجله ولأجل اليوم الذي ستستطيع فيه النجاة، فإما المواجهة وإما الهروب، وما دامت غير قادرة على المواجهة فليس أمامها سوى الهروب”.