الثقافة المقاومة في مواجهة الاحتلال
تمر أمتنا العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي بمخاض خطير نتيجة الاحتلال الأمريكي- الصهيوني- التركي لوطننا العربي، فما أحوج أمتنا إلى الفعل المقاوم، إذ تكالبت علينا هذه القوى الشريرة، ونعيش اليوم فترة أخطر وأحلك مخططات استغلال خيرات الشعوب والمنطقة، حيث نواجه اليوم ظروف إقصاء فعلي لأمة وحضارة باسم التقدم والتحضّر وحتى باسم الأخلاق.
أصبحت الأمور واضحة في ذهن الإنسان العربي منذ أن دخلت أمتنا العربية في المواجهة الصريحة مع الإمبريالية وربيبتها الكيان الإسرائيلي اللقيط، فالعدو الصهيوني- الإمبريالي ما عاد يقف عند حدود الهجمات العسكرية والعدوان المسلّح وإقامة القواعد في عمق الوطن العربي للحفاظ على أمنه، ولكنه سيعمل على الإجهاض على كيان الأمة الحضاري والمقومات الثقافية لأن هذا الإجهاض هو بالفعل التدمير الحقيقي للأمة والقضاء الحاسم على وجودها.
لقد سنّت الإمبريالية أسلوباً من إفراغ الثقافات من مضمونها وإفقادها هويتها وشخصيتها الحضارية عن طريق تركيز (النموذج الصناعي التكنولوجي) لترغم الشعوب على أن تكون تابعة لا مبدعة في الفكر والصناعة والاقتصاد وأساليب العمل، وهكذا عملت الصهيونية -كما تقول جميع نصوصها ومواثيقها- على أن تكون فلسطين السليبة حقل تجارب لهذه الهمجية الشرسة بعمل منسق محبوك يربط بين احتلال الأرض وتشريد الشعب وطمس الشخصية الثقافية، حتى بلغ الأمر في آخر تقليعة للفكر الصهيوني حد اعتبار استمرار أي ملمح ثقافي عربي، هو عرقلة في وجه المخطط الصهيوني لإنهاء الوجود العربي داخل الأرض المحتلة، حيث في العقل الصهيوني ترسخت فكرة واحدة، وهي أن حرب الأسلحة وحدها لا تكفي للإجهاز على ما تبقى من العرب في فلسطين، حتى باتت الحرب هي اختراق ضمير الإنسان لينسلخ من لغته وسوكه وتقاليده، ويندمج في نموذج ثقافي هم يصنعوه، تسلك الصهيونية في ذلك منهجاً دقيقاً يبدأ بتركيز عقد النقص والإحباطات وتعزيز الأمية بأنواعها، وقمع المؤسسات التي من شأنها تعميم الوعي (المدارس، الجامعات، الصحافة، الطاقات، المواهب، العلماء، المبدعون)، ومنع هذه الطاقات المبدعة من كل عمل إبداعي يذكي الحماس في الناس ويقوي ضمائرهم.
أي يريد الكيان الإسرائيلي، ومن ورائه أمريكا وبعض عرب الجنسية، أن يموت الشعر وتنقرض القصة، ويتوقف البحث العلمي، وأخيراً وهي النتيجة الحتمية للمشروع الصهيوني هو استسلام الإرادة العربية للإرادة الصهيونية.
ما يجري في فلسطين المحتلة وبعض الدول العربية المهرولة نحو الكيان الصهيوني من ضعف الإنسان العربي وتعزيز الازدواجيات وتوسيع دائرة التبعية الثقافية وانتشار النموذج الاستهلاكي وتشويه الماضي وتحريف التطلعات وبث الميوعة في جماليتنا وملابسنا وسلوكياتنا، يتسرب إلى أنفسنا شك في أننا أمة تعاني خطر الاندثار.
د. رحيم هادي الشمخي
كاتب عراقي