هل يقود استعراض العضلات الأمريكي إلى حرب باردة؟
إبراهيم أحمد
في السادس من تموز الماضي اعتبرت وزارة الخارجية الصينية أن قيام واشنطن بإرسال سفن إلى بحر الصين الجنوبي “استعراض عضلات”، كما دانت التدريبات الأميركية في بحر الصين الجنوبي، مشيرة إلى أن إرسال واشنطن عمداً حاملتي طائراتها هو بمثابة ليّ ذراع، وفي التاسع من الشهر الجاري أعلنت وزارة الدفاع الصينية عن دخول مدمرة أميركية إلى منطقة قرب جزر باراسيل، في بحر الصين، من دون إذن سلطات بكين، مطالبة واشنطن بالتوقف فوراً عن هذا السلوك الاستفزازي.
وفي هذا الشأن نقلت وكالة “بلومبيرغ” عن وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، قوله: إن “المهم الآن في السياسات العريضة للبلدين، هو وضع حدود للمواجهة، لأن ذلك هو السبيل أمام عدم تكرار الحرب العالمية الأولى اليوم”، موضحاً أن ما يحصل اليوم أشبه بحرب عالمية باردة بين البلدين. وفي حين أشار إلى أنه يخشى أن تتطوّر هذه الحرب قريباً، أكد كيسينجر أن هناك مشكلة لدى واشنطن، وهي ترسيخ قناعة أن الولايات المتحدة هي المهيمنة على العالم لوحدها، وهي قناعة يجب تغييرها. وهذه ليست المرة الأولى التي يحذّر فيها كيسنجر من صراع محتمل بين البلدين، خاصةً أنه سبق ذلك إغلاق القنصليات والتضييق على البعثات الدبلوماسية، في ظاهرة أخرى من أشكال الحرب الباردة بين البلدين.
كما تناول داينال ديفيس، وهو عقيد متقاعد في الجيش الأميركي وكاتب في الشؤون الدفاعية، في مقالة له في مجلة “ناشونال انترست” الأميركية تحت عنوان “هل تنزلق أميركا والصين نحو الحرب”، موضوع التوتر الأميركي الصيني الأخير واحتمالات المواجهة العسكرية بين الدولتين. وجاء في المقالة: “يبدو أن واشنطن قررت الدخول في حرب باردة جديدة مع الصين”، ورأى أنه قد يكون تصحيح مسار السياسة الفوري هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخرج واشنطن وبكين من حافة الهاوية، واعتبر أنه في جميع الاحتمالات ستستمر كل من واشنطن وبكين في دوامة الإجراءات والإجراءات المضادة. هذا النوع من الانخراط المتدهور لا يفيد أياً من البلدين ويزيد من فرصة الصراع العسكري، سواء عن طريق الصدفة أو سوء التقدير. لسوء الحظ، لا يبدو أن هناك شهية في واشنطن للتبريد، وهكذا فقد تزايد استخدام مصطلح “الحرب الباردة” في الساحات السياسية خلال الأشهر الأخيرة، مدفوعاً بخطب نارية لكبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، والتي أدت إلى سلسلة من الإجراءات العقابية التي تستهدف الشركات والأفراد في الصين.
هذا الخطاب الناري استشهدت به الصحف الصينية، وبشكل خاص ما ذكرته مجلة نيويوركر الأمريكية، في تحليل لخطاب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 23 تموز في مكتبة نيكسون الرئاسية في كاليفورنيا، عندما قالت: إن بومبيو “تحدث بغضب عن تواصل نيكسون مع الصين قبل نصف قرن، وقال: إنَّ هذا التواصل فشل، وعلى الحلفاء إنشاء تحالف جديد شبيه بحلف شمال الأطلسي لمواجهة الجمهورية الشعبية الصينية.. لقد أعلنتْ حرباً باردة جديدة”.
بدورها رصدت صحيفة تشاينا ديلي الصينية مجموعة من الآراء المعتدلة لخبراء السياسة والاقتصاد في الولايات المتحدة حول ما يثار عن “حرب باردة جديدة” بين أمريكا والصين، حيث أجمعوا على أن مثل هذه الحرب لن تسفر إلا عن نتائج وخيمة وسيخسر الجميع فيها، وحذر جيفري ساكس الاقتصادي البارز من أن شن “حرب باردة” جيوسياسية بين واشنطن وبكين تعكس طريقة خطيرة في التفكير، مخاطباً ساسة أمريكيين بعدم الانخراط في لعبة ستفضي إلى عواقب وخيمة، وقال ساكس، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا الأمريكية، لشبكة “سي إن بي سي” أثناء مشاركته في نقاش حول العولمة: “ما يقلقني هو شيء آخر.. إنها حرب جيوسياسية باردة”، وأضاف: “هذا خطأ مروع… الحرب الباردة الأخيرة (بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي) كانت خطيرة بما فيه الكفاية، أما هذه الحرب فستكون أشد خطورة”، وتابع: إن حرباً باردة أخرى ستكون قراراً خاطئاً، مستدركاً بالقول: “لكن الكثير من الأمريكيين يريدون فرضها على الصين، ويعتقدون أنهم يتحكمون في زمام الأمور، لكن تلك طريقة تفكير خطيرة للغاية”.
وقال ساكس للمشاهدين في المقابلة التلفزيونية :ما يقوله الناس عن الصين بصراحة دليل على الغباء، مضيفاً: إن الكثيرين لديهم صورة غريبة عن الصين باعتبارها “وحشاً شمولياً للسيطرة على العالم، وهذا هو التفكير الأمريكي الكسول غير العادي في الماضي”. وأوضح أن الصين لا تسعى للسيطرة على العالم، فهي دولة تريد أن تعيش حياة طبيعية كريمة مثلما يريد الأمريكيون، وأضاف: إن مستوى المعيشة في الصين يشبه إلى حد ما الثلث أو الربع أو حتى خمس ما لدى الأمريكيين، وتابع القول: “الصينيون يريدون مكانهم تحت الشمس، وهذا لا يعني أنهم يستولون على العالم”، وأضاف: إن الأفكار المضللة التي يتبناها الحزبان (الجمهوري والديمقراطي) يمكن أن تفاقم خطورة الوضع مستقبلاً، وأشار إلى أن السياسة في الولايات المتحدة “رياضة خطيرة للغاية”، وليست مجرد لعبة صعبة، وقال: “التلاعب بالحقائق والأكاذيب التي نقولها عن الصين الآن، له عواقب”.
ساكس ليس الصوت الوحيد الذي يدعو لرفض الحرب الباردة، فقد قال جوزيف ناي العميد السابق لكلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد: إن القياس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لا يتطابق مع الواقع، وأضاف في منتدى افتراضي في مدينة أسبن بولاية كولورادو مؤخراً: “أعتقد أن تشبيه الحرب الباردة لا معنى له”. وأضاف: يجب أن ننزع من أذهاننا المقارنات التاريخية، مثل الحرب الباردة، وندرك أن أجندة السياسة العالمية تتغير، وتابع: في الحرب الباردة السابقة، لم يكن للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أي اتصال تجاري أو اجتماعي مع بعضهما البعض، لكن الولايات المتحدة لديها “الكثير” من التجارة مع الصين، وهناك ما يقرب من 370 ألف طالب صيني في الولايات المتحدة، ووصف العلاقة بين الولايات المتحدة والصين بأنها “تنافس تعاوني”، مضيفاً: “لديك بعض القضايا مثل تغير المناخ والأوبئة، حيث لا يمكننا فعل أي شيء ما لم نتعاون مع الصين”.
من جانبهم يرفض الدبلوماسيون الصينيون علانية فكرة الحرب الباردة الجديدة، وقال السفير الصيني لدى الولايات المتحدة كوي تيانكاي في منتدى أسبن: إن الحرب الباردة تاريخياً لم تخدم المصالح الحقيقية لأي طرف، وأضاف: نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين. لماذا يجب أن نكرر ما حدث في القرن الماضي عندما نواجه العديد من التحديات الجديدة والتحديات العالمية؟ لا أعتقد أن الحرب الباردة الجديدة سوف تخدم مصالح أي شخص أو ستوفر لنا أي حل للمشكلة.