“حفر على الزمن والحرف” في صالة زوايا
يعرض حاليا في صالة زوايا للفنون الجميلة معرضا لأعمال الفنان الشاب محي الدين ملك اشتمل على مجموعة كبيرة من اللوحات المنفذة بتقنيات مختلفة وبقياسات متنوعة، استلهم في تقديمها فكرة الكتابة والخط على السطح التصويري مستعينا بفكرة الحرف وتجلياته الصوفية عند العارفين مثل “النفري”: الحرف حجاب، وبمقولة أخرى لأحد الفلاسفة: لا تجد حرفا واحدا يصف الشعور الذي بداخلك.. كما حمّل المعرض عنوانا مختلفا: “حفر على الزمن والحرف”.
لا يخلو المعرض من حضور الفنان المصور أولا والقادر على تأليف مجموعة واسعة من الخلفيات اللونية بملامس غنية في السطح والدرجات اللونية، ولا يخفى هنا لمسة التأثر والاستعارة من تجارب تصويرية معروفة وحاضرة جعلت من جملة المعرض كائنا تصويريا أكثر بلاغة من الكيان الغرافيكي من الكتابة المباشرة بقلم الفلوماستر المضاف إلى اللوحة جعل منها شيئا مختلطا وتشوبه الهجينية والإقحام غير المبرر مثله مثل المقدمة الأدبية التي استعارها من النفري وفيلسوف آخر وكأن الأمر تبريريا!؟
لو اكتفى الفنان بعرض مجموعة اللوحات الغنية بحسها التصويري دون زج الكتابة التي جاءت مشوشة وغريبة ولا تنتمي لعائلة اللوحة الأساس لكان الأمر مختلفا ومفيدا، ويذهب في مكان آخر ومغاير يعمل على اللوحات الورقية التي نجح في تقديم قيمة هامة وغنية بالحس الغرافيكي وخبرة رسم الحرف وتحقيق رشاقة الكتابة والتلقائية بعيدا عن صنعة الرسم التقليدية للحرف، حيث استخدم أداة الكتابة العريضة والحبر الأسود الممدد بالماء على الكرتون محدثا تدرجا لونيا في فضاء من الموسيقى البصرية محققا طابع الحركية في اللوحة. هذه المرتسمات الحروفية القريبة من أعمال الفنان العراقي حسن المسعودي الذي يعيش في باريس وكان قدمها في ثمانينيات القرن الماضي خلال إقامته هناك، كما استهلكها عشرات الفنانين العرب مستثمرين قبول السوق للأعمال الحروفية السياحية آنذاك.
ربما يظن بعض المشتغلين في هذا المجال من الفنانين أن الأمر بهذه السهولة وما الفن إلا السير على خطى الآخرين، أو أن هذا الشق من فنون الهوية متاحا للجميع ومشاعيا، غافلين عن شرط أساس في الإبداع هو أن تحقيق الفرادة والإضافة لن يكون إلا بالتجاوز وخلق معادل بصري لدهشة تدوم وتثقف وتحمل فضيلتها من الجمال المتضمن جلالا.
معرض محي الدين ملك قد لا يحسبه البعض من التجارب الحروفية وقد يحسب منها، إلا أن مساحة التجريب المتاحة أمام الفنان جعلت مما قدمه يكتسب خصوصية الاستعارة والمحاولة في إثبات ذات الفنان التي تستحق الثناء والدعم لما فيها من مثابرة واجتهاد.
يحسب لصالة زوايا عروضها المتنوعة فهي لا تتخصص بلون معين من الفنون الجميلة، كما أن هذه الصالة الشابة فتحت أبوابها لعدد من المعارض الجيدة ولتجارب جديدة أنجزها فنانون شباب رافدين الحركة التشكيلية السورية بحيوية، كما يذكر للصالة نشاطها الترويجي للعمل الفني واللوحة من خلال تفاعلها عبر السوشال ميديا والفضاء الالكتروني خارج حدود المكان.
أكسم طلاع