مجلة البعث الأسبوعية

النهوض بقطاع الزراعة “موضة” لدى البعض.. وأعباء تتراكم على عاتق الفلاح وحده!!

“البعث الأسبوعية” ــ ريم ربيع

لم يك يتوقع أن تنقلب أرضه التي اعتاش هو وأهله من خيرها إلى مأزق يؤرق معيشته، فأبو علاء (55 عاماً) لم يعد اليوم قادراً على تحمل تكلفة رعاية أرضه المزروعة بشتى أنواع الفاكهة والعناية بها، إذ تضاعفت أسعار جميع المستلزمات مرات عدة مقابل زيادة في سعر البيع لا تكاد تغطي جزءاً من التكاليف، فضلاً عن عدم ضمان تصريف الإنتاج؛ فكل عام تتجدد مشقة البحث عن منافذ للبيع، ويضطر أغلب المزارعين في النهاية للرضوخ إلى قرارات التجار؛ وحتى مهمة سقاية الأرض باتت شبه مستحيلة في ظل تخريب مضخات وشبكات الري في القرى المجاورة له، ما جعله يحجم عن زراعة الفاكهة ويقتلع معظم الأشجار، ليكتفي بزراعة جزء بسيط من أرضه بالخضار بما يكفي عائلته فقط.

أبو علاء ليس وحيداً في معاناته، فهي حال معظم الفلاحين، وإن اختلفت المشاكل في الإنتاج – بحسب كل منطقة وظروفها – إلا أن النتيجة واحدة في النهاية. وأمام هذا الواقع، كان واضحاً في السنوات الماضية إحجام عدد لا يستهان به من الفلاحين عن الزراعة، أو تغيير المحاصيل التي اعتادوا على زراعتها، أو الاقتصار في الزراعة على ما يغطي حاجتهم فقط؛ وفي ظل غياب الإحصائيات الرسمية من الصعب تقييم نسبة هذه الفئة ممن تركوا الزراعة، سواءً بسبب التكاليف أو بسبب تخريب الأراضي من قبل العصابات المسلحة.

بكل الأحوال، لا يمكن لأي خبر يتضمن عزوف الفلاحين عن الزراعة لضعف المردود أن يمر مرور الكرام، لاسيما في وقت تتجه كل الأنظار إلى القطاع الزراعي “المُنقذ والدعامة”؛ فرغم أن البعض بات يتحدث عن دعم الزراعة من باب “الموضة” لا أكثر، إلا أن الظرف الحالي يتطلب الارتقاء بهذه التصريحات وتحويلها إلى حقيقة، ولعل الخطوة الأهم هنا هي التمسك بالفلاح، ودعمه ما أمكن للاستمرار بعمله بمردود يضمن له حياةً كريمة، لتنعكس بذلك انتعاشاً على جميع جوانب الاقتصاد.

 

مسؤولية من؟

أمام عناوين الدعم “اللا محدود” التي تغص بها الصحف والإذاعات والمحطات التلفزيونية، يشي الواقع بأنه يصل للمزارع “من الجمل أذنه”، فهو اليوم بحاجة للسماد والمازوت والبذار والمعدات الزراعية وآليات الحراثة وغيرها من المستلزمات، وحين حمل حاجاته هذه ليقولها أمام الحكومة في مجلس اتحاد الفلاحين، منذ أيامٍ، كان الرد: نقدّر حاجاتكم ولتقدّروا دعمنا لكم بالمقابل..! فرئيس الحكومة استفاض بالحديث عن الدعم والتكاليف والجهود لإعادة شبكات الري واستصلاح الأراضي، وهي جهود لا يُنكَر أن بعضها يوصف بالإنجاز المهم في ظل الحرب والحصار المستمر، لاسيما فيما يتعلق بإعادة عمل مضخات وشبكات الري في أكثر المناطق بعد تدميرها كلياً، غير أن أسئلة كثيرة ما زالت على لسان الفلاحين الذين لم يجدوا لها جواباً خلال المجلس، فحين يُطالَب الفلاحون بزراعة كل شبر، هل يكونون هم المسؤولين عن تأمين المازوت والسماد وباقي المعدات؟ إذ كيف يمكن لدعوة الحكومة لهم بالتشاركية أن تُطبّق وأغلب احتياجاتهم غير موجودة، وما وجد منها يذهب نصفه لجيب الفاسدين والمستغلين.

 

بانتظار الوعد!

غصة كبيرة بدت في حديث رؤساء اتحاد الفلاحين في المحافظات عن استغلال التجار لحصصهم من السماد والأعلاف المدعومة، خاصةً وهم يبازرون على مخصصات الفلاحين أمام أعينهم، إذ تحدث عدد من المشاركين في المجلس عن عمليات بيع السماد والأعلاف للتجار من قبل البعض، ليعاود التجار بيعها للفلاحين بسعر السوق السوداء، وهنا تجدد الحديث عن الفرق بين ما يتكلف به الفلاح نظراً لاضطراره الشراء من السوق السوداء وما تسعّر به الدولة المنتجات وفقاً لما تقدمه من مواد مدعومة، ليسجل بذلك خسارة تلو الأخرى؛ غير أن وعداً أطلقه وزير الزراعة، حسان قطنا، خلال انعقاد المجلس بأن التسعير سيكون شاملاً لكافة التكاليف وفق السوق السوداء، فهل سيجد هذا الوعد طريقه للتطبيق في قادم الأيام؟

 

ازرعوا بكل الأحوال!

في عام القمح الذي يعول عليه الجميع لتحقيق جزء من الاكتفاء الذاتي من المادة الأساسية في غذاء السوريين، كشف رئيس الحكومة عن انتظار إنتاج 2 مليون طن من القمح هذا العام، وهنا كشفت الأرقام التي قدمها أغلب ممثلي الاتحاد عن إنجاز كامل الخطة أو الجزء الأكبر منها، غير أنهم في الوقت ذاته لم يعولوا كثيراً على كمية الإنتاج في ظل عدم وصول السماد حتى الآن، وكان رد وزير الزراعة: من المتوقع تراجع الإنتاج بعض الشيء لصعوبات تأمين السماد، ولكن لا بديل عن الزراعة بكل الظروف.

 

تهرب!

رئيس الحكومة، المهندس حسين عرنوس، اعتبر أن حجة القطاع العام أو الخاص بأن صعوبة الاستيراد متعلقة بعدم ثبات سعر الصرف ما هي إلا طريقة للتهرب من العقود! فلو كان في الأمر جدية سيجد المعنيون حلولاً جاهزة لهذه الإشكالية، فيما بيّن وزير الزراعة حسان قطنا أنه تم طرح عروض ومناقصات عديدة لتأمين السماد الفوسفاتي لخطة القمح دون أن يتقدم أحد. بدوره مدير المصرف الزراعي ابراهيم زيدان بين أن المحافظات كلها استلمت حاجتها من السماد وفق الخطة الزراعية، فتم توزيع 41 ألف طن سماد حتى 13/1.

 

3 أضعاف..

لا تقتصر مشاكل الفلاحين على الشق الزراعي فقط بل لتربية الثروة الحيوانية عثراتها أيضاً، إذ لا يمر يوم دون الحديث عن نقص الأعلاف وارتفاع سعرها وانعكاس ذلك على المنتجات الحيوانية التي باتت أقرب إلى الحلم لفئة كبيرة من المجتمع؛ وهنا أوضح مدير مؤسسة الأعلاف عبد الكريم شباط أن المؤسسة وزعت، في العام 2020، كميات كبيرة تقدر بـ 581 ألف طن، وهي 3 أضعاف الكمية الموزعة في السنوات السابقة، مضيفاً: “أخذنا 75 ألف طن من الكسبة والذرة، وتم تصنيع 51 ألف طن في معامل المؤسسة، أما بالنسبة للنخالة فكانت المؤسسة قد جهزت 85 ألف طن في بداية الدورة، إلا أنه لنقص في الكمية تم استبدال النخالة بالطحين مما أخر التوزيع”.

وبين شباط أن المؤسسة وزعت، منذ بداية العام، 53 ألف طن من المواد العلفية، وفيما يتعلق بمادة الكسبة، فرغم مطالبات اتحاد الفلاحين والمؤسسة بعدم رفع سعر المادة العلفية أثناء الدورة العلفية، إلا أن شركة الزيوت أوقفت مادة الكسبة عن المؤسسة، ورفعت سعرها من 600 ألف للطن الواحد إلى 950 ألفاً، ومن غير الممكن – بحسب شباط – رفع السعر للفلاح في منتصف الدورة العلفية!!

بدوره، مدير مؤسسة الدواجن سراج خضر أوضح أنه وللمرة الأولى يكفي رصيد المؤسسة العلفي 3 أشهر، بعد أن كان إطعام الدجاج يتم “كل يوم بيومه”، ليتم طلب زيادة الخطة الإنتاجية، كاشفاً عن إشكالية في استيراد أمات بياض إذ تم الإعلان أكثر من مرة دون أن يتقدم أحد للاستيراد، محذراً أنه إن لم يتم تأمين قطيع أمات ستظهر مشكلة في صوص التربية في عام 2020.

 

تعويض النقص

وفيما يشكل نقص الجرارات أزمة تؤرق بال كل مزارع، طالب عدد من أعضاء اتحاد الفلاحين باستيراد جرارات مستعملة لتغطية النقص، فيما أوضح وزير الزراعة أنه يوجد 37 أف جرار نقص في سورية، مضيفاً: “يهمنا تأمين الجرار وكل ملحقاته، لذلك نشجع على إقامة وحدات إنتاجية لدراسة مختلف الظروف، وبناءً عليها يتم تأمين التجهيزات الزراعية”، غير أن رئيس الحكومة استبعد فكرة الاستيراد بناءً على تجارب سابقة لم تحظُ بالنتيجة المطلوبة، مؤكداً أن التركيز منصب على إعادة إقلاع معمل الجرارات في حلب.