مجلة البعث الأسبوعية

الرئيس الأسد في افتتاح أعمال المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين: الأغلبية الساحقة من السوريين في الخارج يرغبون بالعودة  

“البعث الأسبوعية” ــ سانا

انطلقت في قصر الأمويين للمؤتمرات بدمشق الأربعاء أعمال المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين بمشاركة عربية ودولية باستثناء تركيا.

 

كلمة الرئيس الأسد

وألقى السيد الرئيس بشار الأسد كلمة عبر الفيديو في افتتاح أعمال المؤتمر، فيما يلي نصها:

السيدات والسادة ممثلو الدول المشاركة في المؤتمر.. السادة الحضور

أرحب بكم في دمشق وقد وطئتم أرضها ضيوفا أعزاء، وأهلا بكم في سورية التي وإن أدمتها سنون الحرب الطويلة وأثخنتها بالجراح قسوة الحصار وإجرام الإرهاب لكنها تأتلق فرحا بلقاء المحبين بحق والمخلصين بحق، والحاملين في قلوبهم وعقولهم ووجدانهم قضية الإنسان في كل زمان ومكان.

أتقدم بداية بالشكر الجزيل لأصدقائنا الروس على ما بذلوه من جهد كبير وعمل دؤوب لدعم انعقاد هذا المؤتمر بالرغم من المحاولات الدولية لإفشاله. وكذلك أتوجه بالشكر للأصدقاء الإيرانيين على ما بذلوه من جهود في هذا الشأن وما قدموه من دعم حقيقي ساهم في التخفيف من وطأة الحرب وتبعات الحصار.

وإنني إذ أثمن قدومكم إلى دمشق ومشاركتكم في هذا المؤتمر فإنني أخص بالشكر منكم دولاً استقبلت أبناء سورية المهجرين واحتضنتهم وتقاسم أبناؤهم مع أبنائنا لقمة عيشهم وفرص العمل رغم المعاناة الاقتصادية في تلك البلدان.

السادة المشاركون.. إن قيام عدد من الدول باحتضان اللاجئين، انطلاقا من مبادئ إنسانية أخلاقية، قابله قيام البعض الآخر من الدول في الغرب، وفي منطقتنا أيضا، باستغلالهم أبشع استغلال من خلال تحويل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية للمساومة، بالإضافة إلى جعلهم مصدرا للمال يروي فساد مسؤوليهم دون أخذ أي اعتبار للمعاناة الحقيقية التي يعيشها أبناؤنا في المهجر.

وبدلا من العمل الفعلي من أجل تهيئة الظروف المناسبة لعودتهم فرضوا عليهم البقاء في تلك الدول عبر الإغراء حينا، والضغوط والتخويف أحيانا أخرى، وهذا ليس مستغربا، فتلك الحكومات التي عملت بجد لنشر الإرهاب في سورية والذي أدى إلى مقتل مئات الآلاف من أبنائها وساهم بإخراج الملايين منهم، لا يمكن منطقيا أن تكون هي نفسها السبب والطريق لعودتهم إلى وطنهم، ولا أدل على ذلك من رفضهم المشاركة بهذا المؤتمر الذي يسعى للهدف الذي يبكون زورا عليه وهو عودة اللاجئين.

وإذا كانت قضية اللاجئين بالنسبة للعالم هي قضية إنسانية، فبالنسبة لنا إضافة لكونها إنسانية فهي قضية وطنية، وقد نجحنا في إعادة مئات الآلاف من اللاجئين خلال الأعوام القليلة الماضية؛ وما زلنا اليوم نعمل بدأب من أجل عودة كل لاجئ يرغب بالعودة والمساهمة في بناء وطنه، لكن العقبات كبيرة، فبالإضافة للضغوط التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في الخارج لمنعهم من العودة، فإن العقوبات الاقتصادية اللاشرعية، والحصار المفروض من قبل النظام الأمريكي وحلفائه، تعيق جهود مؤسسات الدولة السورية التي تهدف لإعادة تأهيل البنية التحتية للمناطق التي دمرها الإرهاب بحيث يمكن للاجئ العودة والعيش حياة كريمة بظروف طبيعية؛ وهذا يشكل سببا رئيسيا لتردد الكثيرين منهم في العودة إلى مناطقهم وقراهم في غياب الحد الأدنى من متطلبات الحياة الأساسية.

ورغم كل ذلك فإن الأغلبية الساحقة من السوريين في الخارج باتوا اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، راغبين في العودة إلى وطنهم لأنهم يرفضون أن يكونوا “رقما” على لوائح الاستثمار السياسي، و”ورقة” بيد الأنظمة الداعمة للإرهاب ضد وطنهم.

إن موضوع اللاجئين في سورية هو قضية مفتعلة فتاريخ سورية ولقرون مضت يخلو من أي حالة لجوء جماعية، وبالرغم من أن سورية عانت عبر تاريخها الحديث والقديم من احتلالات متتالية واضطرابات مستمرة حتى نهاية ستينيات القرن الماضي، إلا أنها بقيت هي المكان الذي يلجأ إليه الآخرون هربا من الاضطرابات والأزمات المختلفة لا العكس، خاصة منذ بدايات القرن العشرين ومجازره العثمانية، وصولاً إلى غزو العراق عام 2003، ولم يذكر كل ذلك التاريخ أي حروب بين السوريين لأسباب عرقية أو دينية أو طائفية، لا قبل تأسيس الدولة السورية ولا بعدها.

ولأن الظروف الموضوعية لا تدفع باتجاه خلق حالة لجوء، كان لا بد من قيام الأنظمة الغربية بقيادة النظام الأمريكي والدول التابعة له في جوارنا – وتحديدا تركيا – من خلق ظروف مفتعلة لدفع السوريين للخروج الجماعي من سورية لتكون مبررا للتدخل في الشؤون السورية، ولاحقا لتفتيت الدولة وتحويلها لدولة تابعة تعمل لمصالحهم بدلا من مصالح شعبها.

وكان نشر الإرهاب هو الطريق الأسهل، والذي ابتدىء العمل به من خلال تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، في العراق، عام 2006، برعاية أمريكية، والتي انضمت خلال الحرب في سورية إلى شقيقاتها كـ “الإخوان المسلمين” و”النصرة” وغيرها، وقامت بتدمير البنى التحتية وقتل الأبرياء وشل الخدمات العامة ونشر الرعب و دفع السوريين للنزوح عن وطنهم.

وفي العام 2014، وعندما بدا أن الدولة السورية في طريقها لاستعادة الأمن والاستقرار، قامت تلك الدول بتحريك “داعش” الإرهابية بهدف تشتيت القوات المسلحة وتمكين الإرهابيين من جزء كبير من الأراضي السورية، والتي تمت استعادة القسم الأكبر منها بفضل تضحيات جيشنا الوطني، ودعم أصدقائنا.. هذا الدعم الذي كان له الأثر الكبير بدحر الإرهابيين وتحرير كثير من المناطق.

أما اليوم فنحن نواجه قضية مركبة من ثلاثة عناصر مترابطة: ملايين اللاجئين الراغبين في العودة، ومئات المليارات من بنية تحتية مدمرة بنيت خلال عقود، وإرهاب ما زال يعبث في بعض المناطق السورية.

ولقد تمكنت مؤسسات الدولة السورية من التقدم خطوات مقبولة نسبة إلى إمكانياتها في التعامل مع هذا التحدي الكبير، فمع استمرار حربها على الإرهاب قامت بتقديم التسهيلات والضمانات لعودة مئات الآلاف من اللاجئين إلى الوطن من خلال العديد من التشريعات كتأجيل الخدمة الإلزامية لمدة عام للعائدين والعديد من مراسيم العفو التي استفاد منها من هم داخل الوطن وخارجه.

وبالتوازي، ورغم الحصار غير القانوني، فقد استطاعت الدولة إعادة الحد الأدنى من البنية التحتية في العديد من المناطق، كالماء والكهرباء والمدارس والطرق وغيرها من الخدمات العامة، وذلك لتمكين أبنائها العائدين من العيش ولو بالحد الادنى من مقومات الحياة.

ومن المؤكد أن هذه الخطوات ستكون أسرع كلما ازدادت الإمكانيات، وازديادها مرتبط بتراجع العقبات المتمثلة بالحصار الاقتصادي والعقوبات التي تحرم الدولة من أبسط الوسائل الضرورية لإعادة الإعمار، وتؤدي إلى تراجع الوضع الاقتصادي والمعيشي، ما يحرم أبناء الوطن فرص العيش الكريم ويحرم اللاجئين من فرصة العودة في ظل تراجع فرص العمل.

وأنا على ثقة أن هذا المؤتمر سيخلق الأرضية المناسبة للتعاون فيما بيننا في المرحلة المقبلة من أجل إنهاء هذه الأزمة الإنسانية، التي سببها أكبر عدوان همجي غربي عرفه العالم في التاريخ الحديث.. هذه الأزمة التي تلامس في كل لحظة كل منزل في سورية، ووجدان كل إنسان عادل في العالم، ستبقى – بالنسبة لنا كسوريين – جرحا غائرا لا يندمل حتى يعود كل من هجرته الحرب والإرهاب والحصار.

أتمنى لأعمال مؤتمرنا هذا كل التوفيق والنجاح من خلال الخروج بتوصيات ومقترحات تساهم بشكل مباشر في عودة السوريين إلى وطنهم، لتعود سورية بهم وبمواطنيها الذين بقوا وصمدوا على مدى سنوات عشر أفضل مما كانت.

مرة أخرى أشكر حضوركم، والسلام عليكم

 

الرئيس الأسد وبوتين عبر تقنية الفيديو كونفرانس

وكان الرئيس الأسد بحث والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الإثنين الماضي، التحضيرات الجارية للمؤتمر، وذلك خلال اتصال عبر تقنية الفيديو كونفرانس.

وقال الرئيس الأسد: أنا سعيد أن يحصل اليوم هذا الاتصال أو هذا اللقاء التلفزيوني بيننا خاصة قبل انعقاد مؤتمر اللاجئين خلال الأيام القليلة القادمة، وأنا أشكركم على اهتمامكم بهذه القضية.. قضية اللاجئين هي قضية إنسانية بالنسبة لنا ولكم والكثير من دول العالم، ولكنها بالنسبة لنا قضية وطنية.. وكل منزل في سورية يهتم بهذا الموضوع وهو بالنسبة لنا كحكومة هو الأولوية رقم واحد خلال المرحلة القادمة خاصة بعدما تم تحرير جزء كبير من الأراضي وانحسرت رقعة المعارك بالرغم من استمرار الإرهاب.

من الطبيعي أن يكون هذا الموضوع هو الأولوية الأولى لكن من الضروري أن يعالج المؤتمر وأن نعالج نحن وأنتم والدول الأخرى المهتمة بهذا الموضوع انطلاقاً من الأسباب وكما تعلمون فإن الجزء الأكبر من اللاجئين هم الذين هربوا من الإرهاب.. من القتل، من الخوف.. وجزء آخر هرب بسبب تدمير البنية التحتية، وبالتالي أصبحت الحياة في المدن أو القرى أو الأحياء المختلفة غير ممكنة للحياة.. ومن خلال تواصلنا المستمر مع عدد كبير من هؤلاء اللاجئين بشكل مباشر أو عبر الدول التي تحتضنهم والتي تسعى لإعادتهم إلى سورية.. الجزء الأكبر منهم يرغب بقوة بالعودة إلى سورية خاصة بعدما قامت الدولة السورية بتقديم عدد كبير من التسهيلات.. البعض منها تشريعي والبعض منها متعلق بالإجراءات من أجل عودتهم لكن العقبة الأكبر بالنسبة لهم بالإضافة إلى بقاء الإرهاب في بعض المناطق التي يفترض أن يعودوا إليها وينتموا لها.

المشكلة الأكبر هي الحصار الغربي المفروض على سورية.. على الدولة وعلى الشعب وبالتالي إعادة هؤلاء اللاجئين بحاجة لتأمين الحاجات الأساسية الضرورية لمعيشتهم.. الماء والكهرباء والمدارس.. لديهم أطفال.. وغيرها من الخدمات الأساسية بالإضافة إلى موضوع تحريك الاقتصاد من أجل أن يعودوا وأن يكون أمامهم أفق من أجل أن يعيشوا حياة طبيعية.. المشكلة أن الحصار الغربي الذي تفرضه الولايات المتحدة يشكل عقبة كبيرة في وجه هذه العودة.

بالنسبة لنا في سورية لدينا آمال كبيرة في هذا المؤتمر بأن يخرج بنتائج عملية.. وطبعاً الحكومة السورية ليست فقط مستعدة بل هي متحمسة للخروج بهذه النتائج من أجل أن نرى أكبر عدد منهم يعود خلال الأشهر القليلة القادمة.. ليس فقط ضمن إطار المصالحة فالجزء الأكبر من هؤلاء اللاجئين هو من الداعمين للحكومة السورية ولكن الظروف الحالية لا تسمح له بالعودة.. ولدينا أمل كبير بجهودكم وبجهود الدول الأخرى المشاركة أن يكون هناك إمكانية لتخفيف أو رفع أو إزالة هذا الحصار اللاشرعي الظالم من أجل أن تتمكن الدولة السورية من القيام بواجباتها تجاه أولئك العائدين.. البعض منهم عاد.. أو الآخرين الذين يرغبون بالعودة.

مرة أخرى أستغل هذه الفرصة سيادة الرئيس لكي أشكركم على الجهود الكبيرة التي قمتم بها شخصياً بالإضافة إلى المسؤولين الروس الذين لم يهدؤوا حتى تمكنوا من عقد هذا المؤتمر بالرغم من العقبات الدولية التي وضعت في طريق هذا المؤتمر.. ولكن المؤتمر سوف يعقد ونتمنى له النجاح، وباعتقادي أنه بالتعاون المشترك بيننا وبينكم وبالتعاون مع الدول المشاركة سيكون هذا المؤتمر هو مجرد بداية لحل هذه المشكلة الإنسانية التي لم يشهد لها العالم مثيلاً ربما منذ الحرب العالمية الثانية.

نتمنى أن نتمكن من وضع أسس للمرحلة القادمة من أجل عودة هؤلاء اللاجئين.. مرة أخرى أشكركم على اهتمامكم بهذا الموضوع وعلى دعمكم للحكومة السورية في جهودها سواء في مكافحة الإرهاب أو إعادة الإعمار أو في إعادة اللاجئين..