الواضح أنها دولة فاشلة!!
“البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة
انتظر الأمريكيون نتائج المشهد الذي يُسمى الانتخابات الأمريكية، نتائج وهم الاختيار الذي فرضته الإمبراطوريات عبر التاريخ على رعاياها، كما انتظروا الخلاف المحتوم في نهاية المطاف، والتكهنات التي يمكن أن تمتد لأسابيع أو أكثر، والمكائد والفوضى التي يحدثها ترامب وانقلابه الجامح طوال السنوات الأربعة الماضية، وهو فعل متوقع ولد في حالة يأس من نرجسي مصاب بجنون العظمة.
ولكن، في الحقيقة، لم يكن ترامب المشكلة الحقيقية أبداً، فقد كان ولا يزال نتاجاً فاسداً لتجربة تمتد لقرون طويلة في الإمبريالية العنصرية، تجربة ولدت – بداية – في هذه القارة، ثم تم تصديرها إلى العالم بأسره، إذ بدأ الأمر عندما وطئ المستوطنون الأوروبيون هذا “العالم الجديد” المحتل وأعلنوه ملكاً لهم، وأهلكوا شعوبه الأصلية.
كان ولع ترامب بالقسوة السادية الفصامية يكمن وراء شعار “الاستثنائية” الأمريكية، وهي القسوة نفسها التي تسببت بالإبادة الجماعية للسكان الأصليين، وتجارة الرقيق الأفريقية، والإعدام دون محاكمة، وقوانين جيم كرو، وأمة وضعت مواطنيها في معسكرات اعتقال، واستخدمت الأسلحة النووية ضد المدنيين، وهي الدولة الوحيدة على وجه الأرض التي قامت بذلك، كما أنها استخدمت “قنبلة السجاد” على قرى جنوب آسيا، وصبت قذائف النابالم والعامل البرتقالي على أطفالها.. وهي نفسها التي دربت فرق الموت في أمريكا الوسطى، وإندونيسيا، وهي نفسها التي اغتالت باتريس لومومبا، وأطاحت برؤساء منتخبين ديمقراطياً، وهي نفسها التي سمحت بتدمير العراق بناء على أكاذيب وقصص مزيفة، وعذبت أطفالاً عراقيين للضغط على أبائهم الذين كانوا معتقلين في أقبية أبو غريب الرطبة، وقصفت المدنيين في حقولهم بطائرة مسيرة بدون طيار، والدولة نفسها التي حولت ليبيا، التي كانت ذات يوم أغنى دولة في أفريقيا، إلى مركز لتجارة الرقيق الحديثة، وهي نفسها التي منحت الدبابات لشرطتها، والجوائز لغزواتها الدموية في جنوب الكرة الأرضية، والتي تفرض الحرب والحصار والاحتلال على سورية منذ تسع سنوات لأنها ترفض الانصياع لها، والتي تتجه الآن إلى سحق شعبها نفسه.. القسوة نفسها التي حبست جيلاً كاملاً من الأطفال الملونين لحيازتهم نبتة، أو لأنهم حقنوا شيئاً ما في أذرعهم الفقيرة للتخفيف من معاناة العيش في جحيم اليأس. لقد شهدت الولايات المتحدة مؤخراً أكبر إقبال للناخبين منذ 150 عاماً، لكنها لم تنتج ما يسمى بـ “الموجة الزرقاء” التي كان يأمل بها الكثير من الليبراليين. كان ينبغي سحق ترامب “الذي كان بمثابة “كومة متقيحة من القذارة” هيمنت على المكتب البيضاوي على مدار السنوات الأربع الماضية. ومع ذلك، اختار قرابة نصف أولئك الذين أدلوا بأصواتهم كومة القذارة البدائية تلك، الشخص الذي انتزع الأطفال من أحضان أبائهم ووضعهم في أقفاص بينما كانوا يبكون دون توقف، الشخص نفسه الذي شجع علناً على العنف من قاعدته الجماهيرية الأكثر تطرفاً، ومن قال إن النازيين الجدد “أناس طيبون للغاية”، وهو من أمر الإرهابيين العنصريين بـ “التراجع والوقوف”، الشخص الذي سخر من المتخصصين في الرعاية الصحية والعلم عندما كانت تنتشر جائحة يمكن الوقاية منها بالكامل في جميع أنحاء البلاد.. هذا الشخص الذي يتزلف له الكثير من الإنجيليين بشكل مقزز، كما لو أنه نسخة أمريكية للملك داود المذكور في الكتاب المقدس، الشخص الذي شيطن الصحافة باستمرار، كما فعل مع النشطاء المناهضين للعنصرية والفاشية!!لماذا؟ وكيف يمكن أن يكون هذا ممكناً؟! لأن أمريكا البيضاء، الليبرالية، والمحافظة على حد سواء، كانت لفترة طويلة في حالة سكر بغطرستها، وغضت الطرف عمداً عن البؤس الذي تسببت به من خلال لا مبالاتها أو سياستها المتعمدة. فمنذ عقود، ومروجو الدعاية في هوليود ووكالة الاستخبارات المركزية لا يتوقفون عن التغني والتبجح بكذبة القوة العظمى المزعومة، و”سوقها الحرة”، والسخرية من الاشتراكيين والفوضويين، بينما يعاني الملايين في الأحياء الفقيرة خارج مدن مثل لوس أنجلوس، أو في أمكنة تدعى” جادة السرطان” الصناعية، وتعرض الكثير من معارضيها – الذين كانوا هناك – للتوبيخ والإسكات، أو العقاب بلا رحمة، لجرأتهم على فضح أكاذيبها. في الواقع، أصبحت الولايات المتحدة إمبراطورية في حالة تراجع حاد على رقعة من أرض يحاصرها تجار الحرب، والمختلون الذين يدمرون البيئة، وأولئك المهتمون بتجميع النقود أكثر من اهتمامهم حتى بحياة أطفالهم وأحفادهم. كما تم الترويج لجو بايدن، “الغول” الحاضر دوماً في غارات أمريكا العنصرية وإباداتها الجماعية، باعتباره البديل الوحيد للمرشح الفاشي، وعلى الرغم من أنه رجل يتسكع بفخر مع دعاة الفصل العنصري، وهو من قام بإعداد مشروع قانون الجرائم، وأرسل الأطفال الفقراء الملونين إلى السجن، ودافع عن حرب قائمة على الأكاذيب وأودت بحياة مئات الآلاف، إن لم يكن أكثر، وهو من يواصل الدفاع عن الفصل العنصري “الأبارتيد” في الشرق الأوسط، وعن المجالس العسكرية في أمريكا الوسطى، ومن يرفض النظر في أي شيء قريب من الرعاية الصحية الشاملة في خضم الوباء.. مع ذلك كان هو البديل!! بغض النظر عن النتيجة، أصبح واضحاً أن الولايات المتحدة دولة فاشلة. وفي حين أن معظم مواطنيها مستعدون للانخراط في عالم أكبر بكثير من حدودها، فقد أظهر جزء كبير منهم أنهم ليسوا كذلك، إذ اختار جزء كبير من بينهم أن يتبنى الفاشية، وتلك حقيقة يجب ذكرها بجلاء. لقد تم الكشف عن تجاهل الإمبراطورية للحقائق، بل والتحلي بالقليل من اللياقة، أو التعاون، أو التعاطف مع سكان العالم. وبعبارات صريحة لا يمكن، كما لا ينبغي، الوثوق بهذه الإمبراطورية على الإطلاق. في الواقع، تحللها هو الأمل الوحيد لمستقبل قابل للعيش على الأرض.