مايك بومبيو أسوأ وزير خارجية أمريكي!
ترجمة وإعداد: علاء العطار
هل يُعدّ مايك بومبيو أسوأ وزير خارجية أمريكي على الإطلاق؟ لقد كان مريعاً بلا شك، لكن هناك 69 منافساً له على هذا اللقب.
بين وزراء الخارجية المعاصرين أساء جورج دبليو بوش استغلال كولن باول، واحتال على شعبه بالغزو المأساوي للعراق. أما مادلين أولبرايت فكانت عقليتها عالقة دوماً في دوامة أدولف هتلر، وتميّزت بحماستها لاحتضان حرب يقتتل فيها آخرون. ولم يحقّق ألكسندر هيغ شيئاً سوى مجرد ادّعاء المسؤولية في أعقاب محاولة اغتيال رونالد ريغان. وطغى على ويليام روجرز ظلّ مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر، الذي تولى منصبه في النهاية.
وبالعودة إلى ماض أبعد قليلاً، ساعد روبرت لانسينغ في إدخال الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، وهي إحدى أكثر الحركات غباءً وأكثرها ضرراً في التاريخ الأمريكي. وكلما غاص المرء في التاريخ الأمريكي، تشعّبت الظروف، ما يجعل إطلاق أي حكم نسبي أكثر صعوبة.
غير أن أفضل ما يمكن قوله عن بومبيو هو إنه لم يدخل أمريكا في أي حروب جديدة، بالرغم من جهوده القصوى، فغالباً ما كان يلعب دور المناهض للدبلوماسية، مصمّماً على الإهانة والتحريض والمطالبة والعناد والإملاء والتوعد والوعظ والفرض. لكن لا يغرنّك هذا كله، فالنتائج تتحدّث عن نفسها، وسجل الإدارة يفتقر إلى أي نجاحات ملحوظة، وهو الهدف المفترض لسياسة “أمريكا أولاً” الخارجية. لم يأت بخير يذكر، بل بسوء كثير، ومنه ما كان شديد القبح!.
قد يكون أهم مبادرة دبلوماسية اضطلع فيها هو الانفتاح على كوريا الديمقراطية، إذ تولى بومبيو مسؤولية ذلك في آذار عام 2018، حين جرى التخطيط لعقد القمة الأولى، لكن المبادرة تعثّرت بسببه في العام التالي في القمة الثانية التي عُقدت في هانوي.
خسر الوزير بعض النقاط لأنه لم يفعل شيئاً على ما يبدو لإبعاد ترامب عن الاعتقاد بأن بيونغ يانغ مستعدة لتسليم ترسانتها بالكامل على أمل أن تنظر واشنطن بإيجابية إلى تطلعاتها المستقبلية. لم يكن ذلك ليحدث أبداً لولا ذلك، ولاسيما بعد أن تخلّى ترامب عن الاتفاق النووي مع إيران، وطالب طهران بالتنازل عن سياستها الخارجية المستقلة، إذ بات بإمكان كوريا أن تتخيّل بسهولة إساءة معاملة مماثلة من هذه الإدارة أو الإدارة المستقبلية.
إن مساوئ بومبيو أكثر من محاسنه بكثير، فعلى سبيل المثال، عمل على إحباط رغبة ترامب الواضحة في الخروج من “حروب لا نهاية لها”، فالولايات المتحدة لا تنتمي إلى الحرب الدائرة في سورية، والعراق وجيرانه قادرون على التعامل مع تنظيم “داعش” دون أي مساعدة، خاصة من الولايات المتحدة أكبر عراب لهذا التنظيم الإرهابي.
وحوّل بومبيو ذريعة حقوق الإنسان إلى سلاح سياسي، وضحّى بأية مصداقية في هذه القضية. فتراه حيناً يبكي وهو يتهم إيران بانتهاك هذه الحقوق ولكنه يخضع للعائلة المالكة السعودية، وهم قتلة متوحشون. وحيناً تراه مرعوباً من “الجرائم” التي يلصقها بنظام مادورو في فنزويلا، لكنه ينشر الحب برجب طيب أردوغان، الذي يحوّل تركيا إلى دولة أوتوقراطية. والأقبح من ذلك استخدام العقوبات لتجويع شعبي سورية وفنزويلا بغية إجبار حكومتيهما على الانصياع لأمريكا، وهذا ليس غير أخلاقي فحسب، بل تبيّن بالتجربة أنه غير فعّال، إذ إن كلا البلدين صامدان ولا يميلان إلى الاستسلام قيد أنملة.
ولنقل إن فنزويلا على الأقل مسألة ذات أهمية جغرافية في نظر واشنطن، لكن سورية لم تشكّل يوماً تهديداً لأمن الولايات المتحدة، لذا كان الأجدر بـ بومبيو أن يدعم جهود ترامب لإعادة جميع القوات الأمريكية إلى الوطن. واليوم، تتصادم القوات الأمريكية والروسية هناك بشأن استيلاء الأولى غير القانوني على حقول النفط السورية.
يمكن تفسير التركيز على إيران، والذي يبدو أن بومبيو مسؤول عنه أكثر من ترامب، على أنه تحويل سياسة الشرق الأوسط نحو السعودية وحليفتها “إسرائيل”. وكانت نتيجة التخلي عن الاتفاق النووي مأساوية، إذ رفض الإيرانيون التفاوض، وزادوا عمليات التخصيب.
تولّى بومبيو زمام المبادرة في سياسة الإدارة المخزية تجاه السعودية، وساعدها في حربها العدوانية على اليمن الفقير، الذي لم يذق طعم الراحة بسبب حالة الحرب الدائرة داخله وخارجه. قرّرت الرياض غزو اليمن لتحويله إلى دولة عملية للدكتاتورية، وبهذه الطريقة، جعل الوزير من الشعب الأمريكي شركاء في جرائم الحرب السعودية.
وحتى من الناحية الجيوسياسية، التي بدت فيها حماقة بومبيو في أوجها، فقد ضاهت عبارات بومبيو عودة أولبرايت إلى العبارات المبتذلة في الحرب العالمية الثانية مع العودة إلى الحرب الباردة. روسيا لاعب مهمّ مكروه لدى الإدارة ولكنها لا تهدّد الأمن الأمريكي، وأوروبا لا تحتاج إلى من يدافع عنها، وتكديس العقوبات باستمرار على روسيا يضمن استمرار العداء بين الدولتين، فبم يفيد ذلك أمريكا؟.
أخيراً، كان بومبيو متخبطاً وأخرقاً وعدوانياً في سعيه لشنّ حملة تقودها الولايات المتحدة على جمهورية الصين الشعبية، لا ريب أن بكين تشكّل تحدياً كبيراً، لكنها ليست مسألة أمنية، فلا أحد يعتقد أن الصين تخطّط لإطلاق أسطول عبر المحيط الهادئ لغزو هاواي، والمشكلة تكمن في استعداد واشنطن لدفع تكلفة معاملتها مياه آسيا والمحيط الهادئ على أنها بحيرة أمريكية إلى الأبد.
أما فيما يخصّ القضايا الأخرى، تحتاج الولايات المتحدة إلى العمل بالتنسيق مع القوى الصديقة، لكن بومبيو بذل قصارى جهده لإبعاد الشركاء المحتملين. على سبيل المثال، رفضت مجموعة الدول السبع مطالبته بتسمية فيروس كوفيد-19 باسم فيروس ووهان، وحتى الحلفاء أمثال كوريا الجنوبية ظلوا متوازنين في علاقاتهم مع الصين، وقرروا عدم الإصغاء لإملاءات بومبيو التي تضمن تحويل جارهم الكبير إلى عدو. وللوصول إلى علاقة طويلة ومعقّدة، هناك حاجة إلى دبلوماسية حقيقية وجادة، والتي تكمن ربما خارج قدرات بومبيو المحدودة.
وعلى المستوى الشخصي، يبدو أن بومبيو أساء استخدام منصبه لتحقيق مكاسب شخصية وأيديولوجية. على سبيل المثال، التزم بشدة بإظهار ولائه للرياض، وأعلن “حالة الطوارئ” لإحباط معارضة الكونغرس وإرسال الذخيرة للجيش السعودي حتى يتمكّن من قتل المزيد من المدنيين اليمنيين، ثم سعى إلى عرقلة تحقيق إداري وضغط على المفتش العام وفصله من عمله. وما جعله مصمّماً على مساعدة حاكم يتفاخر بدناءته وتهوّره وإجرامه ما زال أحد أعظم الألغاز في فترة ولايته.
في الواقع، إذا تُرك بومبيو طليق العنان، فمن المحتمل أن يشعل حرباً مع إيران وربما مع غيرها، كفنزويلا والصين وروسيا، وأي خير في هذه الحروب؟ إنها لن تجلب إلا الكوارث لأمريكا وغيرها.
لقد نسي الوزير أن وظيفته ليست السعي وراء تحقيق مخطّطه الأيديولوجي الشخصي، بل تعزيز مصالح الشعب الأمريكي، مع التركيز بشكل خاص على الدفاع عن حياتهم وأراضيهم وحرياتهم وازدهارهم، وهو ما فشل فيه باستمرار. قد لا يكون بومبيو أسوأ وزير خارجية أمريكي في التاريخ، لكنه بالتأكيد واحد من أسوئهم.