النظام الضريبي في أوروبا.. تاريخ من السلبيات لمصلحة بعض الدوريات
“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيّر
تطرقنا سابقاً إلى الأرباح الهائلة التي يجنيها نجوم الرياضة، وخاصة لاعبو كرة القدم، من الإعلانات وحقوق الملكية لصورهم، بالإضافة إلى رواتبهم التي ترتبط بعوامل عدة ليست موضوعنا اليوم.. صحيح أننا سنتابع الحديث عن عالم المال في الرياضة، ولكن هذه المرة سنركز على ناحية سلبية طالما أرّقت إدارات الأندية الرياضية في أوروبا، وعلى وجه الخصوص فرق كرة القدم؛ والموضوع هو النظام الضريبي الذي تفرضه بلدان القارة العجوز على رياضييها، فعدم مجاراته لتطور هذه اللعبة، وتحولها سنة بعد سنة إلى صناعة قائمة بحدّ ذاتها، أدّى إلى حدوث فجوات بين الدوريات التي عدلت قوانينها ونظمها الضريبة، وبين تلك التي بقت تصمّ آذانها حتى وقت قريب عن الإتيان بأي تعديل.
فآلية عمل النظام الضريبي في بلدان الدوريات الأوروبية الكبرى يفرض اقتطاع نسبة من أرباح الرياضيين، سواء رواتبهم أم الأموال التي يحصلون عليها من بيع الصور والإعلانات التجارية، وكانت هذه النسبة تصل إلى مئة في المئة، لكن الحكومة البريطانية كانت سباقة في تقليل من هذه النسبة لتصل إلى النصف تقريباً، ما جعل “البريميير ليغ” مقصد جميع نجوم كرة القدم. لكن سرعان ما تبعها العديد من الحكومات لتبقى الحكومة الإيطالية آخر من قام بهذا التخفيض الذي شهدناه لأول مرة، هذا العام، في فترة الانتقالات الصيفية، ويعتبر قانون بيكهام أهم القوانين التي أدت إلى إدخال تعديلات جذرية على أغلب الدوريات. وكما هو واضح من اسمه، يرتبط قانون بيكهام باللاعب الإنكليزي السابق دافيد بيكهام الذي كان أول من استفاد من قرار الحكومة الإسبانية بتخفيض الضرائب المفروضة على الأجانب، ممن يحققون دخلاً سنوياً يساوي أو يفوق 600 ألف يورو، وذلك تزامناً مع انتقاله إلى نادي ريـال مدريد الإسباني، عام 2003، متقاضياً راتباً سنوياً يفوق هذا الرقم بكثير. وقد عمدت الحكومة الإسبانية وقتها إلى تقليص الضرائب المفروضة على الأجانب من 45% يدفعها المواطن الإسباني إلى 24% فقط يدفعها الأجانب الذين تفوق رواتبهم الـ 600 ألف يورو لمدة ستة أعوام، والهدف طبعاً تحفيز الأجانب أصحاب الكفاءات- ليس فقط الرياضيّة – في مختلف المجالات، على القدوم إلى إسبانيا والإقامة على أراضيها، ليصار عام 2010 إلى إلغاء هذا القانون في إسبانيا مع تأثر اقتصادها بالأزمة المالية العالمية، عام 2008، وتم استثناء اللاعبين الذين تنقضي عقودهم عام 2015 من القرار، على غرار البرتغالي كريستيانو رونالدو مهاجم ريـال مدريد، الذي يرجح أن يكون السبب الأساسي وراء تركه إسبانيا هو إلغاء قانون بيكهام.
وعلى عكس ما كان في الثمانينيات والتسعينيات، فإن انتقال الأسماء الوازنة لإيطاليا قد تراجع بشكل لافت في ظل الضائقة المالية التي تعاني منها كافة الأندية في البلاد، ما جعلها تقدم رواتب متواضعة تسببت برحيل اللاعبين الكبار وعزوفهم عن الانتقال إلى إيطاليا، إذ يصعب على نجم كبير أن يلعب ضمن صفوف نادٍ لا يمنحه راتباً كبيراً ويفرض عليه ضرائب باهظة.
وأمام العجز عن تقديم الرواتب السنوية الخيالية، جاء الحل بتقليص الضرائب المفروضة على النجوم لتحفيزهم على اللعب في إيطاليا، على غرار ما كان معمولاً به في إسبانيا، والذي ساهم بشكل كبير بانتقال الأسماء اللامعة لصفوف ناديي برشلونة وريـال مدريد.
وبالفعل، تم توسيع المادة الخامسة في قانون الضرائب المالية، وسميت هذه الخطوة فيما بعد بمرسوم النمو، وهدفها أساساً عودة العقول، عبر نظام ضريبي مناسب منح لفئات معينة من أصحاب الشهادات لتشمل المهن الرياضية، وينصّ على السماح للطليان، أو الأجانب الذين يستقرون في إيطاليا بعد سنتين على الأقل في الخارج، ويلتزمون بالبقاء سنتين على الأقل ولمدة أقصاها خمس سنوات، الاستفادة من شروط ضريبية تفضيلية تصل إلى إعفاء على 50% من دخلهم من الضرائب، فيما يبقى النصف الآخر خاضعاً لضريبة بنسبة 43%. وقبل تعديل في اللحظة الأخيرة، كان من المتوقع خضوع 30% فقط من العائدات للضرائب، وفي حالة لاعبي كرة القدم الذين يتم التفاوض بشأن رواتبهم الصافية، تبدو الأندية من أكبر المستفيدين، فمن المعلوم أن اللاعبين يحصلون على رواتبهم صافية بعد خصم الضرائب، حيث تقوم الأندية بتحمل الراتب إضافةً إلى الضريبة، وبذلك فإن النظام الجديد سيخفف من فاتورة الرواتب وضرائبها على الأندية، ويسهل عليها جذب لاعبين جدد للعب في صفوفها.
وسنأخذ صفقة انتقال الهولندي ماتياس دي ليخت إلى نادي يوفنتوس مقابل 75 مليون يورو مثالاً، حيث سيوفر القانون على عملاق تورينو نحو 4 ملايين يورو سنوياً، حيث ينال دي ليخت راتباً صافياً يبلغ 8 ملايين يورو سنوياً، وكان بطل الدوري سيدفع 14 مليوناً إجمالياً فيما انخفض هذا المبلغ إلى 10 مليون يورو.
طبعاً، الحال نفسه ينطبق على المدربين، لكن على المستفيد من هذا القانون تسديد مساهمة تضامن بنسبة 0.5 في المئة من راتبه الخاضع للضريبة لتطوير كرة القدم لدى الشباب، ولا يمكن الجمع بين هذه الميزة الضريبية ونظام آخر يرجع تاريخه إلى العام 2017، والذي يستفيد منه النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو القادم إلى يوفنتوس منذ موسمين، والذي يستفيد من ميزة تدعى الضريبة الثابتة، والتي تسمح للمكلّفين بدفع ضريبة ثابتة من العائدات المكتسبة في الخارج، على غرار عقود الرعاية، قدرها مائة ألف يورو سنوياً.
وفي فرنسا، تعتبر الضرائب من أكثر المواضيع إثارة للجدل، فقد حاولت الحكومة سابقاً رفع الضريبة بنسبة 75% على أصحاب الدخل المرتفع ومن ضمنهم لاعبي كرة القدم، إلا أن هذا المقترح تم إلغاؤه من البرلمان، بعد احتجاجات واسعة، وسمي هذا المشروع بضرائب الأثرياء. أما في ألمانيا، فتبدو الأمور فيما يتعلق برواتب اللاعبين متوازنة نوعاً ما، وبالرغم من تميز لاعبي بايرن ميونيخ من ناحية الأجور، فإن باقي الأندية تبدو قريبة من بعضها البعض على الرغم من الثراء الفاحش لبعضها، وهذا يرجع لأن أغلب الأندية ملّاكها شركات أو مؤسسات لا تهتم كثيراً لرفع سقف الأجور، كما أن الدوري الألماني بشكل عام لديه قاعدة شبه متفق عليها هي الابتعاد عن الصفقات الجنونية والتعاقدات الخرافية، خاصة من خارج الدوري، ومسألة العقود أو كشف رواتب المدربين أيضاً تعتبر من الأسرار الكبرى التي يحافظ على سريتها كلا الطرفين اللاعب والنادي.
وطبعاً، لا تخلو الرياضة كغيرها من فضائح التهرب الضريبي رغم كل التعديلات ومحاولات الإنصاف بين الحكومات والأندية بما يعم بالفائدة على الاثنين ويؤدي بالدرجة الأولى إلى تطور الرياضة، التي ثبت في السنوات الأخيرة أنها من أهم سبل رفع الدخل القومي للبلدان؛ وأهم هذه الفضائح تلك التي يكون أبطالها نجوماً من الصفّ الأوّل، كقطبي كرة القدم في السنوات العشر الأخيرة: الأرجنتيني ليونيل ميسي، والبرتغالي كريستيانو رونالدو؛ فكلنا نذكر حكم القضاء الإسباني على أفضل لاعب في العالم ست مرات بالسجن لـ 21 شهراً بتهمة التهرب من دفع ضرائب بقيمة 4.3 مليون يورو، وما إن انتهت قضية البرغوث حتى تم تفجير فضيحة أكبر بخصوص الدون الذي اتّهم رسمياً بالتهرب من دفع 14.7 مليون يورو، وانتهت القضيتان بالتوصل لاتفاق دفع من خلاله كل لاعب مقابلاً مادياً أعلى من ذلك الذي تهربا من دفعه، مقابل الحكم بمدة سجن أقل من 24 شهراً، وهي المدة التي تعفيهم من دخول السجن في حال عدم وجود اتهامات سابقة بحقهم.