ثقافةصحيفة البعث

غسان مكانسي رحيل لا يوصف بالكلمات

حلب ـ غالية خوجة

لم يكن غسان مكانسي فناناً عادياً، مذ ولد في حلب عام 1950 التي عشقها وأخلص لها، ليفارقها إلى رحلته الأبدية في الثاني عشر من الشهر الجاري 2024، مع احتفالات وطننا العربي بمهرجان “اليوم العربي للمسرح”، عابراً محطات عدّة في حياته الفنية بين المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما، أحب العالم الفني وتابعه في مختلف أحواله، ليساهم في بناء الإنسان والمجتمع، وهو الذي ما تزال منصات مسرحية تردد مقولته: “الوقوف على خشبة المسرح شعور لا يمكن وصفه بالكلمات”.

عاشق “أبو الفنون”

هو الذي قال عنه الفنان عمر حجو يوماً، خصوصاً، أنهما مثّلا معاً أعمال عدة منها مسلسل “البيوت أسرار”: “له تأثير كبير ويد بيضاء على تأسيس الحركة الفنية في حلب، إنه شخص نشيط ويعشق المسرح وأثبت وجوده فيه كثيراً”.

وعن بداية انطلاقته، تخبرنا مسيرته كيف اكتشف موهبته الفنان أحمد حداد بعدما رآه في نادي “شباب العروبة للآداب والفنون”، وأصبح لاحقاً مديراً له، وبعدها أصبح عضواً في نقابة الفنانين عام 1976، أصبح مديراً لمسرحها وأمين سرها في إحدى الفترات.

جعل الفن مشروع حياته، وتمرّس في فنياته أكثر مع الممثل عبد الوهاب الجراح، ولفتت تجربته المتنوعة المهتمين والمختصين والناس محلياً وعربياً، وذلك منذ بداية أدواره الدرامية التي لعبها في مسلسل “الإخوة” عام 1992، ومسلسل “يوميات مدير” عام 1995، وتتابعت نشاطاته الفنية المميزة وشارك في العديد من المسلسلات منها “روزانا” بدور “أبو فراس”، و”عصر الجنون” بدور “أبو الفوز”.

شخصيات مرئية ومسموعة

أسس مكانسي فرقة “الساعة” وقدمت العديد من العروض المسرحية الملفتة، وشارك في الكثير من المسرحيات الهادفة، بأبعادها الإنسانية العائلية والاجتماعية والتأريخية والمعاصرة، مثل “الغرباء” و”الملك هو الملك،” و”الأم” و”الزواج” و”الرجل الذي فقد ظله”، بالإضافة إلى مسرحية “الزير سالم” التي أصبحت مسلسلاً إذاعياً أيضاً مثّل فيها، كما مثّل في العديد من المسلسلات الإذاعية الأخرى منها “السيرة الهلالية” و”الملك الظاهر” و”الحكم”، أيضاً “الحب والحرب” بصيغتيها الإذاعية والسينمائية.

وبرع في أدواره التي مثلها على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، ومن المسلسلات التلفزيونية التي شارك فيها نذكر “حي المزار” و”سيرة آل الجلالي” و”الفراري” و”باب الحديد” و”الهروب إلى القمة” و”أياد في الظلام” و”كسر عضم”.

كذلك لمعت نجوميته في أعمال سينمائية عدة منها “الشمس في يوم غائم” و”الرجل الذي أحب النساء” و”الحب في زمن الكوليرا”.

ابتكار الأداء الجمالي

أمّا أهم أسراره في مجالات فنونه المتنوعة، فتكمن في عدم التنميط والقولبة، لأنه يقدم أدواره وشخصياته في الأعمال المسرحية والإذاعية والتلفازية والسينمائية بطريقة يتفنن بها بما يلائمها، ويمنحها ما يناسبها بخبرته الخاصة سواء على صعيد الحالة النفسية أم الاجتماعية أم الفكرية أم المنطوق، والحالة التعبيرية الجسدية كما يمنحها من حيويته الروحية ما يتناغم مع بُعديها الكوميدي والتراجيدي، ويولي التراث فضاءه الجمالي، والبيئة الحلبية مجالها المناسب، وساعده على أن يظل نبعاً يتمتع بحضور قوي في قلوب المتلقين والمشاهدين من مختلف الأجيال.

الطفل شريك منصة جدو غسان

ساهمت “كاريزما” مكانسي بجذب المشاهدين لشخصيته وشخوصه وأعماله، وبترك  الطفال التاركاً بصمة فنية خاصة حتى في “مسرح الكبار للصغار” الذي قدمه بإبداعية ناتجة عن معرفته العميقة في عالم الطفل، موظفاً طفولته أيضاً في الأعمال الموجهة للأطفال، ولا سيما، المسرح الذي بدأه مع مسرح العرائس، وساهم في مهرجانات مسرح الطفل، ليوصل أفكاره والقيم والعلوم والمحبة والتعاون من خلال هذه الأدوات الفنية الأقرب إلى التلميح منها إلى المباشرة والتصريح، لكونها الوسيلة النفسية الأقرب للطفل وقناعاته واقتناعه، ومن منظور آخر، لم يترك الطفل في أعماله مجرد مشاهد أو متلق، بل جعله شريكاً في أعماله وهو يدفعه للمشاركة في الإجابة عن الأسئلة، أو في إبداء الاقتراحات، فيسعد الأطفال الحضور بالصعود إلى المنصة ليجيبوا وينشدوا ويمثّلوا وينالوا الجوائز ويتصوروا مع “جدو غسان”.

الوطن يعلو

تشبث غسان مكانسي بالوطن، وكان من تلك الجموع في مختلف الفئات التي عملت في مجالها على الرغم من الإرهاب الذي تعرضت له سوريتنا الحبيبة، وتابع مع من تابع هذه الرسالة، وواصل عمله الفني المسرحي على المنصات وفي المهرجانات، وشجع على الصمود والإعمار وساهم في ذلك فنياً، وأصرّ على أن يكون فناناً موهوباً لا محترفاً، ليستمر في تقديم الأفضل والأجمل، وكان يرى أن الحركة المسرحية لا بد أن تعود إلى التوهج، متغلبة على كل الظروف، وهذا ما يثبته التاريخ الفني للمسرح العربي والإنساني، لأن المنصة هي الفضاء الذي لا يوجد فيه حواجز بين الممثل والمتلقي، وهي التي تعرض آلام الناس وآمالهم وتشاركهم معاناتهم وأحلامهم، وكم أكد أن المتلقي يتمتع بذائقة فنية تستطيع أن تحكم على العمل وتنتقده وتنحاز للجاد والموضوعي والفني.

تكريمات وجوائز

نال غسان مكانسي تكريمات وجوائز عدة سورية وعربية، منها تكريم وزارة الثقافة السورية ضمن احتفالية حلب عاصمة للثقافة السورية، وجائزة أفضل ممثل في مهرجان دمشق الدولي للإذاعة والتلفزيون عن دوره في كل من مسلسل “حي المزار” 1998، ومسلسل “سيرة آل الجلالي” 2000، ومسلسل “يوميات مدير عام” 2002، بينما نال جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة الدولي للإذاعة والتلفزيون عن دوره في مسلسل “الفراري” عام 2000.