ثقافةصحيفة البعث

فن الشوارع في حلب.. جداريات محبة بحاجة لمهرجان

حلب – غالية خوجة

فنّ الشوارع يعكسُ روح المجتمع في أية مدينة ويجعلها متحفاً مفتوحاً، بين رسم ونحت وكتابة وملصقات وخربشات، كما يجعلها معرضاً تشكيلياً بأبعاد ثلاثية ورباعية، أفقية وعمودية وحلزونية، إضافة إلى أن هذا الفن بأشكاله البصرية المختلفة والمتنوعة، يعبّر عن دواخل الإنسان وطريقة تفكيره وحياته اليومية، وهي تنعكس من الخطوط والعبارات والألوان والرشقات، متخذة لحضورها البصري مساحة فراغية مؤلفة من كتلة الجدران والمباني والأرضيات الحرة والمساحات والأماكن ووسائل النقل العامة، وذلك عندما يكون هذا الفن منظماً من قبل الجهات المعنية ضمن مهرجان فني خاص بالمدينة.

لكن، ماذا عن فن الشوارع الحلبي العشوائي الذي يبدو خربشات موزّعة إلى نقيضتين: سلبية قبيحة مدمرة على الجدران، مؤذية وغير حضارية، وظفها الإرهابيون والمرضى أخلاقياً ووطنياً لخدمة ظلامياتهم، وإيجابية نادرة تتضمن وجدانيات راقية، تعكس صفاءهم الجواني ومحبتهم العفوية وتشبثهم بوطنيتهم وحياتهم الانتمائية؟.

بكل تأكيد، تحتاج هذه الظاهرة الغرافيتية إلى قانون يساهم في استبعاد ومعاقبة التخريبي المقصود المقنّع بظاهرة فن الشوارع  (Street art) لتتخلّص حلب من هذه التشوهات السلبية المخربشة لجمالها وجدرانها الحالمة بالخروج من دمارها السوريالي التراجيدي إلى بنائها المستقبلي.

أمّا الملفت الإيجابي في هذه الظاهرة، فيكمن في الاستبصار، من خلال التحديق في الأبعاد النفسية والاجتماعية والفكرية لما خلّفته الحرب الكونية على سوريتنا الحبيبة، لنستكشف كيف ظهرت رسومات عفوية جميلة تدعو إلى الوحدة المتماسكة لسورية، كون هذه الوحدة هي الأصل الذي لا يعترف بأية تفرقة أو طائفية أو عنصرية، ويجعل من خارطة سورية أكفاً ملوّنة تبصم للوطن، وتشعّ منها موسيقا المحبة المكتوبة بالتواقيع والعبارات الكلامية المختزلة للأبعاد والمساحات والأزمنة والنفوس، ومنها: الوطن أنا وأنت وليس يا أنا يا أنت.

كما تُفصحُ معزوفة الوطن اللونية والكلامية عن حالة عفوية للتمسّك بالوطن، ودعوة مفتوحة للإقامة من خلال كلمات توعوية جاذبة ومشوقة، برزت كتعابير فنية بسيطة وحكيمة، منها: الوطن ليس فندقاً تغادره حين تسوء الخدمة، سوف نبقى هنا، ومنها حالة عشقية تتغزل بجمال حلب داعية أهلها للتمسّك بها والتجذّر فيها بعيداً عن الهجرة والمغادرة: حلب أحلى من أوروبا.. لا تهاجر. وبالمقابل، نلاحظ كيف كتب بعض العشاق عبارات تعبّر عن حبهم للطرف الآخر، مثل: أحبك بعدد الرصاص الذي أطلق في الحرب.

ومن منظور استقرائي مشعّ، نلاحظ كيف احتفت بعض المدارس بهذا الفن، فزيّنت به جدرانها، ومن تلك المدارس ثانوية القدس بحلب التي احتفت بآثار سورية كلوحات تزين جدرانها الداخلية، لتجد نفسك أمام معرض من جداريات تشكيلية لتدمر وبصرى الشام وقلعة حلب، مما يجعل هذه الجداريات الفنية مثالاً نموذجياً يحقّق أهدافه الجمالية، والتراثية، والوطنية، والتاريخية، والعلمية.

بين الكتابة والخربشات والرسم والتلوين، تغزو هذه الظاهرة جدران حلب، لذلك، ندعو إلى تنظيمها قانوناً وثقافة لتبدو ظاهرة ثقافية فنية شرعية جمالية، وذلك من خلال إقامة مهرجان سنوي لفن الشوارع بحلب ليصبح حركة فنية لا تخريبية، ولتبرز المواهب والإبداعات بهيئة جداريات وجدران فنية معبّرة بجمالية عن تحوّلات المجتمع وحالته النفسية وطموحاته وأحلامه وثقافته العامة والفنية، وفي هذا المهرجان سنجد معالجة روحية مناسبة للناس وتطلعاتهم المختلفة، ومعالجة فنية للمكان وهو قيد إعادة الإعمار والتأهيل، ومعالجة جمالية للزمان الذي يؤصّل لحضارته وحداثتها في كلّ آن.