مجلة البعث الأسبوعية

تعاقدات اللاعبين بمئات الملايين وكثرة الأموال تثير الاستغراب

“البعث الأسبوعية” ــ عماد درويش

تشهد الساحة الرياضية منذ فترة جنوناً كبيراً لم تعرفه عبر تاريخها في أسعار ورواتب اللاعبين في الدوري المحلي لكرتي القدم والسلة، بدعمِ وتمويل من رجال أعمال وداعمين، حيث يتم تداول أخبار عن عقود لاعبين كثيرين بعشرات ملايين الليرات، ولربما تصل لمئة مليون ليرة للاعب الواحد، لتثير هذه المسألة حفيظة واستغراب الكثير من محبي وعشاق الرياضة المحلية، وتكون موضع سجال كون الأرقام الخيالية التي أعلن عنها لم تخطر في ذهن أحد.

الملفت في الأمر أن أغلب الأندية تعاني من مسألة الاستثمارات الخاصة بها، مع العلم أن أنديتنا هي أندية عامة، وتمويلها من الاتحاد الرياضي العام بشكل خاص، فكيف يمكن تفسير هذه الظاهرة المتناقضة؟

 

أرقام خيالية

بعض الأرقام أشارت أن قيمة بعض العقود وصلت إلى 100 مليون ليرة أو أكثر لموسم واحد، وهي مبالغ خيالية قياساً بالوضع العام، حتى أن بعض الأصوات طالبت بإيقاف هذه المهازل باعتبارها ستضر بالرياضة، خاصة وأن خزائن الأندية خالية من المال، في حين هي بحاجة لـ ٥٠٠ مليون ليرة، أو أكثر، لسداد قيمة التعاقد مع اللاعبين.

مدربنا الوطني بكرة القدم، جورج خوري، أشار لـ “البعث الأسبوعية” إلى أن ما يحصل حالياً من تعاقدات للاعبين أو المدربين هو ضرب من الخيال، ولم تعهده لعبة كرة القدم، ولو فكرت إدارات تلك الأندية لوجدت أن ما يحصل يضر باللعبة، فعندها اللاعب سيكون ولاءه للتاجر الذي دفع له، ولن يكون للنادي! وهذا لا يطور كرة القدم عامة، بل سيؤدي إلى تراجعها فنياً، وتساءل الخوري: في حال حدث خلاف بين النادي والتاجر الداعم، وابتعد الأخير عن الجو الرياضي، ما هو مصير اللاعبين عندها؟ مؤكداً أن مسؤولية الأمر يتحمله اتحاد كرة القدم، وعليه الوقوف بحزم بوجه مثل تلك التعاقدات.

 

مضر للمنتخب

من جهته، مدربنا الوطني بكرة القدم طارق جبان بين أن التعاقدات خيالية، ولا تعطي الواقع الحقيقي لأي لاعب مع وجود بعض الاستثناءات، فالكثير من الأندية تعاقد مع لاعبين بمبالغ “خيالية”، وهذا الأمر ليس صحياً، بل هو مضر بالكرة السورية، فالنادي صاحب المال الأكبر سيستقطب أهم اللاعبين، ويترك لبقية الأندية الصفقات الأقل، وعندها ستنحصر المنافسة على بطولة الدوري بين ناديين أو ثلاثة لا أكثر.

وأضاف الجبان: ما يحصل الآن لن يرفع مستوى الدوري الكروي، وسيؤثر على المستوى الفني للمنتخب، كون أغلب لاعبي المنتخب هم من ناديين فقط، وهذا الأمر سينعكس على الأندية، وعلى حماسة وإثارة الدوري، وأتمنى أن يكون المال متوفراً لكافة الأندية حتى تستطيع أن تستغله بالشكل الأمثل، وأعتقد أن الأموال التي تدفع “خرافية”، ولا يستحقها القسم الأكبر من اللاعبين.

 

طوابق فنية

مدربنا الوطني بكرة القدم فراس معسعس رأى أن العامل المادي لعب بشكل كبير بتعاقدات الأندية، وأصبحت الأندية بطوابق مختلفة تماماً، فالبعض يقدم عروضاً مغرية لأي لاعب مميز، أو حتى لاعبي المنتخب الأول، أما بقية الأندية فهي تعاني بشكل كبير بسبب عدم وجود داعمين، أو استثمارات تلبي احتياجات التعاقدات، ولذلك سنشاهد دورياً مختلفاً عن بقية المواسم، وانحصار المنافسة بفرق تشرين وحطين والوحدة والاتحاد، وبنسبة أقل لنادي الجيش.

وكشف معسعس أن قيمة التعاقدات ليست مرتفعة مقارنة بدول الجوار، ومقارنة بالمواسم الماضية بسبب التضخم المالي، لكن من الممكن أن يتأثر المستوى الفني وتنحصر المنافسة بفرق معينة.

 

أسس الاحتراف

ما قيل عن كرة القدم ينطبق على كرة السلة، حيث رأى الخبير السلوي هشام الشمعة أن جنون التعاقدات السلوية اجتاز كرة القدم، ولو كانت الأندية على مستوى واحد، أو قريبة من بعضها، لقلنا “حلال!” على النادي الذي يستطيع جلب اللاعبين، لكن الذي يحصل مختلف تماماً.

وتساءل الشمعة: كيف يرضى النادي المستقبل للمال أن يكون تحت رحمة تاجر أو داعم؟! مضيفاً: أنا مع الاحتراف المعتدل الذي يلبي حاجة ابن النادي، ولست مع الاحتراف الفاحش حيث لا تستطيع الأندية باستثماراتها دفع تلك المبالغ، وترى من يدفع الأموال الطائلة لبعض اللاعبين لتحقيق بطولة لموسم واحد أو موسمين، ولو أن هذه الأموال الطائلة تصرف على فريق كامل، بأعمار ١٦ سنة، لكانت تخدم النادي أكثر في المستقبل، وبأكثر من بطولة واحدة، في حين نجد أن التعاقد شمل اللاعبين كبار السن، وهم على أبواب الاعتزال؛ وأقول إن انعدام الانتماء ومحبة الأندية والهرولة وراء الاحتراف المادي أحبط عزيمة لاعبينا؛ والركض وراء المال فقط، بات هو المهم، ولم يعد المهم المستوى الفني، والدليل هو النتائج التي تحققت مع المنتخبات الوطنية.

أخيراً نتمنى من المكتب التنفيذي وضع أسس الاحتراف حتى لا نحصر لاعبينا بناديين أو ثلاثة ويبقى الباقي متفرجين لا حول لهم ولا قوة، كما نتمنى من المكتب المختص وضع ثلاثة حكام على الأقل بوضع الاحتراف أسوة بلاعبي الأندية، كي لا يبقى الحكم الجهة المجهولة في عالم الاحتراف ويبقى اللاعب أفضل منه مادياً ومعنوياً.