ثقافةصحيفة البعث

هانا وباربيرا.. توم وجيري أيقونة البرامج الكرتونية

الجميع عرفوا نابليون بونابرت وأدولف هتلر وستالين وموسوليني، لكن النزر اليسير فقط يعرفون ويليام هانا وجوزيف باربيرا، الرجلان اللذان قدّما لنا أروع أفلام الكرتون ومن رواد عالم الرسوم المتحركة، وأدخلوا البهجة في نفوس الكثير منا ليصنعوا عالماً من السعادة والفرح في مشارق الأرض ومغاربها، فهؤلاء من قدّم لنا العديد من برامج الرسوم المتحركة مثل “الدب يوغي”، و”فلينستون”، و”سكوبي دو”، و”السنافر” والأهم “توم وجيري” سلسلة الأفلام الكوميدية القصيرة التي بدأ العمل بها منذ عام ١٩٤٠.

ولد هانا في ميلروز بولاية نيومكسيكو، وكان والده يعمل مفتش إنشاءات لخطوط السكك الحديدية، وكذلك شبكات المياه والصرف الصحي لجميع أنحاء المناطق الغربية من الولايات المتحدة، وهو الابن الثالث والصبي الوحيد بين ست أخوات.

في عام 1922 وأثناء إقامته في واتس بمدينة لوس أنجلوس، انضمَّ هانا إلى فريق الكشافة، دخل إلى مدرسة كومبتون الثانوية من عام 1925 حتى عام 1928، حيث كان يعزف على الساكسفون في فرقة الرقص، وقد ساعده حبّه للموسيقا خلال مسيرته المهنية في كتابة الأغاني لرسومه المتحركة، درس هانا الصحافة والهندسة الإنشائية في كلية كوميتون، ولكنه اضطر لترك الدراسة مع حلول أزمة الكساد الكبير.

وفي بداية عام 1931 عمل رساماً مع شركة إنتاج بالتعاون مع جوزيف باربيرا والذي أنشأ وإياه استديو أفلام باسم هانا- باربيرا، ونجحا نجاحاً باهراً من خلال الرسوم المتحركة توم وجيري. لقد حصل هانا وباربيرا على سبعة جوائز أكاديمية بحلول عام ١٩٥٨، وهم لم يتخطوا الـ١١٤ حلقة، جلّها يتمحور حول منافسة قط منزل وفأر، إضافة لشخصيات أخرى يعرفها الجميع، ينعدم الحوار تماماً بين تلك الشخصيات عدا الضحكات الصاخبة الشامتة أو الصراخ عند الألم، أما الموسيقا الرائعة التي شكلت جزءاً من ذاكرة الكثير منا فهي من إنتاج سكوت برادلي ومزيج بين الجاز والموسيقا الكلاسيكية والبوب.

فرصة للسلام

على مدار أكثر من سبعين عاماً والشاشات الكبيرة والصغيرة تعرض أفلام الرسوم المتحركة الشهيرة لمغامرات القط والفأر “توم وجيري”، أحبها الكبار قبل الصغار وتعلقوا بها بشدة، انتشرت انتشاراً بالغاً في جميع بلدان العالم، وصار الجميع ينتظرون المزيد من مغامراتهما بشغف، وفي خضم الصراع الدائر بين القط والفأر، لم يترك القائمون على هذا المسلسل الكرتوني الباب موصداً أمام السلام والصداقة بينهما، فكثير من الحلقات تنتهي بصلح وسلام بين الطرفين في رسالة موجهة للأطفال مفادها أن السلم والصلح هما أسياد الإنسانية رغم الخصام والعداء.

وكما يقال العلم في الصغر كالنقش على الحجر، يتطلب الطفل في المراحل الأولى من التعليم عناية جيدة وأساليب ابتكارية في التعليم. في الواقع، يعتاد الأطفال على أسئلة الوالدين عن كلّ شيء تقريباً حتى يصيبوهم بالصداع، وعادة أسئلتهم تبدأ بـ”لماذا؟”، وأسئلتهم هي الأكثر صعوبة للإجابة في العادة لأنهم شغوفون للتعلم أكثر من البالغين، وبالعودة إلى المسلسل الشهير “توم وجيري” الذي تمّت ترجمته لعدد كبير من اللغات في العالم فقد قدّم الثنائي مجموعة من القيم المميزة للطفل، استطاع الآباء الشعور بالاطمئنان تجاه متابعة أطفالهم لهما، وخاصة بعد اتهام البعض أن “توم أند جيري” من أكثر مسلسلات الكارتون مشاهدة على مرّ التاريخ، ولكن يحمل سلبيات ينقلها لأطفال العالم كل يوم، بالإضافة إلى أنه استطاع الإجابة عن العديد من أسئلة الأطفال الفضولية والكثيرة، فقد علّم الثنائي قيمة احترام الأشخاص الأكبر سناً، فبعد حضور صاحبة المنزل يصمت الجميع عن عبثه، وقيمة السعي الدائم للوصول وعدم اليأس من المحاولة، فمثلاً يحاول توم الإمساك بجيري دائماً، ومن يربح ليس من يمتلك القوة بل من يمتلك الحيلة والعقل والشجاعة وينجح جيري على الرغم من صغر حجمه مقارنة بتوم، ويعلّم عدم الفشل وتكرار المحاولة مرات ومرات للوصول للهدف في الأخير، ويعطي الطفل معلومة أن عدم النجاح في شيء ما ليس هو نهاية العالم.

فاز توم وجيري بسبع جوائز أوسكار، بينما رُشح هانا وباربيرا لجائزتين أخريين وفازا بثماني جوائز إيمي، أصبحت رسومهم الكرتونية أيقونات ثقافية، وظهرت شخصياتهم الكرتونية في وسائط أخرى مثل الأفلام والكتب والألعاب، استقطبت عروض هانا- باربيرا جمهوراً عالمياً بلغ أكثر من 300 مليون شخص في أوج الستينيات، وتمّت ترجمتها إلى أكثر من 28 لغة.

في النهاية يمكن القول: هانا وباربيرا شكراً لكل لحظة ضحك الأولاد الصغار والكبار على صراعات يومية مليئة بالطرفة والحنكة والذكاء فيها الرابح والخاسر الذين يتغيران في كلّ حلقة، وبالتأكيد سيبقى أيقونة الجمال الكرتوني في زمن أصبحت فيه البرامج الموجهة للأطفال مليئة بالحروب والأسلحة والدمار والقتال.