ترامب يخطئ في قراءة الرأي العام
إعداد: عائدة أسعد
واشنطن الآن أكثر توتراً من أي وقت مضى، وهي تعيش أزمة لم تشهدها منذ الحرب الأهلية في عام 1860، وفضيحة “ووترغيت” أشهر فضيحة سياسيّة في تاريخ الولايات المتحدة، والتي أدّت إلى استقالة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون من منصبه ليصبح الرئيس الوحيد المستقيل في تاريخ البلاد. لكن نيكسون -الذي اختبر النظام الدستوري بصفته محامياً خدم في الحكومة لعقود- أدرك جيداً أن هناك حدوداً لا يجرؤ حتى الرئيس على تجاوزها.
الأزمة التي تواجه الولايات المتحدة الآن بعيداً عن الكورونا هي أن ترامب لا يعترف بالحدود، ولا يحترم النظام الدستوري لأمريكا الذي يعتمد بقاءه، ويحاول باستمرار انتهاك الأعراف دون أي ضوابط على سلوكه، مصرّاً على أن المادة الثانية من الدستور تمنحه الحق في فعل ما يريد القيام به.
يسعى ترامب لتقويض الثقة في نتائج الانتخابات إذا كانت ضده، من خلال محاولته تشويه سمعة ملايين بطاقات الاقتراع بشكل استباقي، والافتراض أنه بسبب جائحة COVID-19، التي سمح لها ترامب بالخروج عن السيطرة، فإن عدداً أكبر من الأمريكيين سيصوّتون عن طريق البريد أكثر من أي وقت مضى، وأن معظم الذين سيفعلون ذلك من الديمقراطيين.
وفي وقت سابق أخطأ ترامب في قراءة الرأي العام، وسعى إلى إبطاء تسليم البريد من أجل استبعاد ملايين بطاقات الاقتراع عبر البريد، وبعد ردّ فعل عام عنيف من المفترض أن يتمّ تعليق تلك الأنشطة، لكن تسليم البريد لا يزال أبطأ من ذي قبل.
وفي أيلول الماضي قال ترامب: “إن عواقب الانتخابات ستكون سلمية طالما نتخلّص من بطاقات الاقتراع”. والآن يبحث هو وفريق حملته عن المزيد من الطرق لتشكيل أو إبطال نتيجة الانتخابات إذا لزم الأمر، بينما يناقش حلفاء جو بايدن منافس ترامب كيفية إحباط تدخل الجمهوريين في النتيجة وإجبار الرئيس على الخروج من البيت الأبيض إذا خسر الانتخابات.
ومؤخراً، أوضح استطلاع لصحيفة “نيويورك تايمز” سبب سعي ترامب المحموم للحفاظ على سرية إقراراته الضريبية بأنه لم يدفع سوى 750 دولاراً فقط من الضرائب على الدخل في عامي 2016 و2017، كما أن صفقاته التجارية دليل على يأسه للفوز بفترة ولاية أخرى في المنصب. حتى صحيفة “التايمز” عرّت واجهة ترامب الشعبوية، وكشفت أن الأساس المنطقي لرئاسته -كان مليارديراً ذكياً سيطبق فطنة أعماله المذهلة لإدارة البلاد- كان زائفاً تماماً، وأوضحت أن ترامب تلقى مساعدة مالية من دول استبدادية مثل تركيا والمملكة السعودية، وعليه يحذّر العديد من المراقبين من أن مديونية ترامب لدول أجنبية تجعله يشكّل تهديداً للأمن القومي، خاصةً وأنه يترتب عليه أكثر من 400 مليون دولار من الديون التي من المقرّر أن تُستحق في السنوات القليلة المقبلة.
حتى في المناظرة الرئاسية الأولى كان أداء ترامب دليلاً قوياً على التهديد الذي يشكّله على الديمقراطيين من خلال سلوكه البلطجي -الانقطاعات المتسلسلة والأفكار السيئة والتشويهات الصارخة- وهو امتداد لجهوده الدؤوبة لتدمير أي وسيلة لمحاسبته.
والحقيقة أن لا شيء سيخفّف من مأزق ترامب السياسي، ولن ينال ثقة الآخرين ودعمهم في هذه المرحلة، وهناك قضايا مقلقة ومزعجة للمعايير، منها عدم رغبته في إدانة المتعصبين للبيض وتحريضه الواضح على العنف وتهديداته، لدرجة أن بعض أتباعه من الجمهوريين في مجلس الشيوخ أعربوا صراحة عن قلقهم.
كما يمكن إلقاء نظرة على بعض مظاهر الحجة القوية في محاولة ترامب الطعن بمجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، بترشيح القاضية اليمينية آمي كوني باريت لشغل مقعد المحكمة العليا بعد وفاة البطلة الليبرالية روث بادر جينسبيرغ، فهو يعارض اقتراحات الديمقراطيين وكذلك الرأي العام بقوله صراحة إنه يريد من باريت أن تعمل على تحسين فرصه إذا وصلت أي قضية تتعلق بنتيجة الانتخابات إلى المحكمة.
إن عزوف ترامب -وربما عدم قدرته- على الوصول إلى ما وراء قاعدته اليمينية، التي لا تكفي لانتخابه، يدعو أيضاً إلى التشكيك في فطنته السياسية، وهو أحد الأسباب العديدة للشك في ذكائه الأساسي، وبات من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن ترامب يقوم باختبار الدستور بطرق غير مسبوقة من أجل إدامة قبضته على السلطة!.