أحمد حاج أحمد.. الفن بين برجه العاجي والواقع
قليلون هم الذين كرّسوا جلّ وقتهم للنهوض بمواهب الشباب والأطفال ضمن رؤية واضحة مستندة إلى أسس نظرية ودراسات عميقة في هذا المضمار، مع تجربة تراكمت خلال سنوات من التفاعل والتواصل المباشر مع الأطفال، وأحمد حاج أحمد فنان مؤمن كل الإيمان بأن الأطفال موهوبون بالفطرة، ولكن علينا فقط أن نوظّف هذه العفوية والفطرة في اتجاهات صحيحة لخلق إبداع متناه من الدقة والفن، ومزيج من الخيال المثمر للأطفال.
فن الطفل
لطالما كانت للفن تعريفات مختلفة، وطرق متنوّعة للتعبير عنه، وقد وصف الفنان أحمد حاج أحمد الفن والفن السوري لقصص الأطفال خاصة بالقول: من خلال تجربتي، لفن الطفل عموماً خصائص عديدة أهمها أنه من ألطف اللغات الحوارية التي تنشأ مع الطفل، يصغي بشغف وانتباه، ويرد بعفوية من يجيد هذه اللغة، كما أنه الخطوة الأولى التي يغادر فيها بيئته المحدودة إلى عوالم بعيدة محببة واقعية أو خيالية، وهو الصديق الذي يمكن لأي طفل مرافقته والمضي معه إلى حيث يتجه، أما فن الطفل في سورية فأنظر إليه في الغالب على أنه رديف النص، ويكاد دوره ينحصر في التربية والتعلّم والإرشاد، وهناك قلة من الفنانين يسعون لتحقيق فن حقيقي يحيا فيه الطفل ولكن بخجل وخوف ظاهرين لعدم توفر مستلزمات ذلك.
عالم البهجة
بين الأبراج العاجية للفنان والمبدع والواقع هناك طرق ودروب، والفنان حاج أحمد يجد خصوصية عمله الفني وتجربته بينهما، حيث قال: فن الطفل هو عالم للبهجة والخيال والسمو من جهة، ومن جهة أخرى عالم للوضوح والشفافية والإبهار، يستمتع فيه الفنان قبل الطفل أحياناً، وهو في مكان شاهق أعلى من البرج قليلاً يتمنى كل فنان أن يدعو الأطفال إليه ويقاسموه المكان بكل رضى، وأنا حين أقوم بعمل للطفل أبحث في ثنايا النص لأحقق تلك المزايا قدر المستطاع، فلا أعتمد الظلال القوية، كما أظهر الوجوه بشكل جلي.
وعبر التعامل المباشر مع الطفل وتنمية مهاراته الإبداعية من خلال العمل اليدوي والرسم خصوصاً بدأت تجربة أحمد حاج أحمد، وعن السير في هذا الطريق تحدث: هذا موضوع يطول شرحه، فهي تجربة تمتد على خمسة عشر عاماً، ولكن يمكن الإيجاز، فهي تعتمد مبدأ وجود إمكانات غافية لدى كل طفل دون استثناء، وبطبيعة الحال أغلبها فردية، وهي التي تميز شخصيته، ولكن نظراً للواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه ومكانته الحقيقية فيه، فإن ما يظهر من هذه الإمكانات عادة هو نتيجة مجمل الظروف التي يمر بها الطفل ويتفاعل معها، إذ يعتمد ظهور إمكانات كل فرد على مبدأ الاحتمال والمصادفة والتماثل الاجتماعي، ومن هنا تكمن صعوبة الإبداع التي تعتمد مبدأ الخصوصية الفردية، وبناء على هذا المبدأ كان لابد من وجود نشاطات تدريبية ترافق مراحله الدراسية كلها من الروضة وحتى نهاية المرحلة الجامعية كون هذه الفترة تعتبر فترة تعلّم واكتساب لحين الوصول لمرحلة تحمّل المسؤولية الحقيقية، بحيث يكون مستعداً لها بحسب إمكاناته الخاصة.
وأضاف الفنان حاج أحمد: قمت بصياغة برنامج تدريبي لجميع المراحل السابقة بناء على وقائع ميدانية تمت ملاحظتها في جميع المحافظات بين عامي 2006-2009، وبدأت تطبيق الصيغة التجريبية اعتباراً من عام 2010 حتى الآن، وكانت الاستجابة مرضية لمبدأ التدرب الذاتي، وهو نشاط نادراً ما يخضع له الطفل أثناء مرحلة الدراسة، واكتسب معظم المشاركين مهارات لم تكن موجودة لديهم، ولم تكن لهم رغبة فيها بسرعة مع إمكانية لتحقيق مهارات فائقة، وهذا الجانب السهل الذي يمكن تحقيقه بسهولة، أما الجانب الأهم فهو الجانب المتعلق بالإبهار والإبداع، وهذا ما أعمل عليه حالياً، لكن المسألة لا تتم ببساطة، فالتجربة تحتاج لرعاية واهتمام من قبل الجهات ذات الصلة، ولتفرغ كامل لهذه المسألة للوصول للتطبيق النهائي للتدريبات، وهذا ما يصعب تحقيقه في الوقت الحالي.
تجربة “أسامة“
وعن اللوحة الطفلية السورية، وتجربته الجميلة مع مجلة “أسامة”، والمنشورات في وزارة الثقافة، أجاب حاج أحمد: لولا الظروف القاسية التي مر بها بلدنا لكانت التجربة أجمل وأبهى، وما أتاحته المجلة والمنشورات من مساحات لكل الراغبين في تأسيس فن للطفل كان يمكن أن ينقل فن الطفل السوري لأماكن جد قصية، والفرصة لاتزال متاحة لكل من يعشق هذا الفن، وأدعو الجميع من هذا المنبر للاستفادة والمشاركة لإغناء التجربة والتمتع بها، هذا الجانب المشرق من المسألة، أما الجانب التقييمي، فإن ما تتيحه المجلة والمنشورات يجب تعزيزه باستراتيجية تطوير وإغناء لتحقيق ريادة في هذا الفن عربياً على الأقل، وهي فرصة قريبة يمكن تحقيقها بسهولة، وسهولة بالغة أيضاً.
أحلام مستقبلية
وللفن عموماً هواجس وأحلام ورؤى، وعن الواقع والأحلام والحلول المنشودة لتطوير هذا الفن قال الفنان: الواقع هو قطعة الماضي الذي لم تبق منه إلا آثاره، لذا يصعب تحييده، أو القفز من فوقه، أو التمرد عليه لوجوده على حافة المستقبل الذي هو العمل الصائب الذي يجب الإنجاز فيه، وهو الواقع الذي ينتظر الجميع، وعلى الجميع المشاركة فيه دون مواربة واعتماد التبرير، فالطفل هو المستقبل، وفن الطفل هو من يمكن أن يرافقه في مرحلته الحساسة، واعتماد هذه المرحلة من قبل الجميع لأنها الأهم، بمعنى أننا نعمل على فكرة المستقبل بشكل جدي وواع، ولكن ما يحدث هو منح المزيد من الشعارات والتبريرات والشكلية فيما يخص مسألة الطفولة، ومؤشرات الواقع تقر النتائج، ويمكن احتضان الطفولة “المستقبل” بطرق أجدى، وهناك حلول مجدية حتى لكل طفل ليكون هو، كما يجب الوقوف بجرأة واعتقاد راسخ أننا سنعمل.
جُمان بركات