دراساتصحيفة البعث

حرب المعلومات والسقوط في الفخ نفسه!

سمر سامي السمارة

أصبحت حرب المعلومات، بعد النتائج الكارثيّة للتدخلات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها المقربين من دول أوروبا الغربية، في أفغانستان وليبيا والعراق وسورية، واحدة من أهم الأدوات الرئيسيّة التي يستخدمها الغرب، إذ أصبحت المعلومات الدعائية الهادفة نوعاً من العمليات القتالية التي تشكّل الأداة الرئيسيّة لإحداث التأثير.

في السنوات الأخيرة كان استخدام هذه الأساليب، أي حرب المعلومات التي تنتهجها الولايات المتحدة وبريطانيا، ملحوظاً بصورة خاصة في سورية من خلال بثّ المعلومات المضلّلة عن الأوضاع الميدانية على الأرض بهدف بثّ الفوضى، لكن كل ذلك لم يسفر عن النتائج التي خطّطت لها واشنطن ولندن طوال سنوات عديدة.

وليس واشنطن ولندن وحدهما من قام ببثّ المعلومات الكاذبة، فقد قدّمت ألمانيا دعمها “السباق بالتناوب”، من خلال زجّها الحثيث لوسائل إعلامها التي تتلقى تمويلها من الولايات المتحدة، في هاوية الدعاية المزيفة التي تبرّر سياسة واشنطن العسكرية في الشرق الأوسط، وهو ما تبلور بالفعل بشكل كبير قُبيل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

كانت صحيفة “زود دويتشه تسايتونج” الألمانية واحدة من هذه الأبواق التي روّجت “للأخبار المزيفة”، من خلال إعادة نشر هذا النوع من “المعلومات” المضلّلة، وخاصة ما يخصّ الملف الكيميائي، معتمدةً في معلوماتها على ما يُسمّى منظمة “مبادرة العدالة لمنظمة المجتمع المفتوح”، على أنها مصادر المعلومات الأساسية. لكن في الواقع، تعدّ هذه المنظمة واحدة من الفروع الرئيسية لما يسمى “مؤسسة سوروس أو مؤسسات المجتمع المفتوح” والتي فقدت مصداقيتها بسبب دعايتها المزيّفة المدفوعة الأجر. إضافة إلى ذلك، لم تكلّف الصحيفة الألمانية نفسها حتى عناء الاطلاع على عملية تدمير الأسلحة الكيماوية في سورية، وهو الأمر الذي تمّ تنفيذه بالتعاون الوثيق مع الدول المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة، وتحت رقابة دولية صارمة للغاية،  بدلاً من نشر مواد ملفّقة لأتباع سوروس!، ما يعني أن المطبوعة الألمانية تجاهلت، بعد نشر مقال مدفوع الثمن، دعوة الولايات المتحدة نفسها للتركيز على تدمير الأسلحة الكيماوية، بدلاً من اتهام سورية بعدم التخلّص نهائياً من أسلحتها الكيماوية.

عند إعداد “روايتها”، لم تطلع الصحيفة الألمانية على التحقيق الصحفي المفصّل الذي نشره الموقع الأمريكي “ذا غريه زون” عن العمل الدعائي الكاذب الذي نفّذته الشركات الغربيّة ووسائل الإعلام لتشويه صورة الحكومة السورية. كان هذا إهمالاً واضحاً من جانب المنشور الألماني، إذ أظهر هذا التحقيق بالتفصيل كيف أصبح  الرأي العام الغربي والعربي هدفاً للتلاعب من قبل وسائل الإعلام على حساب دافعي الضرائب في بريطانيا، والاتحاد الأوروبي، ودول النفط، والولايات المتحدة، من قبل العديد من المنظمات الغربيّة التي استخدمت هذه الأموال، لتدريب المراسلين لاستخدامهم في هذه الاستفزازات الدعائية.

التزمت الصحيفة الألمانية “زود دويتشه تسايتونج” الصمت، لكن منشور موقع “ذا غريه زون” كشف للمجتمع الدولي عن سبب عدم سماح الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا وحلفائهم للمدير العام السابق لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية “خوسيه موريسيو دي فيغيريدو بوستاني” بإخبار مجلس الأمن الدولي عن التستّر على النتائج الحقيقية للتحقيق في مزاعم “الهجوم بالأسلحة الكيماوية” على مدينة دوما في العام 2018، والذي أصبح واحداً من أهم أدوات الحرب الإعلامية التي يشنّها الغرب على سورية.

نشر موقع “ذا غري زون” عبر الإنترنت النصّ الكامل لنداء بستاني، والذي دعا فيه القيادة الحالية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى الاستماع إلى موظفيها الذين يقولون الحقائق عن سورية. وبحسب البستاني، بسبب الجهود التي تبذلها واشنطن ولندن وبعض حلفائهما، فإن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لم تعد محكمة، بل تحوّلت إلى أداة للمناورات السياسيّة وحرب المعلومات. ويقول خوسيه بستاني: “كانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في يوم من الأيام منظمة عظيمة، وحتى لو “تعثرت”، فلا يزال أمامها فرصة للتعافي وتحسين أدائها”.

لم يستمع أحد إلى التحذيرات التي أصدرها المركز الروسي للمصالحة، في أن من يقوم بالاستفزازات الكيميائية، هم المجموعات الإرهابية الموجودة في إدلب وليس الجيش العربي السوري أو الحكومة السورية. على وجه الخصوص، قال رئيس المركز البحري،  الجنرال “ألكسندر غرينكيفيتش” في بيان له: “إن الإرهابيين نقلوا عدة براميل تحتوي على الكلور إلى محيط قرية سفوهون في ريف إدلب”. وعلى الرغم من هذا التحذير، فإن موجة أخرى من الاتهامات الافترائية الموجّهة ضد الدولة الوطنية، كانت مستوحاة من عدد من المشاركين في حملة الدعاية الغربية، إلا أن هذه الحملة الدعائية التي أطلقها الغرب فشلت تماماً بعد انكشاف أمر الإرهابيين الذين كانوا يعدّون لهذا العمل التخريبي.

في هذا الصدد، لابد من التساؤل: لماذا يحب مروّجو الدعاية الغربيون السقوط في الفخ نفسه؟ أليس من الأجدى، أن تعزّز دول العالم تعاونها في الحرب ضد الإرهاب الدولي والأعمال الإرهابية التي يقوم بها الإرهابيون في سورية والشرق الأوسط؟.