مجلة البعث الأسبوعية

الحرب في أوكرانيا.. ظهّرت التحالف بين الصهيونية والنازية

البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي:

لا شك أن الحرب الجارية الآن في أوكرانيا كشفت الكثير من الخفايا في العلاقة القائمة بين روسيا والغرب، فالغرب الجماعي الذي استخدم أوكرانيا رأس حربة في الهجوم على روسيا، يحاول بجميع الوسائل إخفاء السبب الحقيقي لدعمه غير المحدود للنظام النازي الحالي الحاكم في أوكرانيا بزعامة فلاديمير زيلنسكي الذي جاء به الغرب ليشكّل معبراً لحلف شمال الأطلسي “ناتو” للوصول إلى حدود روسيا الغربية، وذلك من خلال استخدامه بالطريقة ذاتها التي استخدم فيها فنلندا عام 1940 في محاربة روسيا بغية إضعافها ثم قيام الغرب ممثلاً آنذاك بفرنسا وبريطانيا بالانقضاض على الاتحاد السوفييتي.

غير أن مثل هذه المقاربات التي يطلقها المسؤولون الروس بين الفينة والأخرى لا تروق كثيراً للمسؤولين الغربيين الذين يعتمدون عادة على قصور ذاكرة المتلقي الغربي وعجزه عن الإلمام بخفايا الحرب العالمية الثانية، والمؤامرات التي حيكت في الغرب آنذاك ضدّ الاتحاد السوفييتي، حتى إن روسيا بدأت بالإفراج عن الكثير من الوثائق التي تؤكّد أن هذا الغرب كان متحالفاً مع ألمانيا النازية بغية الانقضاض على الاتحاد السوفييتي في بداية الحرب العالمية الثانية، غير أنه فوجئ بأن الزعيم النازي أدولف هتلر أراد أن يسيطر على أوروبا بالقوة لتشكيل إمبراطورية خاصة به، وبعد اجتياحه لمعظم الدول الأوروبية اضطرّ بعضها إلى إظهار رغبته في التحالف مع الاتحاد السوفييتي لهزيمته، حتى إنها تركت الجيش الأحمر الروسي يقاتل بمفرده لصدّ الاجتياح النازي لأوروبا الشرقية بحجّة أن الجيش الأحمر كان الأقرب جغرافياً إلى ذلك.

وبعد انتصار الاتحاد السوفييتي فعلياً في الحرب على ألمانيا النازية وتوقيع الألمان صك الاستسلام للجيش الأحمر، نسب الغربيون الانتصار لأنفسهم وأنكروا المساهمة السوفييتية الكبرى في الانتصار على النازية، بل حاولوا الحصول على جميع المكاسب التي ما كانت لتحدث لولا المقاومة العنيفة التي أبداها الجيش الأحمر والضحايا التي قدّمها الاتحاد السوفييتي في تلك الحرب التي تجاوزت 27 مليون ضحية.

ما يهمّ في كل ذلك أن الغرب حاول طوال الفترة الماضية التعتيم على جميع هذه الحقائق، بينما قام الاتحاد السوفييتي بإخفائها ظنّاً منه أن ذلك سيساهم في تعزيز قيم التسامح بين الشعوب، ولكن الغرب الجماعي أصرّ من خلال سياسته المتبعة حالياً بمحاولة تجييش أكبر قدر من دول العالم ضدّ روسيا وشيطنتها ودعم النظام الأوكراني بشتى أنواع الأسلحة لهزيمة روسيا، بل بإعلانه غير مرة عن رغبته في هزيمة روسيا استراتيجياً، على استدراج ردّ فعل روسي يفضح نيّات هذا الغرب حل المسألة الروسية كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي صرّح بأن ما يحدث في أوكرانيا هو نتيجة التحضيرات التي قامت بها واشنطن وحلفاؤها على مدى سنوات طويلة، لشنّ حرب كونية هجينة على روسيا، حيث أكد أن حجم الدعم لأوكرانيا يُظهر أن الغرب قد وضع الكثير في الحرب ضد روسيا،    وأن إعلان التعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يضع أوروبا بشكل مباشر في موقع تابع لحلف شمال الأطلسي.

ولكن ما أثار حفيظة واشنطن بالفعل هو تشبيه إجراءات الولايات المتحدة لإنشاء تحالف ضد روسيا بإجراءات الزعيم النازي أدولف هتلر لدى محاربته الاتحاد السوفييتي، حيث حشد أغلب القارة الأوروبية في المواجهة بالقوة، وأن تصريح رئيس كرواتيا بأن الناتو يشنّ حرباً بالوكالة ضدّ روسيا في أوكرانيا صادق، إذ تحاول الدول الغربية بشتى الوسائل إنهاء المسألة الروسية إلى الأبد وإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.

فقد تساءل منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، عن كيفية التجرّؤ على هذه المقارنة؟، محاولاً التستّر خلف شمّاعة معاداة السامية “كيف يجرؤ على مقارنة أي شيء بالهولوكوست؟”، واصفاً تصريحات لافروف بالادّعاء السخيف، رغم أنه يوصّف الأمر كما هو بالفعل.

فالمقاربة التي تحدّث عنها لافروف أثارت الهلع في واشنطن التي ما زالت إلى الآن تحاول التستر على الدور الخبيث الذي مارسته خلال الحرب العالمية الثانية، من خلال وقوفها في الخلف دون مواجهة القوات  الألمانية النازية، في الوقت الذي كانت تدير فيه المعركة من بعيد وتدعم النازية بشكل قوي هي والمملكة المتحدة وفرنسا، وينتظر الجميع هزيمة الاتحاد السوفييتي أمام فنلندا التي كانوا يدعمونها بالطريقة ذاتها التي يدعمون بها أوكرانيا حالياً، ويضعونها رأس حربة في الصراع مع موسكو آنذاك.

وما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع مع قدامى المحاربين في الذكرى الـ80 لرفع الحصار عن لينينغراد من أن الحرب الوطنية العظمى شهدت مشاركة العديد من الجنسيات لقوات الاحتلال ضد روسيا، يؤكد أن موسكو بدأت بالفعل بكشف جميع الأوراق التي كانت إلى وقت قريب طيّ الكتمان في الصراع الدائر بينها وبين الغرب الجماعي، مستشهداً برواية ” الحرب والسلام” لليف تولستوي الذي كشف كيف تجمّعت الجنسيات المختلفة من أوروبا لتواجه روسيا في الحرب الوطنية عام 1812، عندما وضع نابليون بونابرت تحت سيطرته كل قوات أوروبا.

ووفقاً لبوتين، تكرّر ذلك في الحرب العالمية الثانية 1941-1945، بعد أن أخضع هتلر كل أوروبا لسيطرته، وفي حصار لينينغراد ارتكب الجرائمَ ممثلون عن جميع دول أوروبا، وتابع: “لم نعلن عن تلك الجرائم طوال الوقت بذريعة التسامح ولعدم إفساد العلاقات أو أي خلفية لهذه العلاقات. إلا أن ذلك لم يكن فقط على جبهة لينينغراد، وإنما وقع في كل مكان”.

وبالتالي لم يكن استشهاد وزير الخارجية الروسي بهاتين الحالتين في تشبيه الإجراءات التي تتخذها واشنطن إزاء موسكو عن عبث، فالغرب له سوابق في هذا المجال، وكانت موسكو تبتعد عن فضحها حفاظاً على ما يسمّى شعرة معاوية في العلاقة مع هذا الغرب. أما وقد كشّر هذا الغرب عن أنيابه وأعلن أنه مصرّ على تدمير روسيا وهزيمتها، فمن باب أولى أن يعيد المسؤولون الروس الذاكرة المفقودة إلى الشعوب الغربية، لأن ما يحدث الآن في أوكرانيا شديد الشبه بما كان يحدث في أوروبا سابقاً ولو اختلف التوقيت، والولايات المتحدة الآن تعمل على إنشاء حلف يضمّ تقريباً جميع الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو وغير الأعضاء، ومن خلال أوكرانيا تشنّ حرباً بالوكالة ضد بلادنا، والهدف نفسه هو حل المسألة الروسية بشكل نهائي، وذلك مثلما أراد هتلر حل “المسألة اليهودية”.. “والآن إذا قرأت السياسيين الغربيين، ستجد أنهم يقولون الكلام نفسه وهو أنه يجب إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا”، وهذا الكلام يؤكده كثير من المسؤولين الغربيين وليس فقط حكراً على روسيا، حيث إن تصريح رئيس كرواتيا بأن الناتو يشنّ حرباً بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا، خير مثال على ذلك، فضلاً عن التصريحات الصادرة من هنغاريا وتشيكيا وصربيا.

على أن أهم شيء يمكن أن تكون حققته الحرب في أوكرانيا، هو أنها عرّت هذا الغرب وفضحت العلاقة الوثيقة والتاريخية القائمة بين الصهيونية العالمية والنازية، وأن كل ما قيل عن العداء بين الغرب والنازية هو مجرّد دعاية مضلّلة، فالنازية تاريخياً تقف في خدمة الصهيونية، وليست النازية الجديدة في أوكرانيا استثناء.