طريق الحرير الجديد بحلب
حلب- غالية خوجة:
منذ ما قبل طريق الحرير وحلب تزهو بموقعها الاستراتيجي السياحي والثقافي والاقتصادي والتجاري والفني، ولمجتمعها ثقافته التسوقية التي تجعل المشهد في المجال الحيوي الدائم الذي يتفوق على كثير من “المولات” المعاصرة لأسباب عديدة، أهمها عراقة المكان والأحياء الخاصة بالتسوق إضافة إلى التعامل الطيب بين البائع والمشتري.
ومع العودة إلى اللحظة الحية المنتصرة على الإرهاب، نلاحظ الحركة المتجددة في شوارع حلب وأسواقها مثل أسواق المدينة المتشابكة وهي تترمّم وتتنفّس من جديد، لتظل من أقدم وأعرق وأطول الأسواق المغطاة التي تجاوز عمرها الألف عام، وأكثرها تنوعاً بالبضائع التي تكنّت الأسواق التخصصية باسم حرفتها، مثل سوق النحاس وسوق الصوف وسوق العرائس وسوق الذهب، وتعتبر هذه الأسواق الأثرية الحية من أجمل الأسواق اتكاءً على منطقة مشرقة من مدينة حلب القديمة المطلة على القلعة وتاريخها ومقاهيها المعاصرة، والملتفتة إلى خان الشونة، وخان الوزير، والمحدقة في مئذنة الجامع الأموي (الكبير) الذي يستعيد إشراقته مع عملية الترميم. وقريباً من هذه المسافة، يمتد سوق “التلل” الشهير الذي يشبه إلى حدّ ما، سوق الصالحية بدمشق، والذي لا يخلو من أية بضاعة تخطر ولا تخطر على بالك، مثل الأزياء وصابون الغار الحلبي والآلات الموسيقية والمأكولات والأقمشة والأحذية والإكسسوارات والألعاب، وجميعها معروضة في المحلات، و”العبّارات” الفرعية على جوانب السوق، وعلى “البسطات” المتمددة على الأرصفة والتي لا ندري إن كانت نظامية أم لا.
في “التلل” تتداخل أصوات الباعة مع أصوات الأطفال والدراجات الهوائية والنارية، والسيارات التي لم يكن لها أن تمر سابقاً، مع أصوات الطلاب الخارجين من المدارس القريبة المتربعة في أزقة تاريخية قديمة مثل “كيليكيا”، و”الأمّ”.
السوق المكتظ بالباعة المستقرين والمبسطين والجوالين والناس، يعيدك إلى تاريخ محفور بين البازلت وحجارة الرصيف والمباني المطلة على هذا الضجيج بكلاسيكيتها ومعاصَرَتِهَا وحداثتها، لتخبرك عمّا فعل بها الإرهاب، وعما تتنفسه الآن لتصحو بقوة كما صمدت بقوة.
الوقت الخريفي يعبر هنا بجمالية لا يمكن أن ترى موسيقاها إلاّ هنا في حلب، ولا يمكن أن تلمح أشعة الشمس الملونة بالتفاؤل آنَ الشروق وآنَ الغروب وهي تتلألأ إلاّ هنا في حلب.