دراساتصحيفة البعث

العالم في غياب الشرعية الدولية

د. رحيم هادي الشمخي

كاتب عراقي

لعلّ الوقت مازال مبكراً لإصدار أحكام تتّسم بالموضوعية العلمية على تأثيرات الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى جميع المستويات، على النظام العالمي، والنظم الإقليمية، والدول ذاتها، غير أن مرور سبعة عشر عاماً على احتلال العراق، والاحتلال الأمريكي- التركي لمناطق في سورية، وتدمير اليمن السعيد، وما يجري في ليبيا، والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، يمثّل من دون شكّ حافزاً على إمعان النظر فيما جرى ويجري حتى الآن، والسؤال: هل أصبح العالم بعد الغزو الاستعماري حقيقة مختلفاً عمّا قبله؟.

إن الأمر ليس كذلك بالتحديد، على الرغم من إغراءات هائلة بالتوصل إلى استنتاج مخالف، فكثير مما يحدث في العالم الآن له جذوره الممتدة إلى عقد أو عقود سبقت من الزمن من دون أن ننكر أن الأحداث ربما تكون قد أفضت إلى فروق قد تكون كبيرة أو حتى هائلة في الدرجة، وإن صعب علمياً قياسها ومن ثم مقارنتها بغيرها من أحداث سابقة. ولاشكّ في أن مأساوية الأحداث وجدّة الأسلوب المستخدم فيها قد ساعد على إشاعة الانطباع بأننا لابدّ من أن نكون إزاء عالم جديد، لكن المرء يجد صعوبة حقاً في إثبات ذلك.

لقد عشنا مع هذه السمة ما يزيد على عقد من الزمان حتى الآن، وإن الالتفاف الأمريكي على قرارات مجلس الأمن وتجاوزها في العراق وسورية مثال إضافي مفيد، كما قد تكون القضية الليبية واليمنية مثالاً يؤكد الغياب المنظم للشرعية الدولية عن أفعال العديد من القوى الدولية، أيكون الجديد هو تلك الردّة المقلقة عن بعض ضمانات الديمقراطية وحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية؟.

وهكذا نجد أن هدف أمريكا هو إبراز معنى مبهم يتمثّل في أن ما يجري ليس سوى تعبير عن حقائق بنيوية في السياسة الأمريكية موجودة قبل أحداث الحادي عشر من أيلول بكثير، وإن كانت الأحداث قد أطلقت قوى اليمين المتطرف القابعة في البيت الأبيض الأمريكي من عقالها، فراحت تفعل ما يحلو لها من دون أن تجشّم نفسها مشقة البحث عن شرعية ولو مزيفة، أو كسب الأنصار والحلفاء، وليس واضحاً حتى الآن الكيفيّة التي ستتطوّر بها المقاومة الحتميّة للسلوك الأمريكي، وإن كان من المؤكد أنها قائمة ومتجهة نحو التصاعد، وكلما تسارعت حركة مقاومة العدوان الأمريكي اقتربت القوة الأمريكية أكثر وأكثر من مقولة (بول كندي) الشهيرة عن صعود الإمبراطورية العالمية وسقوطها، فعندما تتجاوز تكلفة تلبية متطلبات حماية الإمبراطورية العائد منها يبدأ التآكل فالسقوط.