أقل ما يقال .. هم في وادٍ والواقع في وادٍ آخر..!.
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
“كلام جرايد”.. طالما ترددت ولا تزال هذه العبارة على مسامعنا في إشارة واضحة بأن إعلامنا يتوارب على الحقيقة، وكأنه في وادٍ والواقع المفترض أن يعكسه بوادٍ آخر، ما أدى في كثيرٍ من الأحيان إلى إحجام المتلقي عنه، لأسباب لها علاقة مباشرة بما ينقله من تصريحات إيجابية لمسؤولينا تتناقض مع الواقع المعاش وتصوره بأنه في أحسن أحواله، بل ولا تخلو تلك التصريحات من وعودٍ براقة تحلق بأحلام مستمعيها إلى واقع وردي لا يتحقق في غالب الأحيان…!.
هذا الأمر له وجهان كلاهما أمرُّ من الآخر.. فإما أن المسؤول ينأى عن تشخيص الواقع وما يكتنفه من مشكلات وتجاوزات تحتاج حشد مزيد الجهود والإمكانيات لاجتثاثها من جذورها، وذلك لافتقاره بالأصل للمبادرات والأفكار والإجراءات اللازمة، لذلك يقصد من وراء تسويق حُسنُ سير مفاصل قطاعه تخدير المواطن والإعلام ريثما يجد الحل المناسب، وهذه بالطبع طامة كبرى..!.
أو أن المسؤول بالفعل ليس على اطلاع بحقيقة ما يجري في قطاعه، وهذه طامة أكبر..!.
الأدلة على ذلك كثيرة جداً، وليس أولها تلك التصريحات والتقارير التي تصدر بين الحين والآخر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك حول اهتمامها بالأخير وحمايته من خلال متابعتها لوضع الأسواق ومراقبتها لأسعار السلع والمواد وكيفية انسيابها في الأسواق، في حين أنها لا تزال تخفي حقيقة فقدان مادة الزيت من صالات السورية للتجارة، رغم أنها متوفرة بالسوق بالسعر غير المدعوم طبعاً.. وبالتالي، فلماذا تتغنى الوزارة بضبوط مخالفات وإغلاقات لا تغني ولا تسمن من جوع، وتخفي حقيقة فقدان مادة الزيت..!.
وليس آخر ما يدل على تناقض كلام مسؤولينا ما أكده وزير النفط والثروة المعدنية منذ حوالي الشهر، بانتهاء أزمة البنزين بداية الشهر الحالي، وها نحن نتجاوز ثلثي الشهر، ولا يوجد مؤشر على قرب انتهاء الأزمة، لا بل إن الازدحام ومشاهد الطوابير على محطات الوقود تأخذ منحى تصادعدياً..!.
وهنا نتساءل: لماذا لا يتجرأ مسؤولونا على تشخيص المرض الحقيقي بغية استئصاله، ويلجأون إلى المبالغة بتسويقهم لفكرة أن “الأمور بخير.. والحال من حسنٍ إلى أحسن”!؟ أليس في ذلك إدانة لهم، خاصة إن كان الأمر مرتبطاً مباشرة بالمواطن وواقعه المعاش؟
وهنا، ننوه إلى ما يحدث في بعض الدول المتقدمة من تراجع مسؤوليها عن تصريحات غير دقيقة، وليست غير صحيحة فقط، بل إن الأمر يصل بهم في كثير من الأحيان إلى الاستقالة من مناصبهم، ولعل هذا هو أحد أسرار استحواذهم على ثقة من يخدمون، لأن المنصب – وفق نواميسهم – “تكليفٌ وليست تشريفاً”..!.