مجلة البعث الأسبوعية

أقل ما يقال .. حديث في الإعمار

“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
على اعتبار أن قطاع البناء والتشييد سيستحوذ – وفقاً للتوقعات وربما السيناريوهات الحكومية – على الحصة الأكبر من المشهد الكلي لإعادة الإعمار، فإن ذلك يستوجب وضعه تحت مجهر التحليل للوقوف على ما ينعم به من نقاط قوة، وما يعانيه من نقاط ضعف، وذلك لاعتماد معايير لضبط جهود وأولويات إعادة الإعمار قبل البدء بتنفيذ الخطط والاستراتيجيات المطروحة، ولكي يتم التحضير الجيد لتحسين مستوى جودة التنفيذ للمناطق والأحياء والمدن المتضررة قيد إعادة الإعمار، وذلك وفق جدول زمني واقعي محدد.
وبنظرة تحليلية سريعة لقطاع البناء والتشييد يتبين غناه بالكادر البشري الكبير الذي يعمل به، إضافة إلى توفر خبرات تقليدية عند العاملين به، وتوفر عدد من مكاتب الاستشارات والدراسات المختصة بالبناء والتشييد، ووجود شركات عقارية كبيرة (محلية وخارجية) تعمل بهذا القطاع، إلى جانب دخول القطاع الخاص للمشاركة في إنتاج بعض مواد البناء التي كان إنتاجها يقتصر على القطاع العام (كالإسمنت مثلاُ). وإذا ما أضيفت الفرص الدسمة والمتاحة للاستثمار في هذا القطاع إلى ما يتمتع به من مزايا آنفة الذكر، فسيكون الدافع أكبر لكثير من المستثمرين الطامحين للمطارح الاستثمارية الدسمة في مرحلة ما بعد الأزمة.
في المقابل تبرز عوائق عدة منها عدم وجود قواعد بيانات خاصة بهذا القطاع، وعدم وجود مراكز متخصصة ببحوث البناء والتشييد، وتقادم التقانات الموجودة في هذا القطاع، وعدم وجود مهارات عالية وضعف في تطور الخبرات المحلية وضعف ونقص في التشريعات والمعايير الناظمة لعملية البناء والتشييد، إلى جانب عدم توفر بعض مواد البناء وضعف الرقابة عليها، وضعف كفاءة نظام مراقبة الجودة لكافة مراحل حياة المشروع، وتقادم الآليات في شركات القطاع العام الإنشائي، وضعف تأهيل وتدريب الموارد البشرية للعاملين في البناء والتشيي، إضافة إلى ضعف انتشار ثقافة العمل الهندسي وأهميته في نجاح المشروع، وضعف التخطيط الإقليمي الشامل والمتوازن مما ينعكس على كفاءة المشروعات وملاءمتها، وانعدام ثقافة الصيانة، وعدم وجود نظام حديث لتنظيم أعمال صيانة المشروعات، والضعف الواضح للعمل الاستشاري الهندسي. والدمار الهائل في الأبنية والبنية التحتية من جراء الأزمة التي تتعرض لها سورية منذ عام 2011، إضافة إلى تدهور وضع العديد من الشركات الإنشائية ومعامل إنتاج مواد البناء.
ما يعني بالمحصلة ضرورة أن تتوصل الجهات الوصائية والمعنية عن الإعمار، وفي مقدمتها وزارة الأشغال العامة والإسكان، إلى إستراتيجية وطنية للإعادة الإعمار تأخذ بعين الاعتبار نقاط القوة والضعف الآنفة الذكر، بحيث تعزز الأولى وتقلل الثانية، وذلك من خلال القيام بدراسات حول الطرائق المثلى للاستفادة من الأنقاض (الفرز والتدوير وتقييم الآثار البيئية)، والتركيز على الأبحاث ذات الصلة بمجال تطوير واستعمال مواد وعناصر عازلة حرارياً، إضافة إلى تلك المتعلقة في مجال العناصر المسبقة الصنع وتطوير أساليب تنفيذها، وتقييم شركات القطاع العام والخاص من حيث قابلية الاستثمار، وتقييم الأسس المعتمدة في التخطيط الإقليمي واعتماد أسس حديثة متطورة، والتركيز على الأنماط السكنية في التشييد السريع وانعكاسها على النسيج العمراني والمخططات التنظيمية الحالية.
ولعل ما يجب التركيز عليه في هذا السياق هو السكن الجماعي، ما يستدعي بالضرورة العمل على اعتماد نماذج هذا النوع من السكن، إضافة إلى السكن المؤقت، لتساهم عمرانياً وتخطيطياً في حل الأزمة الحالية وأزمة السكن العشوائي، وتحديد أفضل الطرائق لترميم المباني المتصدعة أو المهدمة جزئياً، وإمكانية استخدام الهياكل المعدنية في البناء، إضافة إلى القيام بدراسات عاجلة لتطوير وتأهيل الشركات والمكاتب الاستشارية الهندسية، ودراسات لمقارنة ما بين شراء معامل أو تجهيزات حديثة لعمليات البناء والإعمار أو تحديث وتجهيز التقانات الموجودة حالياً.