الاختلاف لا يفسد للوّد قضية
“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس
أهم ما يميز الإبداع انفتاحه على كل المجالات والفنون، لكن ما نراه من ممارسة وسلوك يقوم به مبدعونا يجعلنا نتساءل عن الغاية التي يحققونها من ذلك، وما الفائدة التي يجنونها. ففي مجال الإعلام مثلاً، ما إن يتم الإعلان عن فعالية أو نشاط ثقافي ما، إلا وتبدأ السباقات بين الإعلاميين كافة، وبسرية تامة، للاستئثار بحوار مع هذا المفكر أو الفنان أو الأديب، أو تغطية هذه الفعالية وتحقيق سبق صحفي، فيبدو الأمر وكأن هذا الإنجاز، لهذا الصحفي أو ذاك، سيكون الأول والأخير في رصيده الصحفي، وأن الفرصة إن فاتته الآن لن تأتيه مرة أخرى، وهذا يتنافى مع أخلاقيات العمل الإعلامي والإبداع ككل، فالساحة مفتوحة للجميع ليقدم كل شخص ما لديه من أفكار وآراء لتتلاقى مع الثقافات الأخرى، وتشكل في النهاية قيماً إبداعية تتسم بالموضوعية والمنطق، فلماذا هذا السعي لإلغاء الآخر لنظهر نحن؟ ومن أعطانا الحق بهذا؟ وكيف لأي إبداع أن يتميز إن لم يقابله إبداع آخر يحقق معادلة التعددية والتنوع الفكري في مناخ صحي وايجابي يوظف لخدمة الثقافة والإبداع؟
ما ذكرنا آنفاً لا يقتصر على مجال الإعلام فقط، فهذه الحالة تنسحب على الأدب والفن أيضاً، فكم من شاعر أو أديب يغمز بقناة أديب آخر ويسفِّه إبداعه، وكأنه هو القيّم على هذه الإبداعات وتوصيفها. وهنا تحضرني حادثة جرت في حفل تكريم لعدد من الأدباء، وحالة الألفة والمودة التي كانت تجمعهم قبل بدء التكريم، لكن المفارقة التي أذهلتني أنه ما إن بدأ التكريم، وأُعلن عن اسم أول مكرّم، حتى بادرتني إحدى الأديبات المكرّمات بوصف له يتنافى ليس مع أدبها فحسب، وإنما مع إنسانيتها أيضاً؛ ولم يقف الأمر هنا، إذ تناهى إلى سمعي آراء البعض الآخر يقيّمون مكرّماً آخر بأنه لا يفقه شيئاً لا بالشعر ولا بالأدب، فساءتني هذه التقييمات كثيراً، إذ كيف يسمح هؤلاء لأنفسهم بإطلاق هذه الأحكام؟ وما هي المعايير التي استندوا إليها في تقييمهم لزملائهم الذين ربما يكون رأيهم فيهم لا يختلف كثيراً أيضاً؟ وهذه الحالات تتكرر كثيراً، لكن ما يؤسف له أن نرى هذه المناكفات في المجال الفني الذي يعتبر رواده أصحاب الرسالة الأسمى والأرقى، وأظن أنه مسيء جداً أن نرى من ينظّر بقيمة الإبداع، ويظهره في نتاجه الفني، ومن وراء الكواليس يعمل على إفشال مشروع لمبدع آخر خوفاً من أن يحتل مكانه، ويلفت النظر إليه.
والسؤال الذي يحضر هنا: هل أصبح الإبداع يتشابه مع أية مهنة أخرى تخضع للمنافسات ومسألة العرض والطلب؟ أم أن الطبيعة البشرية تتسم بالفردية وحب الذات، ولا تصقلها تجربتها الحياتية؟ فهل لنا، ونحن في زمن الانفتاح الفكري والثقافي، أن نتحلى بالوعي والموضوعية، ونتجاوز أفق أنانيتنا، ونعترف أن الثقافة تقوم على التمازج الفكري وقبول الآخر – كما هو – بعيداً عن احتكاره، وتوظيف فكره ومفاهيمه في إطار فهمنا وثقافتنا، فيكون صورة طبق الأصل عنا، فالاختلاف حالة ايجابية وضرورية، ولا تُفسد للود قضية!!