دراساتصحيفة البعث

جنرال فرنسي يتحدث عن رقعة الشطرنج العالمية

هيفاء علي 

أصبح البحر الأسود، الذي كان يعتبر منطقة ازدهار ذات موارد زراعية وفيرة، ومنطقة عبور للطاقة ضرورية لأوروبا منذ تدمير أنابيب الغاز “نورد ستريم”، منطقة مواجهة. في 19 تموز 2023، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن جميع السفن المبحرة في البحر الأسود إلى الموانئ الأوكرانية ستُعتبر ناقلة محتملة للبضائع العسكرية.

حول هذا الموضوع، تحدث الجنرال الفرنسي دومينيك ديلاواردي، المدير السابق لمنظومة الحرب الإلكترونية في هيئة التخطيط العملياتي المشتركة، في مقابلة صجفية، عن توازن القوة العسكرية في البحر الأسود بين أوكرانيا وروسيا وعواقب نهاية اتفاق الحبوب.

وأشار الجنرال ديلاواردي إلى أن توازن القوى بين روسيا وأوكرانيا في البحر الأسود لا يزال كبيراً لصالح روسيا. بينما كانت أوكرانيا قد خسرت الجزء الأكبر من أسطولها الذي يتخذ من سيفاستوبول مقراً له عندما تمّ ضم شبه جزيرة القرم في استفتاء عام 2014، وسقطت سفينة القيادة نفسها بدلاً من الاستسلام. انضمّ معظم البحارة الأوكرانيين الموالين لروسيا طواعية إلى الجانب الروسي بسفنهم، لذلك لم يعد لأوكرانيا قوة بحرية عسكرية غير البحرية النهرية. بالإضافة إلى ذلك، قبل أيام قليلة من إطلاق العملية الخاصة، في شباط 2022، أعادت روسيا بذكاء شديد وقبل إغلاق المضائق، عشرات السفن من الأسطول الشمالي إلى البحر الأسود أثناء مناورات بحرية من بينها 6 سفن إنزال وغواصة واحدة، وفي الجو، تتمتّع روسيا، بسيطرة شبه كاملة على السماء.

وأوضح الجنرال في سياق ردّه على سؤال آخر حول وزن دول صغيرة مثل بلغاريا ورومانيا في المنطقة، أنه من الواضح أن الثقل الاقتصادي والعسكري لبلغاريا ورومانيا مرتبط بثقلهما الديموغرافي، لجهة أن عدد سكان هاتين الدولتين الصغيرتين يبلغ 26 مليون نسمة. أما بالنسبة لبلغاريا، التي تعتمد بشدة على روسيا في وارداتها من الطاقة، فهي بطبيعة الحال لا تريد إثارة غضب موسكو، التي تظلّ المورّد الرئيسي لها، ولجميع فئات السلع مجتمعة. ففي عام 2022، تضاعفت قيمة الواردات الروسية في بلغاريا بأكثر من ثلاثة أضعاف لتصل إلى 6.15 مليارات يورو مقارنة بعام 2020، 1.92 مليار يورو. بينما رومانيا أقل اعتماداً على روسيا من بلغاريا، ومع ذلك، ليس لديها ميل كبير للتدخل بمفردها ضد روسيا، لأنها لا تملك الوسائل العسكرية. وبالتالي فإن قوتها في الإزعاج المناهض لروسيا تقتصر على نقل توريد الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا ونقل المعدات السوفييتية الصنع إلى القوات الأوكرانية، بكل الأحوال تبقى رومانيا حذرة.

وفيما يخصّ نتائج انتهاء اتفاقية الحبوب والقصف الروسي على البنية التحتية لميناء أوديسا، أوضح الجنرال أن انتهاء اتفاقية الحبوب والقصف على أوديسا سيؤدي إلى إيقاف حركة النقل البحري من أو إلى أوديسا، وسيوافق عدد قليل من مالكي السفن وشركات التأمين على إدارة المخاطر الملاحية في البحر الأسود، لكنهم يعتبرون بحق رئة أوكرانيا. لذلك ستضطر أوكرانيا إلى تصدير ما تصدّره عن طريق البحر عن طريق البر، لكن بعض دول الاتحاد الأوروبي الحدودية ترفض عبور الحبوب الأوكرانية عبر أراضيها على أساس أنها تتنافس مع إنتاجها، مثل بولندا، جمهورية التشيك، وعليه، ستؤدي هذه الصعوبات في الملاحة إلى ارتفاع أسعار الحبوب في الأسواق وزيادة حدّة التضخم في الغرب، وكذلك إلى الصعوبات التي تواجه البلدان النامية التي تستورد الحبوب.

وحول آفاق الناتو بشكل عام في البحر الأسود، لفت إلى أنه من الواضح أن آفاق الناتو في البحر الأسود أسوأ مما كانت عليه قبل إطلاق العملية الخاصة، كما هو مرجح، إذا انتصرت روسيا في أوكرانيا، واستولت على أوديسا، وبالتالي، عندما تنتهي الحرب، سيتمّ التوقيع على معاهدة، على الأرجح بشروط روسية، وستحدّد هذه المعاهدة الحدود البرية والبحرية الجديدة لأوكرانيا، بينما ستستعيد روسيا، في نهاية العملية الخاصة، المنطقة البحرية الهائلة المرتبطة بها، وتضاعف ثلاث مرات مساحة مياهها الإقليمية، بالإضافة إلى استعادة المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر الأسود، واستعادة احتياطيات الغاز الأوكرانية الكبيرة المكتشفة قبالة جزيرة الثعبان، وسيتمّ تخفيض الحصة المتبقية للدول القريبة من الناتو، والتي أوكرانيا عضو فيها، وفقاً لذلك.

وبالتالي، ستخضع آفاق الناتو في البحر الأسود أكثر من أي وقت مضى للتفاهم الجيد بين الولايات المتحدة وتركيا والذي سيظل هشاً، بعد ذلك، يجب أن تقتصر مناورات الناتو البحرية في البحر الأسود، في أحسن الأحوال، على نصف هذا البحر: في الجنوب، في المياه الجورجية والتركية، وإلى الغرب في المياه البلغارية والرومانية، وإذا تحولت تركيا إلى معسكر منظمة شنغهاي للتعاون، فإن احتمالات وقوة الإزعاج لحلف شمال الأطلسي في البحر الأسود سوف تتضاعف.