مجلة البعث الأسبوعية

مجلات المسرح السورية بلا توقف.. والمصرية إلكترونية.. وحضور قوي في الامارات

أمينة عباس

لم يكن رحيل الكاتب المسرحي المصري محمد أبو العلا السلاموني مؤخراً وهو يناقش ويدافع عن ضرورة استمرار مجلة “المسرح” ورقياً في مصر بعد أن اتخذ قرارٌ بتحويلها إلى مجلة إلكترونية في اجتماع مجلس إدارة المركز القومي للمسرح إلا مؤشراً لما آلت إليه الصحافة بشكل عام ومجلات المسرح بشكل خاص ليس في مصر فقط بل في معظم أنحاء الوطن العربي.. يقول أ.محمد الروبي رئيس تحرير جريدة “مسرحنا” المصرية في تصريحه لـ”البعث الأسبوعية”: “لا تستغربوا إن قلتُ لكم لا يوجد حالياً مجلة للمسرح في مصر، والمجلة الوحيدة التي كانت موجودة اتخذ قرارٌ بتحويلها إلى إلكترونية وهو ما أغضب الكاتب محمد أبو العلا السلاموني الذي توفي وهو يتحدث في اجتماعٍ عن أهميتها، وكان من المقرر أن يصدر العدد 41 منها في شهر آذار” مشيراً الروبي إلى أن جريدة “مسرحنا” التي يترأس تحريرها هي اليوم المنبر الإعلامي الوحيد للمسرح الذي يصدر إلكترونياً بعد أن كانت ورقية في بلد يزيد سكانه على مئة مليون نسمة وينتج سنوياً ما يزيد عن أربعة آلاف عرض مسرحي من خلال الفرق الاحترافية والهواة.

حضور وغياب

تعاني معظم المجلات المتخصصة في المسرح من ركود وتقلص في الوطن العربي، وكان إصدارها عرضة للتوقف دائماً إلى أن غاب معظمها اليوم ورقياً لتحل محلها إصدارات إلكترونية فقط باستثناء مجلة “الحياة المسرحية” السورية التي مازالت مستمرة في صدورها دون توقف منذ تأسيسها على يد أ.سعد الله ونوس عام 1977 إلى جانب مجلات مسرحية أخرى تصدر في الإمارات العربية، منها “المسرح العربي” التي تصدرها الهيئة العربية للمسرح و”المسرح” التي تصدر عن دائرة الثقافة في الشارقة، ولا يخفى على أحد أن مصر كانت سبّاقة في ظهور مجلات المسرح المتخصصة التي كانت تواكب نشاط الفرق المسرحية، إذ ظهرت أول مجلة مسرحية بعنوان “المسرح” عام 1925 ثم تلتها مجلات أخرى، منها مجلات”الممثل-تياترو-الناقد” وكانت معظم الكتابات فيها انطباعية وتتطرق إلى أخبار الفرق والفنانين وبعض المقالات التي تتناول الديكور والحوار والجمهور، وفي العام 1930 أثرت الأزمة الاقتصادية التي عانت منها مصر على وجود هذه المجلات في ظل تقلص عدد الفرق المسرحية والعروض، وتبيّن الكاتبة د.عزة بدر في كتابها “المجلات الأدبية في مصر من 1954 إلى 1981” أن أهم المجلات المتخصصة في المسرح كانت مجلة “المسرح” التي صدرت في كانون الثاني 1964 وكانت شهرية تصدر عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي آنذاك بهدف تقريب الصحافة المسرحية والمفاهيم الفنية إلى الجمهور، إلى جانب نشرها نصوصاً من المسرح العالمي، واستمرت على نهجها حتى العام 1968 لتتحول إلى مجلة مهتمة بالمسرح والسينما معاً، فتغير اسمها إلى “المسرح والسينما” لكنها لم تكن منتظمة الصدور، وفي العام 1969 تم فصلها عن السينما وعادت باسم “المسرح” ليرأس تحريرها الشاعر صلاح عبد الصبور، لكنها لم تستمر طويلاً، وما بين صدور بعض المجلات وتوقفها استمر هذا الوضع حتى الآن، ومنها جريدة “مسرحنا” التي صدرت عام 2007 وكانت مهتمة بنشر النصوص المسرحية والمقالات النقدية وأخبار مهرجانات المسرح والحوارات والتحقيقات، وكانت أول أسبوعية عن المسرح تصدر بانتظام بعد stage البريطانية حسب أ.يسري حسان الذي ترأس تحريرها لمدة تسع سنوات،لكنها عانت من التوقف لفترة ثم عاودت الصدور شهرياً، إلى أن توقفت تماماً وأصبحت إلكترونية، في حين أن مجلة “المسرح” التي صدرت بصورة ورقية عام 2019 استمرت في الصدور حتى وقت قريب إلى أن اتخذ مؤخراً قرارٌ بتحويلها إلى مجلة إلكترونية.

الحياة المسرحية في سورية دون توقف

تُعد مجلة “الحياة المسرحية” التي تصدرها وزارة الثقافة–مديرية المسارح والموسيقا المجلة الوحيدة اليوم في الوطن العربي التي ما زالت تصدر ورقياً منذ العام 1977 وحتى الآن دون توقف، وبقيت إلى فترة طويلة المجلة العربية الوحيدة المتخصصة بالمسرح بعد التوقفات المتكررة للمجلات المصرية، ويشير د.نبيل الحفار رئيس تحريرها ما بين العامين 1988 و2005 إلى أن فكرة تأسيس المجلة ولِدت عام 1976 وترافق ذلك مع تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية ومهرجان دمشق المسرحي، وكان سعدالله ونوس أول رئيس تحرير لها، ثم تسلّم د.نبيل الحفار مهام رئاسة التحرير، وكان المسرح العربي عامة في حالة نكوص نتيجة للوضع السياسي والاقتصادي والثقافي، ومع هذا حاول الحفار الحفاظ على مستوى المجلة ودورها، إلى أن تقاعد عام 2005 في حين بيّن رئيس تحريرها الحالي الكاتب جوان جان أن المجلة أغنت منذ صدورها وحتى الآن الحراك الثقافي المحلي، وهي اليوم مرجعيّة تُواكب الحركة المسرحية السورية والعربية، وفي العام 2017 احتفلت المجلة بعددها رقم 100 والذي تزامن مع مرور أربعين عاماً على صدورها، وتم توثيق مشوارها الغني في عدد خاص صدر حينها وتم معه توزيع سي دي توثيقي تضمّن أعداد المجلة من العدد الأول حتى العدد 99 وقد تجاوز اهتمام المجلة النشاط المسرحي في العاصمة ليشمل مختلف المدن السورية، وتحدثت في أعدادها المتلاحقة عن مهرجانات المسرح في المحافظات وعروض فرق المسرح القومي فيها منذ السبعينيات وحتى يومنا هذا، منوهاً جان إلى أن المجلة اهتمت بالنص المسرحي السوري بنفس درجة اهتمامها بالنصين العربي والمترجم، وأولت عناية بالجانب النظري من العملية المسرحيّة، فنشرت مجموعة كبيرة من الدراسات لكبار النقّاد والباحثين السوريين والعرب، يُضاف إليها الدراسات المترجمة التي تناولت مختلف المدارس والظواهر المسرحيّة في العالم.

 مجلات مهمة في الامارات

إبان الثمانينيات من القرن الماضي قرر مسرح الشارقة الوطني إصدار مجلة مسرحية للدخول في المنافسة مع ما كان يصدر في البلاد العربية، وصدر العدد الأول من مجلة “الرولة” في تموز عام 1979 وسميت بهذا الاسم نسبة إلى شجرة معمّرة كانت تتوسَّط مدينة الشارقة، وكانت مركزاً للأفراح والتجمُّع في الأعياد والمناسبات، ولكن سرعان ما توقفت “الرولة” عن الصدور بعد العدد الثالث الذي صدر عام 1980 لتتوقف لمدة ثلاث سنوات وتعود للصدور بحلّة جديدة أثارت إعجاب المسرحيين ودخلت مناهج أكاديميات ومعاهد المسرح المتخصصة كما وُزّعت في البلدان العربية حتى وقعت في يد الفنان دريد لحام فوضعها في خلفية أحد أفلامه إعجاباً بها، وصدرت منها خمسة أعداد، ثمَّ توقفت فجأة وهي في قمة نجاحها بعد أن توقّف مسرح الشارقة عن تمويلها.. واليوم تصدرفي الشارقة مجلات مسرحية تواكب حركة المسرح العربي وتتفاعل معها من خلال مجلة “المسرح” التي تصدر عن دائرة الثقافة في الشارقة بعد أن تحولت من فصلية إلي شهرية قبل عدة أشهر، وهي تتميز بدقة اختيارها وشكلها الإخراجي،إضافة إلى الانتظام في موعد الصدور، وهي عوامل ضرورية لنجاح أي مطبوعة، وتتابع الهيئة العربية للمسرح-الشارقة إصدار مجلة “المسرح العربي”الفصلية منذ العام 2009وتحرص على استمرارها بما تتضمنه من مساهمات فكرية ونظرية ودراسات تطبيقية ونصوص مسرحية.

المواقع المسرحية الإلكترونية

في زمن وباء كورونا ظهرت مواقع ومنصات مسرحية لكسر حالة الحصار التي فرضها هذا المرض وتماشياً مع التوسع الذي حققته هذه الوسائل التي استقطبت غالبية الناس ومن جميع الشرائح والأعمار.. من هنا أوضح د.عبد الحسين علوان مؤسس مجلة “المشهد المسرحي” أنها من أهم المجلات المسرحية الإلكترونية بشهادة كبار النقاد، وقد تميزت بأهمية محتواها الذي يتناول شؤون المسرح في الوطن العربي والعالم، مبيناً أنه عند انحسار المجلات المسرحية بسبب الأحوال الاقتصادية وجائحة كورونا عن الأسواق حُرم جمهور المسرح من متابعة أخبار فنانيه ونشاطاته، وقد لعبت الجرائد والمجلات ذات الطابع السياسي دوراً في تراجع المجلات ذات الطابع الفني التي كانت تتنافس في على استقطاب المتابعين، لذلك قام علوان بتأسيس موقع إلكتروني باسم “مجلة المشهد المسرحي” لإتاحة الفرصة أمام جمهور المسرح لمتابعة أخباره بهدف إعادة ارتباط الجمهور بالمسرح.. والآن يعتبر عبد الحسين علوان موقعه من المواقع المختصة وذات التنوع في مواضيعها، وهو متابَع من قبل المسرحيين وغير المسرحيين ويحظى باحترام إدارات المهرجانات، لذلك يتواجد في أغلبها بدعوات رسمية، مع إشارته إلى وجود مواقع منافسة، ولكن يبقى الحكم للجمهور المسرحي والمسرحيين على أيها أجود في ظل واقع مسرحي واسع جداً من حيث العروض والمهرجانات المسرحية العربية، محاولاً الموقع تغطية المشهد المسرحي في الدول العربية لأن العلامة الفارقة فيه أنه لم يُسجل باسم قُطر عربي معين رغم كون علوان عراقي الجنسية ويعيش في كندا، منوهاً إلى أن الطموح هو أن يتحول الموقع إلى مجلة ورقية لأن ما يتم نشره يومياً يعادل عدداً كاملاً لمجلة في أسبوع، مشيراً إلى أن العراق عرف هذا النوع من الصحافة المتخصصة في فترة ما بعد العام 1988 حيث انتعشت الثقافة والفن المسرحي، ولكنها بسبب الظروف المتعددة تحضر وتغيب.

 الفرجة

ورأت الإعلامية والناقدة المغربية بشرى عمور مؤسسة مجلة “الفرجة” الإلكترونية المسرحية أن أهمية المواقع الإلكترونية تكمن في أنها عابرة للجغرافيا وتسهّل إيصال ما يمكن إيصاله بعيداً عن عقبات التوزيع، مشيرة إلى أن الصحف المغربية كانت في السابق تصدر عبر تقليد أسبوعي ملحق في نهاية الأسبوع وهو ملحق ثقافي كان يضم قراءات تشكيلية وسينمائية ومسرحية مستفيضة، وفي أواخر العقد الأول من الألفية الثانية اندثرت تدريجياً، وهذا ما دفع عمور لتأسيس موقع مجلة “الفرجة” سنة 2009 ليعنى بالمسرح وشؤونه، وقد صار اليوم من المصادر التي يتكئ عليها في الرسائل والأطروحات، وأصبح معروفاً على مستوى الوطن العربي.