براد.. يد الإجرام الأردوغانية مرّت من هنا
“البعث الأسبوعية” ــ معن الغادري
منذ القدم ازدهرت منطقة براد التاريخية والأثرية والتي تعني باللغة السريانية “البرد”، وتبعد حوالي أربعين كيلو متر عن مدينة حلب شمالاً وحوالي ستة كم من جبل سمعان، وتتميز بحضارة عريقة ما زالت ماثلة حتى الآن من خلال ما تبقى من أوابد وحجارة تدلل على الزمان والمكان، وعلى نهضة صناعية وتجارية وعمرانية تمثلت ببناء منظم ومتناسق ولافت للأحياء والبيوت الكبيرة (فيلات) المحاطة بالحدائق، بالإضافة إلى أمكنة خاصة للحمامات التي تعود إلى العصر الروماني، وهو ما دلت عليه المكتشفات الأثرية التي وثقتها البعثات الوطنية والأجنبية.
كما عرفت المنطقة بحركتها الصناعية والتجارية النشطة، وامتازت بتنوع أسواقها التجارية وحوانيتها وحرفها اليدوية، ووفرة معاصر الزيتون فيها، وتوزع مزارعها، ما يدل على أن المنطقة كانت تعتبر واحدة من أهم المراكز التجارية في تلك الحقبة.
واكتسبت هذه المنطقة أهمية استثنائية لغنى معالمها التاريخية والأثرية، ومنها كنيسة جوليانوس التي بنيت على أنقاض هيكل وثني يعود للقرن الثاني، والكنيسة الصغيرة التي تعود إلى العام 410 ميلادي، كما يوجد العديد من الأضرحة والحمامات وقساطل مياه الجر، وديران كبيران، وغيرها الكثير من الآثار والمكتشفات؛ وكذلك عثر فيها على مقر للحاكم البيزنطي لجبل سمعان، والذي يعود لعام 496 ميلادي كما تدل الكتابة اليونانية فيه.
بقيت المدينة عامرة ومزدهرة حتى القرن السابع، حيث بدأ سكانها بالهجرة منها تدريجياً، وذلك بسبب الحروب بين الفرس والبيزنطين، وذلك نتيجة وقوعها على الحدود بين الإمبراطوريتين. وقد اندثرت أخبارها منذ ذلك الوقت، ما دعا إلى إدراجها تحت قائمة “المدن المنسية”، أو “الميتة” – حسب ما أسماها البعض، وبقي موقع براد على هذا الوضع حتى العام 2002 ميلادي، عندما بدأت عمليات التنقيب فيه، واكتسب أهمية إضافية في العام 2004، عندما أثبتت أبرشية حلب المارونية وجود ضريح مار مارون الأول، شفيع الكنيسة المارونية في المنطقة، وأعلنتها منطقة حج للكنيسة المارونية، ومن ثم أدرجت على لائحة التراث العالمي في 27 كانون الثاني 2011، وأولتها الدولة السورية عناية واهتماما خاصاً من خلال تحسين الوقع الخدمي، وشق طريق سريع يربطها بمدينة حلب مباشرة، ورصف الطرق، وإقامة مجلس بلدية فيها تماشياً مع أهميتها، وتخصيص قطعة أرض كبيرة لبناء كنيسة فيها، وغيرها الكثير من الخدمات.
بقيت المدينة مقصداً للحجاج، وفي كل عام كان يؤمها أكثر من ستة ملايين زائر، إلى أن اندلعت الحرب الإرهابية ضد سورية، ووقعت المنطقة تحت سيطرة العصابات المسلحة المدعومة من الإرهابي أردوغان وجيشه المجرم، حيث قامت الطائرات التركية العثمانية الغازية بإستهداف موقع براد الأثري بصورة متعمدة، وتدمير الكثير من المباني الأثرية المهمة فيها، ومن ضمنها ضريح القديس مار مارون وكنيسة جوليانوس، وهما أهم أثرين تاريخيين في المنطقة، ويعودان للقرن الرابع ميلادي.
يذكر أن الرئيس اللبناني ميشيل عون زار على رأس وفد لبناني، في 12 حزيران 2008، منطقة براد، عندما كان رئيساً لتيار الإصلاح والتطوير، وشارك بقداس قرب قبر مار مارون.
وكان المجمع الماروني قد اعتمد رأي الأب باسكال كاستيلانا، رئيس طائفة اللاتين في القنية سابقاً، والمعزز بدراسات البعثات الأثرية والجيولوجية والتاريخية، لتحديد المواقع التاريخية التي عاش وترهب فيها شفيع الطائفة المارونية مار مارون، وأقر براد وكالوتة المجاورة مزارين مقدسين سيعاد تأهيلهما بعد التنسيق مع المسؤولين السوريين ليصبحا محجاً لأبناء الطائفة بعد تحرير كامل الريف الغربي من الإرهاب.