مسرح الطفل.. النص غائب والتهريج سيد الخشبة!!
“البعث الأسبوعية” ــ لينا أحمد نبيعة
عرف مسرح الطفل عند معظم الأمم القديمة، ولكن بشكل محدود يعتمد، أساساً، على مسرح الدمى وخيال الظل، وقد احتل هذا الفن مكاناً مرموقاً بين الفنون الأخرى. وفي العصر الحديث، أخذ مسرح الطفل طابعاً جديداً، إذ لم يعد وسيلة للتسلية والترفيه، بل أصبح وسيلة فعالة للتعليم والتثقيف، ولهذا قال الأديب الأمريكي مارك توين: “أعتقد أن مسرح الأطفال من أعظم الاختراعات في القرن العشرين، وأن قيمته التعليمية التثقيفية الكبيرة، التي لا تبدو واضحة، سوف تتجلى قريباً، لأنه أقوى معلم للأخلاق”.
البدايات
أول ظهور لمسرح الطفل كان في فرنسا، حيث ركزت المسرحيات على تقديم المواعظ الأخلاقية. وسبق الصينيون فرنسا في مجال مسرح الطفل، حيث اشتهروا برقصاتهم، وظهر عندهم مسرح خيال الظل والعرائس، وكذلك في الهند واليابان واليونان. وفي البلاد العربية، كان أول ظهور لمسرح الطفل في مصر، ثم ظهر بشكل معروف وواضح في سورية مسرح العرائس وخيال الظل والأراجوز.
المسرح المدرسي
ظل مسرح الطفل حبيس المدارس لفترة طويلة من الزمن، فاقتصر تقديمه على الحفلات المدرسية، إلى أن تنبهت وزارتا الثقافة والتعليم إلى أهمية تبنيه؛ وتم ذلك بإنشاء فرق مسرحية، وتنشيط حركة الكتابة المسرحية للطفل، لكنها حتى وقتنا هذا لم تتعد التمثيليات البسيطة، القائمة على حوارات واعظة تعليمية بعيدة عن روح الطفل الذي هو أصل مسرحه؛ وقد أكد الفنانون مأمون الفرخ وفرحان بلبل وعبد الوهاب أبو سعود على أهمية المسرح المدرسي، ولكن – للأسف – يشهد هذا المسرح، في وقتنا الحاضر، حالة انحدار واضحة تتجلى بتغييب الدور الفعال التثقيفي والتعليمي للمسرح المدرسي، فهو مكان لراحة العاملين فيه ليس إلا!!
غياب النص المسرحي
يندر حضور أدب الأطفال في التراث العربي؛ وإن عثرنا على نص، فغالباً ما يكون من حكايات التراث الشعبي المتداولة شفاهياً، باستثناء بعض قصص “ألف ليلة وليلة”، مثل “علاء الدين” و”السندباد البحري”.
وكتبت أغلب النصوص على ألسنة الحيوانات، وجاءت على شكل أناشيد غنائية. وما يقدم للطفل على مسارحنا هو، بالعموم، نصوص مترجمة من الأدب العالمي تقدم بتصرف من قبل المخرج، وقد يوفق بذلك، وقد لا يوفق أبداً؛ وقد أصاب جمهور مسرح الطفل نوع من الملل والرتابة من تكرار المشاهدات لذات القصة بأكثر من طريقة!!
ضائع بين النص والممثل
إن الاستسهال في اختيار النص المسرحي للطفل لم يوفر أبداً اختيار الممثلين الذين يعملون فيه، حيث أن عنصر الإبهار أحد أهم العوامل الأساسية التي تجذب الطفل وتثير اهتمامه. لذلك، لابد أن تكون لصانعي هذا المسرح خبرة واسعة في التمثيل، وفي الفنون التشكيلية والسمعية، إضافة إلى توافر مختصين في علم نفس الطفل، حتى لا يتحول الهدف من هذا الفن الراقي من البناء إلى الهدم، وهنا يكمن الخطر. وقد امتاز الفنان العراقي عاصم الخيال بعروضه وبراعته البصرية الساحرة بالنسبة لعالم الطفل، كذلك الفنان الراحل مأمون الفرخ الذي أضاف الكثير لمسرح الطفل في سورية.
هجرة مسرح الطفل
أن تقدم على مدار السنة عشرة عروض مسرحية، أو أقل، هذا لا يعني أبداً أن مسرح الطفل بخير؛ فهو جزء من حال المسرح ككل، في السنوات الأخيرة، حيث هجره معظم المشتغلين فيه؛ ونزوح هؤلاء يفسر بعدم توافر الشروط الموضوعية التي تسمح بالعمل، وأولها الأجور المجحفة بحق العاملين في أبي الفنون – وكأن المسارح الرسمية الحكومية تنظر نظرة دونية للمسرح وللعاملين فيه!! – إضافة إلى تطلع الفنانين للشهرة التي لا يوفرها المسرح لأبنائه، وخصوصاً مسرح الطفل، كذلك عدم توافر التقنيات الخاصة بمسرح الطفل، خصوصاً، يخلق حالة إحباط لدى المسرحيين.
التهريج سيد الخشبة
لم يبتعد المسرح عن الغزو التجاري الذي طال بقية الفنون، حيث جعل من العرض المسرحي سلعة تجارية، ما يعنيها، بالدرجة الأولى، هو كسب المال؛ فالعروض التي تقدم للأطفال عروض مبتذلة، وفيها استخفاف واستغباء لعقل الطفل.. مسرح يعج بحركات مجانية الغاية منها الإضحاك فقط، فيبدو الممثل على الخشبة كشخص مختل عقلياً، تحركه موسيقا صاخبة لا جدوى منها سوى تحريك الجو العام للأطفال، كي لا يصابون بالملل، ويغادروا أماكنهم، فهم ينساقون لا إرادياً، ويدخلون الجو العام المسيطر على المشهد فوق خشبة المسرح، من مبدأ “صفق عمرو إذ صفق خالد”. وبرأيي الخاص، كوني ممثلة مسرحية، ومدربة لمسرح الطفل في جمعية “أرسم حلمي” الفنية، أحمّل القائمين على المسرح، ومدراء المراكز الثقافية، مسؤولية الوضع السيئ للعروض المسرحية التجارية التي تعرض على خشبات مسارحنا، “بلا حسيب ولا رقيب”، حيث كونوا نظرة شعبية عامة ترى في مسرح الطفل مكاناً للترفيه المجاني والتسلية، وكمتمم لبرنامج هدر الوقت عند شريحة كبيرة من أطفالنا.. ليس إلا!!