تحقيقاتصحيفة البعث

فوضى النقل بطرطوس.. سيارات أجرة “مزاجية” وميكروباصات “تختفي” عن خطوطها؟!

حالة من التخبط والفوضى يشهدها قطاع النقل في محافظة طرطوس، ويترجمها مشهد سوداوي يمكن لأي مراقب رصده في كراج طرطوس، وبالنظر إلى تجمعات كبيرة من الركاب ينتظرون ساعات طويلة سيارات تنقلهم إلى قراهم، أو يمكن ببساطة متابعة أماكن التجمعات الرئيسية ضمن المدينة في أوقات الذروة، وحتى في الأوقات العادية، فإنها تؤكد اختفاء السرافيس التي كانت تقل السكان سابقاً، مشاهد محزنة لم تعرفها المحافظة طيلة سنوات الأزمة سابقاً، هذا إلى جانب مشكلات أخرى ربما تكون تفاقمت نتيجة أسباب مختلفة، بدءاً من صعوبة تأمين وقود السيارات، وحالة الازدحام الاستثنائية التي شهدتها الكازيات مؤخراً في عموم سورية، ثم رفع سعر مادة البنزين، ومادة المازوت الصناعي، وأسباب سابقة إضافية كانت تقدم كحجج لأزمة النقل في طرطوس!.

مزاجية عالية
يبدو أن الضمير والمزاجية العالية هما المعياران الوحيدان اللذان باتا يتحكمان بأجور النقل في المحافظة، ففتح باب أي سيارة أجرة للتنقل في المحافظة يعني غالباً دفع تعرفة لا تقل عن ألف ليرة سورية، مهما كانت المسافة، حتى وإن لم تتجاوز الكيلومتر الواحد في مدينة صغيرة الحجم بالنسبة لباقي المحافظات، وسماع أسطوانة مكررة عن الغلاء، وأسعار قطع التبديل، وارتفاع سعر الوقود، ودور الوقوف على الكازيات، يتحدث أحد الركاب الذين التقيناهم، (أبو موسى)، عن مبلغ ألفي ليرة دفعها أجرة توصيل من الكراج الجديد لمنطقة الرادار، والمسافة بأكملها لا تتجاوز ثلاثة كيلومترات، ويقول: بتنا حائرين بالأجرة التي ندفعها في ظل هذا الغلاء الفاحش، مزاجية السائقين وحدها من يحدد، في الصباح تعرفة، وفي المساء تعرفة، والعداد للمنظر فقط، ويضيف: سابقاً كانت هناك تعرفة بسيطة ومقبولة تجعل الركاب يغضون النظر عن تشغيل العداد، أما اليوم فالوضع بات غير مقبول على الإطلاق.
ولكن في الجانب الآخر وجهة نظر أخرى تسمعها من سائقي “التكاسي”، وهم يتحدثون عن مشكلاتهم في تأمين الوقود، وإصلاح السيارات، ثم تنظر إلى الطابور الطويل لسياراتهم على الكازيات فتضيع حقيقة الجاني من المجني عليه، ويكون الضمير وحده حكماً لإنصاف الراكب والسائق معاً، في ظل غياب الحلول!.

سيارات مفقودة
في المقابل، وبالعودة لكراج طرطوس، تتفاقم أزمة نقل الركاب إلى أريافهم، ويلاحظ المراقب تناقص عدد سيارات الميكروباص على كافة الخطوط، خاصة بعد رفع تعرفة الوقود الصناعي، أعداد كبيرة من الركاب، منهم الموظفون، والطلاب، والفلاحون الواقفون بانتظار دورهم في الحصول على وسيلة نقل تعيدهم لقراهم، ويبدو أن التعامل مع الشكاوى السابقة التي تحدث عنها الإعلام باستمرار، وصدور قرار يمنع نقل أربعة ركاب ضمن ثلاثة مقاعد في الميكروباص، لم يعد مجدياً، فالسائقون عادوا لتطبيق هذه الطريقة بملاقاة الركاب الإضافيين خارج الكراج للتهرب من العقوبة التي فرضتها إدارة الكراج، وضباط الشرطة المتواجدون فيه، أما الركاب فلا يملكون من أمرهم شيئاً إلا القبول والرضى بتلك الطريقة السيئة بالنقل، فهم مهتمون بالعودة لقراهم مهما كانت الطريقة، شكاوى كثيرة يمكن الحصول عليها من أي راكب عن قلة أعداد سيارات النقل مؤخراً، وتوقف معظمها، تقف في الكراج حائراً أمام أعداد كبيرة جداً تنظر إلى الساعة فتجدها الثانية ظهراً، ليؤكد لك الكثيرون أنهم مازالوا واقفين بالانتظار منذ أكثر من ساعتين، وما أن تأتي سيارة نقل واحدة حتى يبدأ التدافع بشكل جنوني، وكذلك الأمر في الحالة المعاكسة في القرى والأرياف، وغيرها من المناطق، دون وجود طريقة تنظم أو تلزم السائقين بنقل ركابهم، والملفت أن معظم السيارات تتوقف تماماً في الفترة المسائية، حيث ينتهي تخديم القرى تماماً، وتشل الحركة، ويصبح الحل الوحيد للتنقل هو السيارات الخاصة أو “التكاسي” مرتفعة الثمن، وكذلك الدراجات النارية، وحتى ضمن المدينة، بحسب المواطنين، فإن معظم هذه السيارات تتسرب للعمل بالطلبات الخاصة، وفي أيام الأعطال المشكلة تتضاعف، طرطوس تصبح مدينة شبه خالية من وسائل النقل العام، وسيارات الأجرة قليلة، أما في الأرياف والقرى التابعة لها فالحركة تكون ضعيفة أيضاً، والاعتماد على السيارات الخاصة يكون غالباً.

مشكلات إضافية

ويتخوف الركاب من استمرار هذه المشكلات، خاصة مع بدء فصل الشتاء، وصعوبة الانتظار دون تأمين وسيلة نقل، فهناك طلاب جامعات، وهناك موظفون يعتمدون بصورة أساسية على وسائل النقل العام التي يجمع المتابعون أن سائقيها استفادوا من رفع تعرفة المازوت الصناعي، ويلجؤون بطريقة أو بأخرى لبيع مخصصاتهم من المادة، إضافة لمشكلات أخرى استمعنا إليها من بعض الركاب مثل عدم وجود سوى ميكروباص واحد ليخدم بعض القرى مثل بلدتي بملكة والعوينية اللتين تحول خط سيارات الدريكيش عنهما، ويقول الركاب في شكواهم: سابقاً كنا نعتمد على سيارات نقل الدريكيش، ولكن اليوم، وبعد تحويل الطريق وافتتاح طريق الدريكيش الجديد، لا توجد سوى سيارة واحدة تخدم البلدتين، فسيارات الدريكيش تستثني بلدات عديدة بالطريق المختصر الجديد، أما الحديث عن مشكلات الطلاب ونقلهم فهذه مشكلة أخرى أيضاً، والمشكلة تتلخص، بحسب شكاوى الطلاب، بقلة السيارات المتوفرة لنقلهم صباحاً، أو بعد الظهر لجامعتهم ومنازلهم، خاصة جامعة العلوم، رغم كثرة السيارات المسجلة على الخط (الحميدية- طرطوس)، لكنها باتت اليوم قليلة جداً، وهي لا تتوقف لهم وتكون ممتلئة، ما يضطرهم للانتظار ساعات طويلة، وفي بعض الأحيان تتوجه باصات نقل داخلي من خطوط أخرى لنقلهم، والتساؤل، بحسب الطلاب: لماذا لا تخصص هذه الباصات بشكل دائم لنقلهم وحل المشكلة، أما ضمن المدينة فالوضع لا يبدو أفضل حالاً، أوقات الذروة تخلق أزمة نقل ركاب.

ثوب ممزق
يشبه حسان ناعوس، عضو المكتب التنفيذي المختص في المحافظة، التعامل مع مشكلات النقل في طرطوس بالثوب الممزق الذي يقوم المعنيون بالنقل في المحافظة بمحاولة ترقيعه وإصلاحه دون جدوى، حيث أوضح في حديثه لنا أن ما يقارب 3100 ميكروباص تعمل حالياً في محافظة طرطوس، وهو رقم منخفض عن سنوات مضت، فالرقم كان يتجاوز الـ 3600 ميكروباص عام 2002، علماً أن حاجة المحافظة اليوم أكثر من ذلك بفعل متغيرات عديدة، ناعوس أوضح أن العمل في الكراج الجديد في المحافظة يسير ضمن وتيرة مضاعفة حالياً لتأمين وصول المواطنين لمعظم المناطق والمحافظات، وهناك تعاون مستمر مع ضباط الأمن الموجودين في الكراج لتأمين الركاب، موضحاً وجود خطوط لخمس مناطق رئيسية في الريف وهي: (القدموس- الدريكيش- صافيتا- بانياس- الشيخ بدر)، وهناك أيضاً تفرعات ضمن القرى التي تخدم من مناطقها، لكن ما يعتري هذا العمل قلة وسائل النقل، خاصة على بعض الخطوط، وهو ما دفعنا للبحث عن حلول مؤقتة وجدناها في خطوط النقل العائدة لمجلس المدينة، وتحويلها نحو الخطوط المزدحمة، منها الخاصة بطلاب الجامعات، حيث يتم تحويلها في أوقات الذروة، إضافة لتحويل السيارات من الخطوط المريحة لمناطق أخرى غير خطها، وتحويل السيارات المتوقفة في الكراج، والقادمة من دمشق، أو محافظات أخرى للخطوط المزدحمة.

حلول غائبة
ناعوس أكد أنه منذ البداية توجه مجلس المدينة بمطالبات عديدة للمعنين في العاصمة لتطبيق حلول عديدة، وزيادة عدد الباصات، فكان الاقتراح بتحويل السيارات في المدينة لتخديم القرى، ودعم المدينة بسيارات نقل داخلي كبيرة، أو تأمين سيارات إضافية ودعم الخطوط بها، وزيادة عدد السيارات في المحافظة، كل هذه الحلول لم تلق آذاناً صاغية، ليتفاقم الوضع بصورة تدريجية، واليوم لا نملك من الأمر إلا التعامل مع الواقع كما هو، فنحاول باستمرار -والكلام لناعوس- تأمين الركاب بالكراج بالتعاون مع ضباط الشرطة المتواجدين على مدار الساعة هناك، وتنظيم الضبوط بحق أي مخالف، ومتابعة الخطوط التي خرجت من الكراج، وتأمين الوسائل من خطوط أخرى، وكذلك القيام بختم الدفاتر للسيارات التي خرجت للقرى، وكذلك الأمر من الجهة المقابلة وهو الأمر الذي من شأنه معرفة وقت خروج السيارة ووقت وصولها للقرية، والتعامل على هذا الأساس يسهل معرفة السيارات التي تخدم الخط فعلياً، ولكن لا توجد طريقة أكثر ضبطاً نستطيع معها منح الضمير للسائقين الذين يتحايلون بطرق مختلفة لبيع مادة المازوت أو تهريبها، وقال ناعوس: نحن لا نملك عصا سحرية، ونتعامل مع الواقع بحسب الإمكانيات المتاحة والمتوفرة.

ثقافة شكوى

وحول طريقة النقل التي تتم بالنسبة لبعض الركاب في بعض الخطوط، أو تقاضي أجرة زائدة، أو العمل لمنتصف الخط فقط، أكد ناعوس أن الأمر مرتبط بالراكب أيضاً، ومن الضروري اليوم تفعيل ثقافة الشكوى، والمحافظة وقيادة الشرطة مستعدتان للتعامل مع أية شكوى ومتابعتها، وهو ما يتم العمل عليه بطرق مختلفة، فهناك عقوبة بالنسبة للسيارات المخالفة، لكن دور الركاب أساسي أيضاً، فمثلاً لا يمكن محاسبة السيارة التي يقوم سائقها بوضع أربعة ركاب في صف واحد قبل الانطلاق من الكراج للمناطق الريفية أو بالعكس، لأن هذا يتم بالاتفاق مع الركاب، وخاصة المستعجلين منهم، ولكن في المقابل السيارات المتسربة أو التي تذهب للعمل بالطلبات الخاصة تتم متابعتها، وتحرم من التزود بالوقود الذي لا يتم إلا بعد التأكد من تخديم الخطوط الخاصة بركابه، وعن توقيت العمل المتأخر، أوضح ناعوس أن معظم الخطوط تعمل للساعة السادسة مساء فقط، وهي مدة مقبولة حالياً بالنظر للظروف القائمة، وهناك مناوبات في أيام العطل نحرص أيضاً على متابعتها، وفي النهاية الحل الأكثر جدوى للمحافظة هو زيادة سيارات النقل الموجودة في طرطوس.

محمد محمود