مجلة البعث الأسبوعية

عقيلة وخولة وكنانة ثلاث أميرات للحكاية.. عزيمة نملة لا تملّ ولا تكلّ من المحاولة وأحلام “سنلاحقها حتى آخر مسافة”!!

“البعث الأسبوعية” ــ جُمان بركات

الأم ولّادة أمنيات طيبة وحب وعطاء، وفي سورية كل الأمهات يتقنّ فن العطاء والحب كغريزة في الجينات، ويتقنّ – بالإضافة لذلك – حرفة صناعة فرسان وأميرات للحكايات، حكايات النجاح والتألق في كل الميادين المهنية والفكرية والروحية.. في هذه الفسحة، سنتعرف على واحدة من تلك العظيمات، حيث استطاعت أن تصنع في منزل ريفي مليء بالسكينة ثلاث أميرات للحكاية، فكانت الأم بحق مدرسة قدوة، ربت لنا الثلاثي: عقيلة وخولة وكنانة محمد اللواتي كانت لنا معهن هذه الوقفة للحديث عن تجربتهن الغنية في مجال أدب وفن الطفل.

 

عالم السحر والخيال

تعلقت عقيلة محمد – كاتبة قصص أطفال – بسرد الحكايا، وصارت تقصها على مسامع أخوتها.. عن تجربتها تقول:

كانت أُميّ تُطرّزُ الحبّ شالاً تُحيطنا به، بينما أبي يقصُّ علينا الحكايا، ويحملنا إلى عالم الخيال والسحر والأسطورة، أحببتُ حكايا والدي وجدتي لوالدي، وحفظتُها عن ظهر حبّ مع قصص “المكتبة الخضراء”، وكل القصص التي كان يُحضرها أبي لنا؛ وما زالت عينا أمي وبريقهما يشعان أمامي عندما أنهي كتابة حكاية، كما فعلتا من قبل مع كل موضوع تعبيري كنت أكتبه كعلامة رضا وفخر؛ ومع تفتح برعم الموهبة لدينا، بدأ وحي الشعر يزور أختي خولة باكراً، وكانت كنانة ترسم مشاهد من تلك الحكايا على ورقها المقوى بالحب والتشجيع، فيجعلها أبي مع أمي لوحة فنية تزين حائط غرفتنا.

وتضيف عقيلة: تعلقتُ بسرد الحكايا، وصرتُ أقصها على مسامع أخوتي قبل النوم، وغالباً ما كانوا يغرقون في نوم هانئ قبل أن أنهي حكايتي، وهو ما أعطاني وقتاً للتفكير بها، وبالمعقول منها وغير المعقول، فأغير الأحداث، وأضيف شخصيات للحكاية، وفي كل مرّة أرويها بشكل مختلف.. وحدها أمي كانت تبقى مستيقظة متلهفة تنتظر نهاية حكايتي بابتسامتها الجميلة، إلى أن جاء يوم استثمرتُ موهبتي تلك بكتابة قصص للأطفال، بتشجيع من إخوتي وأمي التي حثتني على الكتابة، وشجعتني في كل خطوة على طريق الكتابة للطفل، فالتحقتُ بدورة كتابة القصة المصورة التي عرفتني بأساليب جديدة للكتابة الإبداعية للطفل.

بدأ شغفي في مرحلة متأخرة.. كان تكوين الأسرة، وإيصال صغاري إلى برِّ الأمان أغلى أولوياتي.. الآن، وبعد أن أتممتُ رسالتي نحوهم، أحاول ملاحقة أحلامي، واصطيادها حلماً تلو حلم، وأعتقد أنني سأفعلها وأصطادها جميعاً. وكم أحلم أن تُصبح كتابة قصص وبرامج الأطفال صناعة مهمة في سورية، وأن أرى رواية لي كفيلم لليافعين بصناعة سوريّة بحتة، وأضع صوتي على إحدى شخصياته.

 

حكايات جدتي

شدّت خولة محمد – كاتبة للأطفال وروائية – منذ طفولتها حكايات جدتها عن الجنية التي تسكن أسفل النهر، وراحت تداعب مخيلتها الطفولية الأولى ليتكون الشغف للحكايات مبكراً في روحها.. عن تجربتها في عالم الطفولة، قالت:

كنت أتخيلها، وأرسم لها تفاصيل وحياةً وأسباباً وأعذار، وكنت دائماً أغفو قبل انتهاء الحكاية، فأستيقظ في الصباح لأروي لجدتي مغامراتي مع الجنية؛ وكانت جدتي ذكية تتصنع تصديقي، وأرى في عينيها لمعة تشجعني على السرد، والذهاب أبعد في حكاياتي ومغامراتي.. وعلى عكس الجدات جميعهن، لم تروِ لي جدتي أبداً حكاية ليلى والذئب، وكانت كل قصصها عن نساء قويات صنعن حياتهن بأنفسهن، وكان لذلك بالغ الأثر في نفسي وشخصيتي الحكواتية والحقيقية؛ وإذا عدت للماضي البعيد، أستطيع القول أن ملهمتي الأولى هي جدتي بشخصيتها وذكائها وقدرتها على مجاراة أحلامي.

وأردفت خولة: عزز شخصيتي الحكواتية تشجيع والدي الذي أدرك موهبتي مبكراً، فراح ينتقي لي أجمل القصص.. يقرؤها لي، وأقرؤها بنفسي، بينما كانت أمي بابتسامتها تغمرني بكل الحنان والدفء والأمان اللازم لبناء حكايتي، فخرجت صلبة وقوية.. كانت أمي من أكثر الداعمين لي، ولتفردي، وتغريدي خارج السرب، بل كانت تحارب جنباً إلى جنب معي كي أحقق أهدافي، وأكون أنا، ولا أنسى أبداً حكاياتها عن طفولتها، وتعلقها بقريتها الجبلية، وروايتها تفاصيل طفولتها التي أثرت مخزوني الثقافي والروحي. وأنا الآن، وبعد منتصف العمر، أشعر بأن تلافيف دماغي تشبه الجحر الذي سقطت فيه “أليس”، فأنا دوماً أعيش تفاصيل طفولة أمي، وأتنقل بين “مطربانات” المربيات التي تصنعها بصبر وترو، وهي تسرد لي تفاصيل قريتها، وأشاهد الجنية ترقص وتغني وتسحبني للمغامرة.

في ذلك الجحر، ابتسامة أبي وسعاله المفتعل عندما أحرجه أنا، أو إحدى أخواتي بسؤال ما عن تفصيل في حكايته!!

 

الفنانة الطفلة

كانت كنانة محمد – فنانة تشكيلية ورسامة قصص أطفال – في الرابعة من عمرها عندما انتزعت صفحة من الدفتر، وملأتها بالحب والألوان، وألصقتها على الحائط الخشن.. عن تجربتها كفنانة، قالت:

بدأت اكتب الحروف التي تعلمتها حديثاً فوق السطر، وبين السطرين، وعلى الهامش، وأينما سقط قلمي الرصاص، وكم كان إحساس التعرج بالرصاص على السطح الخشن مهيباً بالنسبة لطفلة بهذا العمر!! يومها، أخذ والدي الورقة، وخبأها بين أوراقه، فأصبح لها قيمة كبيرة.. هكذا كانت البداية، ومنذ ذلك الوقت لم أتوقف عن الرسم بكافه أشكاله، ولم يتوقف دعم العائلة لي.

تضيف كنانة: الكتابة واحدة من الفنون التي نحارب بها البشاعة في هذا العالم؛ ولأن الطفل جمال الجمال وغايته، كان مشروعنا التوجه لعالمه، لنقدم له أدباً خاصاً به يحترم أحلامه، ويلبي طموحاته، ويثريه فكرياً وروحياً، ويحفزه على المغامرة والمثابرة والإبداع.

هل نواجه صعوبات في عملنا للطفل؟!

طبعاً نواجه صعوبات، فالحياة ليست أماً تعطي بلا مقابل، وفي كل عمل، وفي كل مكان، هناك صعوبات، لكننا – أنا وأخواتي كنانة وخولة – نملك عزيمة نملة، لا نملّ ولا نكلّ من المحاولة في تذليلها، كما أننا ننظر دائماً إلى النصف الممتلئ من الكأس، وسنلاحق أحلامنا حتى آخر المسافات.