الانتخابات الأمريكية 2020.. تقلّبات متسارعة وعنف يلوح في الأفق
البعث-تقارير:
مع خوض الرئيس الأميركي دونالد ترامب معركته الانتخابية لولاية ثانية، كان المتوقّع دائماً أن تكون انتخابات الرئاسة الأميركية مثيرة وحافلة بالأحداث، لكن أحداً لم يتنبأ بجائحة عالمية تقلب جميع جوانب الحملة رأساً على عقب.
في بداية العام كانت الأوضاع تبدو طبيعية بالنسبة للرئيس الجمهوري. ففي مجلس الشيوخ انتهت محاكمة ترامب في قضية العزل، وبفضل سيطرة حزبه على مجلس الشيوخ، بتبرئته من تهمتين نسبهما إليه الديمقراطيون. وكان الاقتصاد يبدي علامات قوة، وبدت بوادر إعادة انتخابه قوية نسبياً، لكن حتى في الوقت الذي بدت فيه الأوضاع وردية بشكل أكبر بالنسبة للرئيس بدأت تنتشر حالات كوفيد 19 في كاليفورنيا وباسيفيك نورثويست، وهي منطقة في شمال غرب الولايات المتحدة.
انقلاب لصالح بايدن
وفي شباط بدا أن بايدن يكسب الانتخابات التمهيدية في ساوث كارولاينا، بعد نتائج غير مرضية في المجمع الانتخابي في ولاية أيوا والانتخابات التمهيدية في ولاية نيو هامبشير، أوحت بأن فرصه في الانتخابات الرئاسية قد انتهت، لكن مساعديه في الحملة الانتخابية أكدوا أن الأوضاع ستنقلب بمجرد بدء تصويت الأميركيين من أصل أفريقي بأعداد كبيرة، وكانوا على حق.
وحقق بايدن المفاجأة في ساوث كارولاينا مما جعل عدة منافسين يخرجون من السباق على الفور، وجعل المسرح يتهيأ لسباق مذهل حقق لبايدن ترشيح الحزب الديمقراطي في غضون أسابيع، وربما يثبت بايدن أنه الديمقراطي المؤهّل أكثر من غيره لاجتذاب الناخبين المعتدلين من ترامب في الغرب الأوسط وغيره.
كورونا يهيمن على الانتخابات
وبعد أسابيع من التهوين من شأن خطر فيروس كورونا، ومع تسجيل إصابات كورونا قفزة في البلاد، وجّه ترامب في آذار خطاباً نادراً من البيت الأبيض في محاولة لطمأنة الجماهير الغاضبة. وبعد يومين أعلن حالة الطوارئ على المستوى العام. وغيّر الفيروس الحياة الأميركية بإغلاق المدارس والأعمال والمطاعم وحبس ملايين الأميركيين في البيوت. وصار الفيروس الموضوع المهيمن على انتخابات 2020. وأيضاً جعل الفيروس ترامب وبايدن بشكل أكبر يغيبان عن سير الحملة شهوراً.
ساندرز يعزّز فرص بايدن
مع الشلل الذي أصاب الولايات المتحدة في نيسان بسبب فيروس كورونا صار بيرني ساندرز المنافس الأخير لبايدن الذي يخرج من سباق ترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة. وأيد ساندرز انتخاب بايدن بعد أيام قلائل، مما ضمن أن الحزب لن يضربه الانقسام، مثلما حدث قبل أربع سنوات عندما رفض السناتور ساندرز التسليم بالهزيمة أمام هيلاري كلينتون إلى أن عُقد المؤتمر العام للحزب.
وسمحت خطوة ساندرز لبايدن بأن يركز اهتمامه تحديداً على الانتخابات العامة قبل قرابة سبعة أشهر من إجرائها. وعمل بايدن على جعل أنصار ساندرز يشعرون بأنهم يلقون الترحاب في الحزب، وشكل سلسلة من لجان العمل السياسي التي ضمت أصواتاً تقدمية موالية لساندرز.
ومع اقتراب حصيلة وفيات الجائحة من 50 ألفاً، اقترح ترامب في نيسان، وضمن اقتراحاته الغرائبية، حقن منظفات مثل بليتش في أجسام البشر لأنها يمكن أن تقضي على الفيروس. لكن خبراء الصحة العامة حذّروا المواطنين من أن فعل مثل هذا الشيء يسبب التسمم. وفي وقت لاحق زعم ترامب أنه كان يمزح!. وكان الغضب الشديد الناتج عن تصريحه سبباً في قراره بعد أيام إلغاء هذه المؤتمرات الصحفية بالكامل.
العنصرية تهوي بشعبية ترامب
كانت واشنطن واحدة من عدة مدن شهدت احتجاجات سلمية إلى حد كبير في أعقاب وفاة جورج فلويد في 25 أيار، بعد أن جثم شرطي أبيض بركبته على عنقه في مينيابوليس.
وفي أول حزيران ألقى ترامب خطاباً في البيت الأبيض تحدث خلاله عن “القانون والنظام” الذي سيستخدمه خلال بقية حملته الانتخابية، بينما أطلقت الشرطة وأفراد من قوات الحرس الوطني، مرتدين ملابس مكافحة الشغب، رذاذ الفلفل لإخراج المحتجين من حديقة أمام البيت الأبيض حتى يتمكّن ترامب من السير إلى كنيسة سان جون التاريخية والتقاط صورة وهو يحمل الكتاب المقدس.
وتحوّل هذا المشهد إلى صورة تطارد ترامب، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن الأميركيين يدعمون إلى حد كبير الاحتجاجات من أجل العدالة العرقية. وسرعان ما انخفضت نسبة تأييد ترامب إلى أدنى مستوى لها منذ سبعة أشهر.
وفي آب لم يكن اختيار بايدن السناتور كامالا هاريس من ولاية كاليفورنيا، التي كانت تنافس من أجل نيل ترشيح الحزب، مفاجأة، ورغم أنها كانت طوال الوقت الأقرب لذلك، فإنها سرعان ما أثبتت أنها الأقدر على تقديم كل ما يحتاجه بايدن، لتمنحه شريكاً متمرساً ولامعاً في الحملة الانتخابية، وحيوياً فيما يتعلق بالقاعدة الديمقراطية. كما أنها استخدمت براعتها في جمع الأموال لدعم بايدن لتصل المساهمات في حملته إلى مستويات عالية بمجرد إدراجها على بطاقته الانتخابية.
أغلبية محافظة لسنوات مقبلة
في 18 من أيلول توفيت القاضية روث بادر جينسبرج متأثرة بإصابتها بمرض السرطان قبل أقل من شهرين من انتخابات الثالث من تشرين الثاني. ولم يتردد ترامب في شغل منصبها في المحكمة العليا فرشح القاضية آمي كوني باريت إلى المحكمة لتحل محلها، وهو ما يجعله يضمن أغلبية محافظة لسنوات مقبلة.
وأعطت هذه الخطوة المحافظين سبباً للتعبير عن فرحتهم في عام كان يمثل تحدياً للرئيس، لكنها أيضاً حفّزت الديمقراطيين، وخصوصاً النساء، مما هيأ الفرصة بسهولة لحملة بايدن لإطلاق تحذيرات من التهديدات لقانون الرعاية الميسرة وحقوق الإجهاض.
المناظرة الأولى تصدم الأمريكيين
وفي مسعى لتعزيز فرصه دخل ترامب في مناظرته الأولى مع بايدن في 29 من أيلول بحثاً عن ساحة للاشتباك، وهو ما ارتد عليه، حيث قاطع ترامب مراراً بايدن والمنسق كريس والاس لدرجة أن الحدث برمته خرج عن نطاق السيطرة. كما هاجم ترامب عائلة بايدن.
وأظهرت استطلاعات الرأي، التي أجريت بعد ذلك، ومختصون بمتابعة المناظرة أن الناخبين، الذين لم يحسموا أمرهم بعد، شعروا بالصدمة من سلوكه.
وانسحب ترامب لاحقا من المناظرة الثانية بعد أن تم تحويلها إلى مناظرة عبر الإنترنت في أعقاب تشخيص إصابته بكوفيد-19، ثم تبنى لهجة أكثر تحفظاً في المواجهة النهائية مع بايدن في 22 تشرين الأول الجاري.
ترامب يتجاهل تدابير السلامة
وظل ترامب على مدى أسابيع يعقد مؤتمرات انتخابية، كان يتم خلالها تجاهل تدابير السلامة من انتشار فيروس كورونا إلى حد كبير، إلى أن ثبتت إصابته بداية تشرين الأول وعدد من مساعديه بمرض كوفيد-19، في البلد الأكثر تضرراً جراء الوباء في العالم.
وكان 18 تجمعاً انتخابياً أقامها ترامب، بحسب تقديرات اقتصاديين من جامعة ستانفورد نُشرت الخميس، قد تسبب بإصابة أكثر من ثلاثين ألف شخص بفيروس كورونا وبأكثر من 700 وفاة، استناداً إلى نموذج إحصائي.
وعلى عكس خصمه، يحترم بايدن بشدة القيود المفروضة والتدابير الوقائية، إلى درجة اتهامه من جانب فريق ترامب الذي يطرح تساؤلات حول صحته الجسدية والعقلية، بأنه “يختبئ في قبو منزله”!.
وأبقته فترة المرض والحجر الصحي القصيرة بعيداً عن مجريات الحملة الانتخابية لمدة عشرة أيام، ما يرجّح تعرض صورة ترامب لضرر الأكبر، ومع انتقاد غالبية الأميركيين لأسلوب تعامل ترامب مع الوباء، فإن تشخيص إصابته بالمرض جعل البيت الأبيض يبدو متعثراً ومنافقاً. وأكد البيت الأبيض أن الفيروس سيظل القضية المركزية للحملة قبل أسابيع فقط من يوم الانتخابات.
أعمال شغب قادمة
وفي مؤشر على التوتر السائد في كافة أنحاء البلاد مع اقتراب موعد الانتخابات، تحصّنت متاجر عدة في مدن أميركية مختلفة من بينها نيويورك والعاصمة واشنطن، خشية تحوّل تظاهرات إلى أعمال شغب. وفي حال حصول معركة محتدمة وتأخر صدور النتائج، يخشى البعض من خروج أنصار المرشحين إلى الشوارع للمطالبة بإلغاء فوز الخصم.
هذا وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ الشرطة الأميركية وأجهزة الأمن تستعد لأعمال عنف واضطرابات، قبيل الانتخابات المرتقبة، ناقلةً عن مسؤولين أميركيين أن الشرطة “تواجه مأزقاً”، ونقلت عن أحد مسؤولي الاستخبارات السابقين، قوله إن “الناس غاضبون، والبيئة الأميركية بيئة تهديدٍ ديناميكية ومعقدة وخطرة، وهو ما لم تشهده الولايات المتحدة من قبل”.
ويبدو أن مخاوف “نيويورك تايمز” واقعية، ففي مدينة غراهام بولاية نورث كارولاينا، هاجمت الشرطة ومؤيّدون للرئيس ترامب، تجمّعاً دعا إليه القس غريغوري درامرايت، وشارك فيه المئات من الأشخاص بالقرب من مركز للاقتراع.
أرقام قياسية في الإنفاق
السباق المحموم للوصول إلى البيت الأبيض حطّم أرقاماً قياسية في الإنفاق على الإعلانات السياسية، إذ تمّ إنفاق 6.6 مليار دولار من قبل المرشحين للرئاسة، أي أكثر بملياري دولار من المبلغ الذي أُنفق خلال المنافسة بين ترامب وكلينتون قبل أربع سنوات، بحسب دراسة أجراها مركز “ريسبونسيف بوليتيكس”.
وتفوّقت حملة بايدن من هذه الناحية إذ أغرقت الإذاعات في الولايات الرئيسية بالإعلانات السياسية. وتمّ بالمجمل إنفاق أكثر من 14 مليار دولار في الفترة التي سبقت انتخابات 3 تشرين الثاني، إذ تمّ تخصيص أكثر من 7 مليارات دولار من هذا المبلغ لانتخابات الكونغرس.