“القضية الفلسطينية في الدراسات الاستشراقية” في ندوة
نظّمت مؤسسة القدس الدولية -سورية محاضرة بعنوان “القضية الفلسطينية في الدراسات الاستشراقية” في المركز الثقافي في أبي رمانة بدمشق. إذ انحرف مسار الاستشراق للقضايا التي تدعم فكرة الاستعمار العام، ومهّدت هذه الدراسات الاستشراقية للقضية الفلسطينية وحدوث الولادة الإسرائيلية، أما كيف ومتى ولماذا حدثت هذه الولادة وهذا المخاض، فهذا ما تحدث عنه د. سفير الجراد عضو مجلس إدارة المؤسسة في محاضرته قائلاً: الاستشراق له مدارس عدة، من أبرزها وأقدمها المدرسة الألمانية، فكان لعلماء الاستشراق الألمان تخصّص دقيق في قضايا الشرق الأوسط، تأتي بعدها المدرسة البريطانية والتي تعتبر من المدارس القوية والعميقة، لأن الميزانية التي رُصدت لهذه الدراسات الاستشراقية البحثية عام 1850 تعادل ميزانية الدول العربية كاملة، ثم المدرسة الأميركية والتي لديها أهداف توسعية استعمارية، تليها المدرسة الفرنسية التي لديها علماء استشراق أثروا الحركة الصهيونية بشكل كبير.
تعتبر الدراسات الاستشراقية المادة العملية التوثيقية التي تقدّم من وجهة استعمارية معينة لتبرّر لها الوجود الاستعماري، ويقدّم الباحث دليلاً على ذلك اقتباساً من مستشرقة يهودية وضعت كتاباً بعنوان “الدراسات الاستشراقية وعلم الآثار في فلسطين” تقول بأنه قد طُلب من علماء الاستشراق والبحث العلمي وضع آلية لربط التاريخ اليهودي القديم مع التاريخ المعاصر، وهذا ما يؤكد المراد الحقيقي لعلماء الاستشراق، وبالتالي “إسرائيل” لم تولد من حالة عبثية بل من حالة بحثية، إذ كان لديها شقان اثنان في أبحاثها العلمية، الشق الأول هو الطعن بوجود سكان حقيقيين في فلسطين وبأحقية وجود العرب كسكان، ووجود مدنية وحضارة في تلك المنطقة، والشق الثاني إيجاد الأدلة العملية البحثية لتأكيد تلك المزاعم.
ومن الثوابت المعرفية التي توحّد فيها علماء الاستشراق تجاه القضية الفلسطينية اعتبارهم الأسفار والتوراة التلمودية هي المرجع التاريخي والقيمي الذي ينطلقون منه في البحث العلمي لدعم ما فيها من أفكار لتحقيق الغايات المعرفية التي يريدونها.
وسائل الدعم
هناك عدة عوامل ساعدت هذه الدراسات الاستشراقية على الانتشار تحدث عنها الباحث بالقول: يُعقد لعلماء الاستشراق المعنيين بالشأن الفلسطيني اجتماع دوري كل أربع سنوات، هذا الاجتماع تخرجُ عنه مجلة دورية عالمية تصدرها إيطاليا. ومن جانب آخر يترافق مع كل بحث علمي كمّ هائل من الأبواق الإعلامية، فالقوة الإعلامية، التي يمتلكها الكيان الصهيوني والدول الغربية،كفيلة بنشر هذا البحث ودعمه، إضافة إلى الدعم الصهيوني من خلال ولادة السينما العالمية الداعمة للحركة، ففي عام 1923 ظهر فيلم بعنوان “الحياة في بيوت فلسطين” يصوّر حياة الفلسطينيين على أنها عبارة عن خيم وأكواخ وبعض الرعاة والغنم، واستطاع بعض المدرّسين اليهود أن يوجدوا الحالة المدنية هناك، وبعده جاء فيلم آخر اسمه “آخر العمالقة” والذي يتحدث عن آخر أنبياء بني “إسرائيل”، مأخوذ عن رواية عالمية تتحدث عن وجود سليمان وداود في تلك المنطقة، وكيف أن حكمهم أسس لولادات آخر الزمان تأتي بعمالقة، أي ولادة مؤسّس الحركة الصهيونية هرتزل.
وأضاف المحاضر: كان علماء الاستشراق يمتلكون رسماً ميدانياً بحقيقة التوزّع السكاني والتفكير العقدي في المنطقة، كانت لديهم براعة كبيرة في تأليف أفكار وتدوينها في محطات إعلامية كبيرة، سواء أكانت أفلاماً أم روايات أو مقالات أو أبحاث.. وغيرها، كانت هناك منظمة عالمية صهيونية هي “جلعاد” والتي رأت أن تأثيرها سيكون موجهاً للغرب فقط، فلماذا لا يتمّ جعل علماء عرب يتحدثون في الشأن الاستشراقي، هذه الفكرة خرجت إلى النور من خمسين سنة واستطاعت “جلعاد” أن تشتري أقلام عدد كبير من العرب كانت مهمتهم الترويج للأفكار الاستشراقية وتبنيها وجعلها أطروحات في الجامعات العربية، ومن هؤلاء الكتّاب الكويتي “عبد الله النفيسي” صاحب فكرة أنه لا نستطيع القول عن الحركة الصهيونية بأنها حركة إلغائية إقصائية بقدر ما نستطيع القول إن لديها حالة من حالات التبني المعرفي والتعايش السكاني في المنطقة، وكتبها في مقال بجريدة السياسة الكويتية في عام 1976 رداً على حرب تشرين التحريرية، من قطر هناك أيضاً سلسلة من الكتّاب وصولاً إلى السعودية التي تعتبر باكورة التطبيع مع “إسرائيل”.
وأنهى د. سفير حديثه عن الاستشراق بأنه حالة استباقية، فالمستشرق مهمّته الكشف والرصد، وبالتالي إعطاء مادة سريعة للسياسي أو العسكري للاحتلال أو للترويج لمفاهيمه، ومن خلال هذه الدراسات استطاع بحرفية عالية أن يوجد للكيان الصهيوني أدلة توثيقية تاريخية في أحقية وجوده في فلسطين، واستطاعت الدراسات الاستشراقية أن تخترق المدونات والجامعات العربية من خلال رسائل الماجستير والدكتوراه التي تعطي أداة توثيقية للكيان.
عُلا أحمد