التجنيس الرياضي بين زيادة التنافسية وإتاحة الفرص وبين قتل الروح الوطنية والاستغلال البشري
“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيّر
اعتدنا في السنوات العشر الأخيرة، وتحديداً عقب انتهاء منافسات البطولات الرياضية الأشهر، كالألعاب الأولمبية أو كأس العالم لكرة القدم، على سماع موجة من الانتقادات للرياضيين المجنسين أو المنتخبات التي تضمّ مثل هؤلاء اللاعبين، وخاصةً إذا فاز أحدهم بلقب أو ميدالية. ورغم أن ظاهرة التجنيس في عالم الرياضة ليست حديثة العهد إلا أن ازديادها في الآونة الأخيرة دفعنا للحديث حول مضارّها ومنافعها وآثارها على الرياضة والتعديلات والقوانين الناظمة لها حتى وقتنا هذا. وحتى نكون محددين بطرحنا وغير متشعبين يجب أن نتعرف على أنواع التجنيس، فهناك التوطين وهو منح أي دولة الجنسية لمواطن وفق القانون، كونه نشأ في الدولة رغم أن جذوره من دولة أخرى، قبل أن يصبح الشخص نفسه لاعباً ويمثل بلده الحاصل على جنسيته، وهناك ما يسمى الجنسية المزدوجة وهي حصول اللاعب على جنسية بلد آخر إلى جانب جنسية بلده الأصلي، وهنا يدخل اللاعب في حيرة الاختيار بين تمثيل بلده الأصلي أو الحاصل على جنسيته، في ظل وجود قوانين للاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” تحدد ضوابط مشاركة اللاعبين المجنسين، وآخرها وأكثرها انتشاراً وعرضةً للانتقادات – وخاصة في العالم العربي – التجنيس الرياضي، وهو منح جنسية قد تكون مؤقتة لبعض اللاعبين لتمثيل بلد ما في البطولات العالمية.
المدافعون عن التجنيس يرون أن له فوائد كثيرة، من بينها اتساع قاعدة التنافس بين الرياضيين وتحطيم الأرقام القياسية، كون اللاعبين يجدون في المنتخبات الكبرى فرصه للظهور في المحافل العالمية التي لا تتوفر في بلادهم، إضافة إلى الفقر في مجتمعهم الأصلي ما يدفعهم إلى الهروب تجاه البلدان الغنية، فالتجنيس في المنتخبات مشابه لميزة الانتقالات التي تتمتع بها جميع الأندية لمعالجة الضعف بصفوف الفريق، لكن المنتخبات لا يوجد بها بيع أو شراء؛ ومن هنا يأتي دور التجنيس الذي يحلو استخدامه لبعض الدول لخطف المواهب التي تساعدهم على تحقيق غايتهم في الفوز بالبطولات الكبيرة.
وهناك حالات خاصة في التجنيس يتم فيها الاستثناء في القوانين الدولية، فيتم التجاوز عن الشروط الموضوعة بسبب حالات إنسانية يكون فيها اللاعب مضطهداً قبلياً أو عرقياً أو مطروداً من بلده وتوجد خطورة حقيقية إذا عاد إليه فيتم استثناؤه للعب لمنتخب آخر، حتى وإن ارتدى شعار منتخب بلده الأصلي من قبل، ومثل هذه الحالات تستند فيها القوانين الدولية لمنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة.
وطبعاً، وككل شيء في هذه الدنيا، تلعب السياسة دورها في التجنيس، فالفقر وعدم توفر الظروف الملائمة في البلد الأصلي للاعب يدفعانه للهجرة، وكذلك الاحتلال الذي يقود اللاعب لتمثيل بلد آخر كما حدث للاعبين مشاهير في عالم كرة القدم، مثل رود خوليت وريكارد وسيدروف وإدغار ديفز في منتخب هولندا، وهم ينتمون لجزيرة سورينام، وسانشيز ولويس وأيدر لاعبي الرأس الأخضر الذين لعبوا لمنتخب البرتغال.
وربما إحدى أوائل حالات التجنيس وأشهرها على الإطلاق ظاهرة النجم الأرجنتيني الكبير ألفريدو دي ستيفانو، الذي يمثل حالة خاصة إذ لعب لمنتخب بلاده الأصلي الأرجنتين عام 1947، وبعدها انتقل إلى منتخب كولمبيا 1949، ثم اتجه إلى إسبانيا عام 1957، ليمثل منتخبها أيضاً في واقعة لم تكن غريبة حينذاك، حيث لم تكن هناك لوائح تحكم الرياضة في مثل هذه الحالات، أو تُحدد شروط تمثيل البلد ليصبح دي ستيفانو من أشهر اللاعبين الذين لعبوا لثلاثة منتخبات في بطولات مختلفة. ومن قبيل الصدفة أيضاً أن إحدى الحالات المبكرة ظهرت في الوطن العربي مع الحارس اليوناني براسكوس أول مجنس لمنتخب عربي، حيث لعب لمصر وشارك معها في أول نسخة لبطولة أمم أفريقيا 1957، في السودان، وأحرز معها اللقب، كما شارك في النسخة الثانية بمصر عام 1959، ولم يكن تجنيس براسكوس في منتخب مصر مخططاً له في ذلك الوقت، لكنه جاء بالصدفة عندما تواجد في مدينة الإسماعيلية، ما أتاح له الفرصة لممارسة كرة القدم في مصر، وأعجبه الوضع ليبقى سنوات عدة قبل أن يعود لبلاده.
وكان المنتخب الفرنسي للجري، منذ عام 1923 وحتى منتصف الخمسينيات، مؤلفاً بالكامل من الجزائريين والمغاربة، ولكن استقلال دول المغرب العربي أدى لتوقف هذا الأمر، لكنه ما لبث أن عاد بعد سنوات بسبب الهجرة، وتقدر إحدى الصحف عدد العدائين المغاربة المجنّسين بأكثر من 120 عداء وعداءة منتشرين في 15 دولة، فالعداء الذي لا يجد له موقعاً في منتخب بلاده يلجأ إلى المنتخبات الأخرى.
وفي التسعينيات، حدثت واقعة غريبة للتجنيس الرياضي كان بطلها اللاعب الصومالي محمود صوفي، بعدما منح جواز سفر من قطر، فرغم مشاركته مع منتخبها لسنوات طويلة وتحقيقه إنجازات معروفة، أهمها فوزه ببطولة الخليج، وجد نفسه مضطراً للعودة لبلده الأصلي، وهو بذلك يمثل الوجه السلبي للتجنيس الرياضي، والذي واجهته المنظمات الدولية بسن قوانين كالتي حددها الاتحاد الدولي لكرة القدم، حيث اشترطت لوائحه على أن تكون ولادة اللاعب في منطقة تابعة للاتحاد المراد الحصول على جنسيته، أو والد أو والدة اللاعب مولودان في منطقة تابعة للاتحاد، أو جده أو جدته مولودان في منطقة تابعة للاتحاد، وعاش خمس سنوات في منطقة تابعة للاتحاد بعد بلوغه سن 18 عاماً، وأخيراً حصوله على موافقة خاصة من الفيفا.
لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم وبعد الكثير من الدراسة والتروي يعمل على تغيير نظرته للتجنيس وإجراء تعديلات مهمة لناحية تمكين اللاعبين من تمثيل منتخبات غير منتخباتهم الأم، إذ ستسمح التعديلات الجديدة للاعب الذي مثل منتخباً وطنياً سابقاً على مستوى الفريق الأول بتمثيل منتخب وطني آخر شريطة أن لا تتعدى مشاركاته مع المنتخب السابق أكثر من ثلاث مباريات قبل بلوغه 21 عاماً، وقبل ثلاث أعوام كحد أدنى، وفي المقابل لن تشمل هذه التعديلات حالات اللاعبين الذين مثلوا منتخبات في نهائيات كأس العالم أو البطولات القارية.
والهدف الرئيس من هذا هو مساعدة اللاعبين الشباب الذين انتقلوا مع أسرهم إلى بلد جديد لأسباب غير متعلقة بكرة القدم. وأفضل مثال لهذا حالة المغربي منير الحدادي الذي أراد تمثيل منتخب المغرب ولكنه خسر قضيته واستئنافه أمام لوائح الفيفا بسبب أنه لعب لإسبانيا مباراة واحدة، في أيلول من العام 2014، وكبديل في الدقيقة 77 ضمن تصفيات كأس أوروبا، كما تعتبر الصين أحد أكثر البلدان استفادة من هذه التعديلات فهي تستعد لتجنيس أربعة لاعبين لإضافتهم إلى أربعة لاعبين مجنسين ضمن منتخبها الذي يخوض غمار تصفيات مونديال 2022.
اللجنة الأولمبية الدولية هي الأخرى تحذو حذو الفيفا بوضع نظم وقوانين تخضع لها كل الاتحادات الرياضية الدولية، بدلاً من ترك الأمر لأهوائها، ووضع لوائح تجعل من التجنيس عنصراً مفيداً، أبرزها أن يتم التجنيس في سن دون 18 عاماً للاستفادة القصوى من اللاعب المجنس، وربط التجنيس الرياضي بالكثافة السكانية، والسماح به في الدول ذات التعداد السكاني البسيط فقط، فضلاً عن تحديد عدد الرياضيين المجنسين للدول ذات الكثافة السكانية الكبيرة. ويقترح خبراء أن يقضي الرياضي ثماني سنوات (فترة دورتين أولمبيتين) للحصول على جنسية بلد آخر حال شارك سابقاً مع بلده الأصلي أولمبياً، وأن يستند التجنيس الرياضي إلى موافقة الدولتين – الأصلية والجديدة – كشرط أساسي لتجنيس اللاعبين، إلى جانب متابعة عملية تجنيسهم، لضمان حصولهم على الحقوق الكاملة، وتجنب ظاهرة ما يسمى التجنيس المؤقت.