الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

مُباسَطة

عبد الكريم النّاعم

لم تمنعه حالة الطقس، ولا حتى كآبة النفس، من المجيء إليه، بعد أن جلس قال له، وعلى وجهه مَعالِم إرهاق: “هل ترى أنّ الأزمة ستطول”؟!

أجابه: “هل تعني ما نحن فيه، وعليه من حصار، وفوضى، وغلاء أسعار، ومواجهة مصيريّة؟!

قال: “نعم، أعني كلّ ذلك، ما ذكرنا منه وما لم نذكر، وفهمك كفاية”.

أجابه: “اسمع يا صديقي، أقول ما أقوله وفهمي على قدّي، ولكنّني واثق من أنّه يصدر من مَكامِن أعرف صدق انتمائها، وعمق حساسيتها. الموضوع ذو شقّين، شقّ خارجي يتعلّق بجبهة الأعداء، وشقّ داخليّ يتعلّق بجبهتنا. ما يتعلّق بالأعداء أعني أمريكا ومُلحقاتها..”

قاطعه: “وضّح لي ماذا تعني بملحقاتها”؟

أجابه: “ليس ملحقاتها، كما قد يتبادر لذهن القارئ مجموعة الذين انضووا تحت الجناح الأمريكي، بدرجات مختلفة، فهؤلاء ليسوا في الحسبان لأنّهم يؤمَرون فيطيعون، وهؤلاء يأتي في مقدمتهم (أعراب) الخليج، والذين كانوا عبارة عن مَشيَخات أقامها الإنكليز ثمّ انتقلت، كما ينتقل أيّ شيء تملكه لآخر، ولا تنسَ بني سعود،.. انتقلت تبعيّتهم لأمريكا، وهؤلاء لا يمكن الرهان على أيّ أمر إيجابيّ منهم، ثمّة بلدان أخرى ليس لها هذا التوصيف، ولكنّها، ضمن تحوّلات معقّدة أمكنَ إدخالها إلى حيث يريد الأمريكي، وهذه تحمل في تحوّلاتها العديد من الاحتمالات، ولكنّها الآن تقف مع المتفرّجين، بمعنى أنّها لم تتآمر على سوريّة كما فعل أعراب الخليج، وثمّة مناطق، الغليانُ فيها مبشِّر من جهة، ويثير المخاوف من جهة أخرى.. هذا في منطقتنا العربيّة، أمّا في العالم فعلى رأس الملحقات أوروبا، وأعني الدول الفاعلة الوازنة فيها، فهذه أيضاً، عبر تاريخ يرجع إلى الحرب العالميّة الثانية، وما أعقبها من صراع مع الاتحاد السوفيتي، وتفجير هذا الاتحاد من الداخل، نتيجة جوانب الضعف فيه، والبيروقراطيّة،.. بعد ذلك أصبحت أوروبا مُلحقة من حيث حسم الأمور بواشنطن، وبعض الخلافات التي تقوم، وهي خلافات في العمق ما تلبث أن تغيب، أو تُغيَّب، ولا يبدو في المنظور القريب أنّ الدول الفاعلة في أوروبا تستطيع الخروج من تحت المظلّة الأمريكيّة، أمّا على المدى البعيد فذلك متروك لأزمنته، ولذا لا يمكن التعويل جذريّاً على أيّ موقف أوروبيّ إيجابي تجاه قضايانا العربيّة، وفي مقدّمتها ما تمرّ به سوريّة، سوريّة التي تدفع ضريبة الدم عن القضيّة العربيّة المركزية. قضيّة الأرض المحتلّة، نقطة البدء ونقطة النّهاية، ولا يمكن التعويل كثيراً على بعض ما يلتمع من آراء جليلة لمفكرين غربيّين توصف بالعمق والعدالة، فذلك موقف فردي، فالغرب الذي أعنيه ساقط أخلاقيّاً، أعني قياداته تحديداً، الغرب برمّته ميؤوس منه، والأعراب ميؤوس منهم، وثمّ دول عربيّة هي كما وصفناها، لذا لابدّ من الاعتماد بالدرجة الأولى على الذات، وعلى حلف المقاومة، وعلى القطب الذي يمكن أن يتشكّل من الروس والصينيّين ومن الدول التي تجد أن مصلحتها في التّكوكب حول هذا القطب الكاسر للأحاديّة الأمريكيّة، وهذا قد يطول زمنه، لأنّه من أعمار الأمم، ونحن في سوريّة خاصّة في وضع يحتاج إلى معالجات سريعة في العمق لا تتوقّف، لأنّنا بؤرة الاستهداف، ومركزه، ولولا صمود سوريّة لكانت المنطقة بمعظمها، ميداناً يسرح فيه الصهاينة. إنّ الحصار الظالم الذي نواجهه يعني أن نستغلّ، وطنيّا كلّ شبر من الأرض، وأن نعوّل على أنفسنا، تضحية، وصبراً، وابتكار حلول تليق بكرامة دماء الشهداء الذين لولاهم لشُرّدنا كلّ مُشرَّد، وأن تكون محاسبة الفاسدين، والمقصّرين، والمتلاعبين بأقوات الفقراء بطريقة لا يرضاها إلاّ الذين أداروا ظهورهم للوطن الذي نشؤوا فيه، أن تكون هذه المحاسبة صارمة، ورادعة.

إنّ الهوّة المُخيفة بين من امتلكوا المال بطرق غير مشروعة، في غالب الأحيان، تثير الكثير من المخاوف والقلق، ولا بدّ من العودة إلى شيء من الزمن الذي كانت فيه سوريّة مكتفية بذاتها، ومثلما تحقّقت تلك المعجزة في الماضي يمكن لها أن تتحقّق الآن حين تصدق النّيّات، وحين يتمّ اختيار الرجال الأكفاء الأمناء للمواقع التي لها علاقة بكرامة المواطن، وبلقمة عيشه..

aaalnaem@gmail.com