تحقيقاتصحيفة البعث

التعيين الوظيفي.. انتظار لإطلاق صافرة المسابقات بآليات جديدة

وجّه مجلس الوزراء جميع الوزارات لإيقاف مسابقات التعيين المعلن عنها أو قيد الإعلان، على أن يتمّ التنسيق مع وزارة التنمية الإدارية عند إجراء مسابقات التعيين قبل الإعلان عنها، وقد قوبل ذلك التوجيه بامتعاض كبير من قبل المتقدّمين للمسابقات المعلن عنها، أو أولئك الذين يجهزون أوراقهم الثبوتية للتقدّم للمسابقات قيد الإعلان، وهو حق مشروع لهم، فقد تكبّدوا تكاليف استخراج الأوراق الثبوتية وتكاليف وأعباء السفر للتقدم لتلك المسابقات في الأماكن المحدّدة لذلك، ومنهم من خضع لإجراءات تلك المسابقات، كالامتحان الكتابي المؤتمت أو المقابلات الشفوية أو الاختبارات العملية بالنسبة للفئات الثالثة والرابعة والخامسة.

تساؤلات؟
أدّى ذلك التوجيه إلى الكثير من التساؤلات حول الإعلان عن تلك المسابقات بناءً على شواغر الملاك العددي، وعن تلك المسابقات بعد اعتمادها من قبل الجهاز المركزي للرقابة المالية، وهل كان اعتمادها من قبل الجهاز خاطئاً أو غير صحيح، وإذا كانت وزارة التنمية الإدارية ستطعن بصحة إجراءات المسابقات والإعلان عنها نسأل: ألم يتمّ الإعلان عن تلك المسابقات وفق القوانين والأنظمة النافذة؟ ولماذا تمّ الإعلان عن تلك المسابقات إن لم تكن إجراءاتها صحيحة؟، من المؤكد أن تلك الأسئلة أسئلة مشروعة من وجهة نظر من يطرحها.

عن ماهية الإجراءات التي تسبق الإعلان عن المسابقة وصولاً للإعلان عنها؟ جاءت الأجوبة على لسان وزيرة التنمية الإدارية سلام السفاف بأنه وفق ما هو متّبع، تقوم كل جهة عامة بحصر الشواغر الوظيفية الموجودة لديها بناءً على ملاكها العددي، ويتضمن إعلان المسابقة الوظائف المطلوبة والفئة الوظيفية والمؤهل العلمي المطلوب لكل وظيفة، وفي كثير من الأحيان يتمّ الإعلان عن الفئة الوظيفية والمؤهل العلمي والعدد المطلوب من كل مؤهل علمي، لكن في حقيقة الأمر فإن هذه الطريقة غير صحيحة وتخفي خلفها الكثير من العيوب، ولو تمّ إجراء تحليل للقوى العاملة في تلك الجهة العامة ستظهر تلك العيوب (وهو ما لوحظ أثناء تنفيذ المشروع الوطني للإصلاح الإداري في ثلاث وزارات، ويتمّ ملاحظته حالياً في باقي الوزارات)، إذ لوحظ أن الشواغر الوظيفية غير دقيقة، ومعظم العاملين مكلفون بأعمال ووظائف غير الوظائف التي عيّنوا على أساسها، وبالتالي فإن تلك الوظائف التي عيّنوا عليها تكون مشغولة وفق الملاك العددي ووفق قرارات التعيين، والوظائف المكلفين بها ويقومون بتنفيذ مهامها تكون شاغرة!!.

أسس سليمة
عند إجراء مسابقة جديدة فإن الناجحين الجدد سينطبق عليهم الأمر نفسه، فمثلاً إعلان مسابقة تتضمن وظيفة معاون رئيس شعبة (وهي صفة التعيين للفئة الأولى كما كان دارجاً)، سيصدر قرار تعيين الناجح بصفة معاون رئيس شعبة، ولكن عند مباشرته ربما يكلّف بوظيفة رئيس ديوان أو رئيس شعبة. وبحسب السفاف، فوفق الملاك العددي ستكون وظيفة معاون رئيس شعبة مشغولة ووظيفة رئيس ديوان أو رئيس شعبة شاغرة، في حين أنه على أرض الواقع ستكون الوظيفة التي عُيّن على أساسها هي الشاغرة ووظيفة رئيس ديوان أو رئيس شعبة هي المشغولة، وكذلك الأمر لباقي وظائف الفئات الأدنى، حيث من الممكن أن يتضمّن إعلان الاختبار وظيفة حارس، في حين أنه وبعد تعيين الناجحين قد يكلف المتقدّم لوظيفة حارس بوظيفة مراسل أو سائق. ومن ناحية الإجراءات القانونية للمسابقة أو الاختبار فهي إجراءات صحيحة واعتمادها من قبل الجهاز المركزي للرقابة المالية صحيح، ولكن من حيث التطبيق على أرض الواقع فهي غير صحيحة ولم تبنَ على أسسٍ سليمة.

تصحيح العيوب
كذلك فإن إعلان المسابقة أو الاختبار بشكله الحالي لا يتضمن الوحدة التنظيمية التي سيعيّن فيها الناجح، ولا مهام الوظيفة وواجباتها ومتطلبات شغلها. إذ يرى مدير الموارد البشرية في وزارة التنمية الإدارية باسم حيدر أن هذا ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى استنكاف الكثير من الناجحين المقبولين للتعيين عن الالتحاق بالوظائف، أو تركهم للعمل بعد فترة قصيرة من التعيين واعتبارهم بحكم المستقيلين، وهذا ما لوحظ في كثير من الجهات العامة.

إذاً من ناحية الإجراءات فالمسابقات المعلن عنها سليمة، لكنها أدّت وتؤدي في معظم الحالات إما إلى بطالة مقنعة أو إلى تكليف المعيّنين من الناجحين بوظائف غير الوظائف التي تقدّموا لها، وهذا ما يقود إلى عدم تحقيق المسابقة للغاية التي أُعلنت لأجلها، وبقاء العجز بالقوى العاملة في تلك الجهات العامة، ولتصحيح تلك العيوب في المسابقات ونتائجها كان لا بدّ من اتخاذ قرار إيقاف المسابقات المعلن عنها أو قيد الإعلان لحين قيام تلك الجهات العامة ببناء تلك المسابقات على أسس إدارية سليمة، ومن ثم استكمال إجراءات تلك المسابقات المعلن عنها، وأن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً.

حقوق المتقدم
إن الاستمرار بالنهج الحالي في إجراء المسابقات لن يؤدي إلى تحقيق الغايات المرجوة منها، بل سيزيد الخلل في إدارة الموارد البشرية في الجهات العامة، ويتابع حيدر: لا بدّ من أن يكون إعلان المسابقة مبنياً على أسس ثابتة ومتينة، وأن تكون الشواغر المعلن عنها موصفة بدقة، وناتجة عن تحليل دقيق للملاك العددي للجهة العامة وتحليل عبء العمل بطريقة علمية صحيحة، وصولاً لتقدير الاحتياج الفعلي والدقيق للعمالة المطلوبة، كما يجب أن تكون المسابقة مبنية على إعلان بطاقات وصف وظيفي للوظائف المعلن عنها، بحيث تتضمن بطاقة الوصف الوظيفي: اسم الوظيفة (اسم مركز العمل) والوحدة التنظيمية التي تتبع لها الوظيفة والمسمّى الوظيفي للرئيس المباشر، إضافة إلى المؤهل العلمي أو المهني المطلوب ومهام الوظيفة وواجباتها ومسؤولياتها، وبذلك فإنّ إجراء المسابقات والاختبارات وفق هذا النهج الجديد يحقّق الغاية المرجوة منها ويضمن حقوق المتقدم لها، من حيث معرفته المسبقة قبل التقدم لها، ماهي الوظيفة التي سيشغلها في حال نجاحه، وماهي متطلبات شغلها، وما هي مهامها، وأين تقع في هرم الوظائف في الجهة العامة، وبأي وحدة تنظيمية فيها، وبذلك تكون المسابقة أكثر عدالة بالنسبة للمتقدم وأكثر فائدة للجهة العامة، وتتماشى مع الأسس الإدارية السليمة.

سد الاحتياجات
كلّ ما سبق لا يتعارض مع إجراءات وأصول التعيين في الجهات العامة النافذ حالياً، ويرى حيدر أن ذلك يتطلّب توضيح تلك الإجراءات، وهو ما يتمّ العمل عليه حالياً بمراجعة القرارات الناظمة لذلك، وتوضيح الآلية الجديدة بدقة في تلك القرارات وحلّ إشكالية فائض الناجحين في المسابقات والاختبارات. ويبيّن حيدر أن ما تمّ من إصدار قرار بإيقاف المسابقات المعلن عنها أو قيد الإعلان، وإن كان يراه البعض إجحافاً بحق المتقدمين لتلك المسابقات، فإنه في حقيقة الأمر إجراء لا بد منه لكي يحقّق العدالة للمتقدمين والناجحين، وحتى تحقّق تلك المسابقات غاياتها في سدّ الاحتياجات من القوى العاملة. ويتابع: إن فكرة الخروج من مشكلة البطالة تبدو أكثر تعقيداً مع دخول سورية قانون العقوبات الاقتصادية وآثار الحرب عليها، ناهيك عن حالة التراجع الإداري واستمرار البيروقراطية في أجهزتها، وعلى الرغم من أن التكافل والتعاون والتضامن تبقى أفكاراً نظرية أو مجرد حبر على ورق في خطابات تنظيرية، لابد من التساؤل إذا كان بعضها قد تمّ تطبيقه، حيث إن مجموعة الأخبار المتناقلة بطريقة شعبوية هنا وهناك عن فساد المؤسّسة الحكومية، واستفادة المسؤولين من مناصبهم، تدفع العامة للتخلي عن كافة المسؤوليات والقناعات وترك المجال للتراخي وعدم النهوض بالمسؤوليات، ولابد من التأكيد على أن المشروع الوطني للإصلاح الإداري يؤمّن الكوادر العاملة في كافة مفاصل الجهات العامة، وذلك إيماناً منه بضرورة التغيير، لتتصدّر الكفاءات وإيجاد القادرين على التغيير في المواقع القيادية. كما يبيّن حيدر أن قرار إيقاف المسابقات لا يزال ساري المفعول ريثما تتمّ إعادة تنظيم المسابقات وفق أسس ومعايير جديدة تكفل الاستثمار الأمثل للموارد البشرية في ظل الواقع الراهن والتغلّب على الخلل الحاصل في إجراء المسابقات.

استمرار العجز
وفي هذا السياق وبالتوازي مع البرامج التنفيذية للمشروع الوطني للإصلاح الإداري، ووفق ما هو متّبع، تقوم كل جهة عامة بحصر الشواغر الوظيفية الموجودة لديها بناءً على ملاكها العددي، حيث يتضمن إعلان المسابقة الوظائف المطلوبة والفئة الوظيفية والمؤهل العلمي لكل وظيفة، وهي طريقة تبدو صحيحة -بحسب حيدر- لكن في حقيقة الأمر فإن هذه الطريقة غير صحيحة وتخفي خلفها الكثير من العيوب، أما من ناحية الإجراءات فالمسابقات المعلن عنها سليمة، لكنها أدّت وتؤدي في معظم الحالات إما إلى بطالة مقنعة أو إلى تكليف المعيّنين من الناجحين بوظائف غير الوظائف التي تقدّموا لها، وهذا ما يقود إلى عدم تحقيق المسابقة للغاية التي أُعلنت لأجلها، واستمرار العجز في القوى العاملة بتلك الجهات العامة، فالشواغر الوظيفية الكمية المعلن عنها ضمن المسابقات للجهات العامة، لا تستند إلى بطاقات وصف وظيفي دقيقة ومحدّدة، إضافة إلى غياب الوحدة التنظيمية والمسمّى الوظيفي الدقيق لمن سيشغل الوظيفة، كما أن هذه الشواغر غير مبنية على تحليل عبء العمل وتحديد الاحتياج الفعلي لأداء المهام.
أخيراً..
ستفرز هذه المسابقات فائضاً بأسماء الناجحين، وهذا يشكّل عبئاً يصعب حمله، لكن يتمّ التعامل مع العمالة الفائضة عبر إعادة توزيعها وفق معايير واضحة ودقيقة، تضعها وزارة التنمية الإدارية بالتنسيق مع الجهات العامة المعنية، ولهذا كان لابد من صدور قرار بإيقاف المسابقات والتنسيق مع وزارة التنمية الإدارية قبل الإعلان عن أية مسابقة، لتجنّب مشكلة الفائض.

ميادة حسن