مجلة البعث الأسبوعية

تحرير الأقصى المبارك يستدعي تحرير “الذي باركنا حوله”.. بنص القرآن الكريم

محمد شريف الجيوسي

تصاعدت في السنوات الأخيرة الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة القدس الفلسطينية المحتلة، مقادسة، ومقدسات، ومؤسسات مقدسية، ومقدرات ومساكن، وهي الاعتداءات التي لم تنقطع منذ احتلال الجزء الغربي للمدينة المقدسة، وتلا ذلك احتلال شرقيها سنة 1967.

وباحتلال الجزء الشرقي للمدينة، تكثفت الاستفزازات الإسرائيلية بمنع من هم دون الـ 40 من العمر، وأحياناً دون الـ 50، من أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، ثم إجراء حفريات تحت أساسات المسجد بحجة البحث عن “هيكل سليمان” المزعوم، وهي الحفريات التي ما زالت مستمرة، ثم بدأ تدنيس الأقصى بشكل رسمي مكثف على يد الإرهابي شارون، وتتابع التصعيد على نحو ما هو معروف.

وشملت الاعتداءات أيضا الكنائس والمؤسسات المسيحية، ومنع المصلون المسيحيون من ممارسة شعائرهم الدينية والاحتفالية بخاصة في الأعياد، والوصول الآمن المكتمل، كما استولى الصهاينة على العديد من الأملاك المسيحية بطرق احتيالية ومخادعة.

في المقابل، كانت ردات فعل ما يسمى المجتمع الدولي، المهيمن عليه أمريكياً وأوروبياً غربياً، غاية في الخسة والتواطؤ، وهو ما توج قبل أيام بانتخاب إسرائيلي نائياً لأمين عام الأمم المتحدة.

ولم تكن ردات الفعل الرسمية، عربيا وإسلامياً، كافية لتضع حداً للاعتداءات الإسرائيلية، بل واختزلت القضية الفلسطينية، وطنا وشعبا ومقدسات ومؤسسات ومقدرات وحضارة وتاريخاً، وشهداء وجرحى وأسرى، بالمسجد الأقصى، ما ضاعف الصلف الإسرائيلي والتواطؤ والتآمر الغربي، والنكوص العالمي عن ممارسة دور فاعل ضد الكيان الصهيوني.

فمن يستنكف عن تذكر الكل، والعمل لأجله، ويقصر المعارضة المكثفة حول الجزء، قد يأتي يوم يستنكف فيه عن تذكر الجزء أيضاً، أو المطالبة بأجزاء منه، حيث جرت تجزئة القضية، والمطالبة بالمستجد منها دون ما أدى إليه؛ فالتراجع لم يبدأ بـ “أوسلو”، ولكن منذ أن اعتمد “البرنامج المرحلي”، سنة 1974، ومنذ كرست فلسطنة القضية، بل ومنذ أن عدل “الميثاق القومي” لمنظمة التحرير، واستولد “الميثاق الوطني الفلسطيني” بالتزامن مع الإعداد لتولي قيادة جديدة للمنظمة تحت شعارات ثورية ثبت لاحقاً أنها لم تكن كذلك في الجوهر.. وإنما مهدت لكل الخراب الذي تعيشه القضية، الآن.

لقد نص القرآن الكريم على قدسية المسجد الأقصى (الذي باركنا حوله). و(الذي باركنا حوله) لا تعني المسجد بناء ومكانا فحسب، كما لا تعني بضعة كيلومترات من حوله، وإنما الوصول الآمن إليه، والتعبد فيه، والإقامة القريبة منه. والسؤال: على افتراض أن الصهاينة – إسرائيليين ومستوطنين ويهودا متطرفين – كفوا عن تدنيس المسجد، هل يعني ذلك أن الوصول إليه أصبح آمناً؟ وهل أصبحت إقامة وسكنى المقادسة، ومجيء غيرهم من المؤمنين، مسيحيين ومسلمين، للعبادة والإقامة في مدينة القدس، يسيرة وآمنة؟

إن التركيز على الأقصى كبناء، وتجاهل ما حوله – والذي اختزل بمصطلح خطير “الحرم القدسي الشريف” – يخفي جهلا أو قصداً خبيثاً، فالتمسك بالأقصى كبناء بكل ما فيه من إبداعات وفنون بناء ورسوم، فحسب، دون تحرير ما حوله، من بلاد الشام،، كضمانة، للوصول الآمن إلى الأقصى، والتعبد فيه وحوله بكل حرية وهدوء ويقين ـ دون ذلك التحرير يعني التفاف على مضمون الآية الكريمة وبيع حرام للقضية الفلسطينية..

بكلمات إن إختزال القضية الفلسطينية بالمسجد الأقصى، يخفي على الأقل جهلاً بمدلول النص القرآني الكريم، ( الذي باركنا حوله ) ولو أن القدسية إقتصرت على البناء، لما جاء النص القرآني الصريح ( الذي باركنا حوله ) وما حوله يعني الوطن الذي يضم المسجد قبل أن يجزئه الإستعمار الفرنسي البريطاني الى سورية ولبنان وشرقي الأردن و” وطن قومي لليهود في فلسطين ” ولواء إسكندرون وأجزاء أخرى في الشمال.

العمل الصادق لتحرير الأقصى يكون بتحرير كل أرض عربية من المستعمرة الإسرائيلية ومن العثامنة الجدد، الذين أجدادهم أول من، اتاحوا الإستيطان لليهود في فلسطين أعتبارا من سنة 1865.. وإستجلبوا يهود الأندلس الى المنطقة ( ولم ينتصروا لمسلميها العرب أو يستضيفوهم ) بل تقاسموا مع الكنيسة البابوية صفقة، تخليها عن الكنيسة الأرثوذكسية في مقابل خذلان مسلمي الأندلس.

تحرير الأقصى الحقيقي يكون بتحرير بلاد الشام كلها والعراق من إسرائيل ومن الإحتلالين العثماني الجديد وأمريكا، ومن فلول الإرهاب وداعميه.

m.sh.jayousi@hotmail.co.uk