الحكومات المتعاقبة لم تنجح في معالجة أزمات الحرب .. ولا بد من البحث عن وسائل أخرى لتأمين احتياجات الناس
أكد الاتحاد العام لنقابات العمال في تقريره الاقتصادي انه نتيجة ارتفاع تكاليف الحياة بشكل غير مسبوق خلال سنوات الحرب العشر باتت الأسرة المكونة من /5/ أشخاص تحتاج لــ (600) ألف ليرة سورية لسد نفقات معيشتها لافتاً إلى حجم الفجوة المعيشية الكبيرة بين الدخول والاسعار حيث تراجعت القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود بنسبة كبيرة مقابل الارتفاعات الكبيرة في الأسعار.
تراجع الناتج المحلي
وأشار التقرير إلى تراجع الناتج المحلي بنسبة 5- 6% عام 2020 حيث خسرت التجارة الداخلية / 748/ ملياراً وتخطت خسائر النقل / 600/ مليار ليرة سورية والصناعات الاستخراجية /500/ مليار والخدمات الحكومية /450/ ملياراً والصناعات التحويلية /600/ مليار وانكمشت صناعة النسيج 40%، وتشير كل المؤشرات إلى أن أكثر القطاعات تضرراً ” الصناعات الاستخراجية التحويلية والنقل والاتصالات والتجارة الداخلية “.
آثار كارثية
وبين الاتحاد في تقريره الآثار الكارثية للحرب على الاقتصاد السوري وعلى مفاصل الحياة العامة المعيشية والاجتماعية وخاصة على الفئات الكادحة من ذوي الدخل المحدود من العاملين في الدولة والقطاع العام والقطاع الخاص على حد سواء بحيث لم ينج من تبعات هذه الحرب سوى قلة من أصحاب الرساميل الكبيرة والتجار الذين اثروا على حساب معاناة الكادحين الفقراء كما هو حال المجتمعات التي عانت من مثل هذه الأزمة التي تعيشها سورية منذ أكثر من عشر سنوات، و تتجلى مظاهر هذه الأزمة وانعكاساتها بشكل رئيسي أوضحها التقرير بالأضرار والخسائر الكبيرة في المرافق الخدمية والإنتاجية المرتبطة بحياة أكثرية المواطنين والناجمة عن الأعمال الإرهابية ” مدارس ـ مشافي ـ معامل ـ محطات توليد وتحويل الكهرباء ….. الخ ” واتساع رقعة البطالة بين صفوف القوى العاملة الرئيسية في المجتمع السوري وخاصة فئة الشباب إلى جانب زيادة الأعباء على كاهل الاقتصاد الوطني بسبب تزايد أعداد المواطنين المهجرين والنازحين من مناطق سكنهم وعملهم بسبب الأعمال الإرهابية وتواجد العصابات المسلحة فيها و هروب كتلة كبيرة من رؤوس الأموال الوطنية إلى خارج سورية، إضافة إلى سرقة الممتلكات العامة وتهريبها إلى خارج القطر وخاصة في قطاعات النفط والصناعات النسيجية المتقدمة والدوائية وفي قطاع الآثار والمتاحف ، وظهور عصابات ومافيات منظمة متخصصة في هذه المجالات، و ارتفاع معدل التضخم في الاقتصاد الوطني وتراجع قيمة الليرة السورية بشكل كبير أمام العملات الأجنبية، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع شديد في أسعار المواد والسلع الغذائية الرئيسية، و تقلص كبير في مساحة الأراضي الزراعية في المناطق التي تسيطر عليها العصابات المسلحة، والاستعاضة عن المحاصيل الزراعية الأساسية المنتجة محلياً بالاستيراد، وانخفاض كبير في المخزون الاستراتيجي للعملة الصعبة، وهناك أيضاً ضعف أداء هيئات المحاسبة والرقابة الحكومية، وتراخي المؤسسات الرسمية المسؤولة عن مراقبة الأسواق والأسعار وفي مقدمتها حماية المستهلك والتموين والتجارة الداخلية، والزيادة الكبيرة وغير المبررة لتكاليف ومستلزمات إعادة الأعمار وتأهيل البنى التحتية المتضررة ، و طغيان منطق الاستهلاك الترفي على حساب قيم المواطنة والعقلانية ، و الخلل الكبير في توزيع مستلزمات الإنتاج الزراعي وخاصة في المحروقات والأسمدة ، وارتفاع أجور النقل بشكل كبير وغير معقول.
تشديد الحصار
وأوضح التقرير أنه استكمالاً لظروف الحرب الوحشية على سورية جاء قانون قيصر الوحشي والجائر ليشدد الحصار على الدول والشركات التي تقدم الدعم للدولة السورية ، ومنع الشركات الاستثمارية من إعادة بناء ما دمرته الحرب وكذلك التعامل مع البنك المركزي السوري .. فانخفضت القيمة الشرائية لليرة إلى مستوى غير مسبوق .
وبحسب التقرير جاء بيان الحكومة الجديدة أمام البرلمان ليؤكد على زيادة الدخل وفق المتاح مع التركيز على تشجيع الإنتاج المحلي لتوفير الاحتياجات الأساسية للناس من الغاز المنزلي والمازوت والبنزين وتخصيص ساعات تقنين الكهرباء وتأمين الدواء بأسعار مناسبة والعمل على خفض التكاليف ومواجهة الارتفاع الكبير في الأسعار، والحفاظ على القيمة الشرائية لليرة السورية ،واعتبار المواطن شريكاً في مراقبة السوق ومنع الاحتكار .
غير أن الواقع يقول غير ذلك حيث يقف الناس بالمئات أمام الأفران للحصول على حاجتهم من مادة الخبز من خلال البطاقة الذكية ،وكذلك الحال أمام محطات المحروقات ، وموزعي الغاز والمازوت ، مما يشير إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تنجح في معالجة أزمات الحرب ، وعليها البحث عن وسائل أخرى لتأمين احتياجات الناس ومعالجة ارتفاع الأسعار وردم الهوة بين الدخل والاستهلاك حفاظاً على ما تبقى من الطبقة الوسطى التي تكاد أن تتلاشى أمام جنون الأسعار التي تتحكم بها طبقة التجار والمفسدين .
واستشهد التقرير بالحرائق في حمص وطرطوس واللاذقية كدليل اثبات على غياب الخطط الحكومية خاصة الزراعية لحماية الغابات والحراج ، بعد احتراق ثروات حراجية يستحيل تعويضها في عشرات السنين ، وطالب الحكومة الحالية أن تضع ذلك نصب أعينها ، وأكد ضرورة توفير سيارات الإطفاء والعمل على شراء طائرات خاصة بإطفاء الحرائق .
ولفت التقرير إلى أن الاتحاد الأوروبي مازال يفرض حصاره على الدولة السورية بمختلف قطاعاتها مع انتشار الوباء العالمي (كورونا) في ظل الحصار الجائر أوروبياً وأميركياً لمنع وصول الأدوية وأجهزة التنفس الاصطناعي واللقاحات في إطار حرب وحشية لا مثيل لها في التاريخ
وأكد التقرير أنه كان لتردي الأوضاع المعيشية للمواطن السوري تأثيره السلبي الواضح على التعليم لدى أفراد الأسرة إذ دفع بكثير من العائلات لإرسال أطفالهم إلى سوق العمل من أجل تأمين مصدر دخل إضافي من جهة ومن جهة أخرى لعدم قدرتهم على دفع تكاليف ما تتطلبه العملية التعليمية من ( أجور نقل ــ لباس ـ قرطاسية وغير ذلك من مستلزمات التعليم ).
وطالب الاتحاد العام في تقريره بإعادة النظر بالقرارات البعيدة عن المسؤولية والبعيدة عن ملامسة الواقع المرير الذي يعيشه المواطن السوري .
بشير فرزان