هل تنطوي الانتخابات الأمريكية على المفأجاة؟!
“البعث الأسبوعية” ــ عناية ناصر
في انتخابات 2020، يبدو أن أولويات الأمريكيين على المستوى الوطني، والاستياء من إدارة ترامب وإخفاقاتها الاقتصادية، وفشلها في مواجهة الوباء، كل ذلك يعمل لصالح الديمقراطيين، لكن ثمة من يحذر من مفاجأة قد تشهدها الانتخابات.
في الآونة الأخيرة، ثبُتت إصابة الرئيس ترامب بـ كوفيد-19، ما أدى إلى بدء تتبع الحالة الصحية لمريض البيت الأبيض، بعد تسعة أشهر من القيادة الفاشلة في مواجهة الوباء، وانتهاكات إجراءات الصحة العامة الأساسية، والخروج قبل الأوان من عمليات الإغلاق، وقدوم الموجة الثانية في وقت أبكر مما كان متوقعاً.
كانت العواقب وخيمة، فقد بلغ عدد الأمريكيين الذين لقوا حتفهم في الوباء ما يقرب من 220 ألفاً، وهو بالفعل قرابة أربعة أضعاف إجمالي الوفيات الأمريكية في حرب فيتنام، فكيف ستؤثر هذه التطورات الهائلة والدراماتيكية على الناخبين الأمريكيين؟
القضايا التقليدية
وفقاً لاستطلاعات الرأي، يمكن دمج الأولويات الوطنية للولايات المتحدة في ثلاثة عوامل رئيسية، حسب الأهمية: فيروس كورونا والرعاية الصحية (32٪)، والاقتصاد (25٪)، والمساواة في المعاملة والجريمة والسلامة العامة (26٪). وفي انتخابات 2020، قد تؤدي الحالة الصحية لدى الأمريكيين، والاقتصاد، والعنصرية، إلى نجاح حملة المرشح الرئاسي أو فشلها، ويلاحظ أن ما يسمى قضايا الأمن القومي والإرهاب والدفاع لا تندرج ضمن الأولويات الوطنية الراهنة، ما يؤكد مخاوف الديمقراطيين التقليدية، وتلك أخبار سيئة بالنسبة لحملة ترامب وبنيس.
التوجهات الأمريكية
هناك سؤال رئيسي آخر يتعلق برضا الناخبين عن التوجهات الأمريكية الخارجية في ظل الإدارة الحالية. وفق المنظور بعيد المدى، فإن الصورة واضحة نسبياً، فمنذ الحادي عشر من أيلول، كان معظم الأمريكيين غير راضين عن قيادتهم مع إدارتي كل من بوش وأوباما، أما في عهد ترامب فقد انفجرت هذه الفجوة، لا سيما في الأشهر القليلة الماضية.
بالإضافة إلى سوء التعامل الفادح مع فيروس كورونا، هناك عوامل أخرى تلعب دورها، بما في ذلك أحادية ترامب، وحروبه التجارية، وسياسات الإدارة العنصرية المثيرة للانقسام، ناهيك عن مؤيدي ترامب: من المحافظين المتطرفين، إلى اليمين المتطرف العنيف، والبيض المتعصبين.
فيروس كورونا
تنبع المعارضة ضد ترامب من تعامله الكارثي مع الاستجابة لوباء كورونا، ماضاعف من إخفاقات الإدارة، ليس فقط أثناء الوباء ولكن على النطاق الأوسع للصحة العامة والرعاية الصحية.
رسمياً، يدعم معظم الجمهوريين الإدارة. ومع ذلك، وفي المواقف التي تسبق الانتخابات، يبتعد الناخبون الضعفاء عن ترامب، فزعماء حزب الشاي السابقون، مثل تيد كروز، يحذرون من “حمام دم سياسي وشيك مثيل بـ ووترغيت”، ففي وقت يقوض ترامب محادثات الإغاثة الاقتصادية، ويتجاهل المخاوف من الفيروس وسط التحذير من طفرات جديدة، يواجه الجمهوريون أزمة مستفحلة في الولاء لمرشحهم.
حملة بايدن ــ هاريس
إذن، ما هو التأثير الإجمالي؟ وفقاً لأحدث استطلاعات الرأي، فإن حملة ترامب – بنيس تتخلف عن ثنائي بايدن – هاريس، وبعدما كان الفرق بنسبة 10٪ في أواخر الصيف، ها هو يراوح الآن بين 10 إلى 15٪.
ومن المثير للاهتمام أن استطلاعات الرأي الأخيرة، وسط الناخبين المسجلين وغير المسجلين، أسفرت عن نتائج مماثلة. وإذا كان ترامب قد استغل، في العام 2016، إخفاقات السناتور هيلاري كلينتون لجذب الأصوات المتأرجحة، إلاّ أن الأمر متعذر الآن، كما يرى الكثيرون، إذ
يمكن لإدارة بايدن الديموقراطية أن تعيد التعددية في الولايات المتحدة، وأن تخفف من حدة الصراعات التجارية، وأن تخفف بعض الأضرار الاقتصادية، وأن تحقق نجاحاً في مواجهة الوباء. في المقابل، يمكن أن تؤدي إعادة انتخاب ترامب لولاية الثانية إلى تسريع الطريق إلى صراعات جغرافية سياسية خطيرة، وإلى الركود العالمي، ولربما إلى ما هو أسوأ. ومع ذلك، لا شيء واضحاً في السياسة الرئاسية الأمريكية اليوم.
تحذير من المفاجأة
حتى لو أثبتت الحملة الديموقراطية قوتها في الكيلومتر الأخير، إلاَ أن “مفاجأة تشرين الأول”، أو حتى “مفاجأة تشرين الثاني”، لا تزال ممكنة. ويتم تعريف مثل هذا السيناريو على أنه حدث إخباري رئيسي يتم إنشاؤه، أو توقيته، للتأثير على نتيجة الانتخابات.
في العام 1972، قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات، كان الرئيس نيكسون يتقدم على جورج ماكغفرن الديمقراطي. ولضمان إعادة انتخابه، ركز حينها هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون، بشكل واضح، على أن إدارة نيكسون “تعتقد أن السلام في متناول اليد (في فيتنام)”. في الواقع، لم يتم سحب القوات البرية الأمريكية إلا بعد ثلاث سنوات، لكن الحيلة ربما تكون قد حسمت إعادة الانتخاب.
في العام 1980، كان المنافس الجمهوري رونالد ريغان قلقاً من أن صفقة اللحظة الأخيرة لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في إيران قد تدعم إعادة انتخاب جيمي كارتر. وبحسب ما تبين، فقد أعاقت حملة ريغان إطلاق سراح الرهائن بصفقة سرية، حيث سيحتجز الإيرانيون الرهائن حتى يفوز ريغان ويتم تنصيبه. ربما يكون هذا قد ضمن فوز ريغان في الانتخابات.
اليوم، يبدو أن البيت الأبيض عازم على الفوز بإعادة انتخابه بأي ثمن، لكن ما لم تتعثر الحملة الديموقراطية خلال الكيلومتر الأخير، فإن منتقدي ترامب يتوقعون ما هو أسوأ في الأسابيع المتبقية، بما في ذلك القرارات الاقتصادية الاستفزازية، والإفراج المحتمل عن رسائل البريد الإلكتروني سيئة السمعة للسيناتور هيلاري كلينتون، والاحتكاك العنصري الملتهب، وحتى المناوشات العسكرية المحتملة مع الصين، أو إيران، أو أية قوى أجنبية أخرى.
في تشرين الأول 2016، ثمة من أشار إلى أن فوز ترامب في الانتخابات سيؤدي إلى زيادة المخاطر العالمية.. وبالفعل حدث هذا! ومن المرجح أن يستمر هذا الخطر حتى يواجه ترامب الرد النهائي من الشعب الأمريكي: “أنت مطرود”.