دراساتصحيفة البعث

روسيا ليست تهديداً للولايات المتحدة الأمريكية

سمر سامي السمارة

من خلال ادّعائه بأن روسيا تمثّل “التهديد الأكبر” للأمن الأمريكي، يحرص السياسي الديمقراطي بايدن على إثارة موجة من الكراهية ضد روسيا.

وفي مقابلة إعلامية مع شبكة “سي بي إس”، وقبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، قال بايدن: “إن روسيا تشكّل أكبر تهديد للولايات المتحدة الآن فيما يتعلّق بتفكيك أمننا وتحالفاتنا”.

عندما يتفوّه سياسي أمريكي في العام 2020، بمثل هذا الهراء متحدثاً عن “الخوف الأحمر” على غرار الحرب الباردة –بعد مضي 30 عاماً على تفكّك الاتحاد السوفييتي- فإن هذا يعتبر عملاً مذهلاً لغسيل الأدمغة.

وهنا لابد من الإشارة، إلى أن كلّ من ترامب وبايدن يتهمان روسيا بالتدخل في الشؤون الأمريكية، إذ اتهم ترامب روسيا بالتدخل وتقديم الرعاية لـ بايدن.

لذا، من الواضح أن كلا الطرفين يعتبران روسيا “الطفل السيئ”. إن أردت تشويه سمعة خصومك؟ ما عليك إلا وصفهم بدمى خائنة لمصلحة روسيا.

ومع ذلك، ما من شك في أن الديمقراطيين ووكالات الاستخبارات الأمريكية، إضافة لوسائل الإعلام البارزة مثل “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز” و”سي إن إن”، تصدّرت الترويج لخطر “روسوفوبيا”. فقد وجّهت إلى ترامب تهماً على مدار السنوات الأربع الماضية بأنه عميل للكرملين كوسيلة لنزع الشرعية عن انتخابه عام 2016. وقد زعمت صحيفة “واشنطن بوست” في افتتاحيتها مؤخراً، أن الاضطرابات الأمريكية في ظل إدارة ترامب كانت بمثابة “هدية” لـ فلاديمير بوتين.

كما كان إعلان بايدن صراحة أن روسيا تشكّل التهديد الأكبر هو مناورة متهورة لتصعيد التوترات بين القوتين النوويتين العظميين. استنكر المتحدث باسم الكرملين “ديمتري بيسكوف” التصريحات العدائية لـ بايدن، وقال: “لا يسعنا إلا أن نأسف لحقيقة أن هذه هي الطريقة التي يتمّ فيها الترويج للكراهية الكاملة للاتحاد الروسي، وأنه يتمّ تصوير بلدنا على أنه عدو.. هذا ليس صحيحاً”. للمفارقة، تمثّل روسيا فعلياً، “منافساً” لقوة الولايات المتحدة، لأن روسيا كدولة قوية ومستقلة، بجيشها الهائل، تشكّل عقبة أمام طموحات الولايات المتحدة في الهيمنة العالمية، فحلفاء الناتو الأوروبيون هم مجرد توابع، بينما تعتبر روسيا والصين قوتين مستقلتين، لذا فهي من وجهة نظر أهداف واشنطن الإمبريالية تشكّل مشكلة إستراتيجية يصعب تحمّلها.

ظهرت “المشكلة” الروسية مع ثورة 1917، حيث أرسلت أمريكا والدول الغربية جنودها للقتال لدعم أعداء الثورة خلال الحرب الأهلية في روسيا. وفي ظل فشل تلك المحاولة للسيطرة على روسيا، سعت الولايات المتحدة ورأسماليون غربيون آخرون إلى بناء ألمانيا النازية باعتبارها متراساً ضد الاتحاد السوفييتي، ما أدّى إلى الحرب العالمية الثانية التي تعتبر أكبر محرقة في التاريخ، إذ قُتل فيها ما يقرب من 30 مليون مواطن سوفييتي. كانت الحرب الباردة هي المرحلة الثانية للعداء الغربي بقيادة الولايات المتحدة ضد موسكو، عاش العالم قرابة خمسة عقود في ظل الكارثة النووية، حيث قام السياسيون ووسائل الإعلام الأمريكية بنشر الكراهية لروسيا باستمرار. يستمر هذا المرض الأيديولوجي في الولايات المتحدة وبين أتباعها في أوروبا حتى يومنا هذا على الرغم من تفكّك الاتحاد السوفييتي قبل 30 عاماً.

لاشك أن روسيا دولة قوية مستقلة ذات دفاع عسكري جيد، وباعتبارها أكبر دول العالم مساحة، فإن مواردها الطبيعية الهائلة، وخاصة الطاقة، هي فرصة للإمبرياليين الأمريكيين. لذا ينبغي تصوير روسيا كعدو، لأنها تشكّل تهديداً لطموحات الولايات المتحدة في الهيمنة الكاملة، وحيث إن روسيا والصين ليستا على استعداد للاستسلام للإملاءات الأمريكية، تلجأ الولايات المتحدة لتقديمهما كخصوم . وعلى الرغم من عدم وجود دليل يدعم الاتهامات الأمريكية لروسيا أو الصين كتهديد خطير، تستمر الولايات المتحدة منذ قرن تقريباً، في إثارة الرعب والحروب ضد روسيا. وبذلك، يحافظ المجمع الصناعي العسكري القوي، الذي يدعم الرأسمالية الأمريكية، على تدفق الأرباح، ويسمح بإيجاد غطاء للعسكرة الأمريكية في جميع أنحاء العالم، وخاصة مع وجود أكثر من 800 قاعدة وصاروخ خارجية موجهة إلى روسيا والصين. وبذلك تُبقي الولايات المتحدة، العالم في حالة تأهب للحرب بين القوى النووية، وتمنع قيام علاقات دولية سلمية.

في الوقت الذي كان يتّهم فيه بايدن روسيا بأنها تشكّل تهديداً للأمن والتحالفات الأمريكية، كان بوتين يحاول تمديد معاهدة ستارت الجديدة التي تحدّ من انتشار الأسلحة النووية، فضلاً عن تقديم اتفاقية لمنع إعادة إطلاق الصواريخ في أوروبا، بعد انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى العام الماضي. في الحقيقة، روسيا تشكّل “تهديداً” فقط بمعنى أنها “تهدّد” الولايات المتحدة بالسلام، لأنه مع السلام وغياب الحرب، ستنتهي القوة الأمريكية.