غاز بحر قزوين وخط أنابيب “عبر الأدرياتيك”.. الكثير من الإنفاق من أجل لا شيء؟!
“البعث الأسبوعية” ــ تقارير
بحلول منتصف تشرين الثاني 2020، من المتوقع أن ينقل خط الأنابيب “عبر الأدرياتيك” – وهو عنصر رئيسي في ممر الغاز الجنوبي – الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى أوروبا. ونتيجة للجهود التي بذلها الاتحاد الأوروبي على مدى العقد الماضي لتنويع مصادر الطاقة، والحد من الاعتماد على روسيا، تم تمويل هذا الخط بشكل رئيسي من قبل بنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير. ومع احتدام الحرب في كاراباخ بين المعارضة الأرمنية والتحالف التركي الأذربيجاني المدعوم من الوحدات الباكستانية والمرتزقة التكفيريين من سورية، فإن موقف بروكسل من باكو قد يكون محرجاً، ذلك أن دفن الرأس في الرمال تجاه الحرب الجارية لن يكون أفضل وسيلة لحماية الاستثمارات الأوروبية.
فخلال أيام قليلة، سيبدأ تشغيل خط الأنابيب “عبر الأدرياتيك”، وسيتم نقل الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى أوروبا. وعلى امتداد 878 كيلومتراً، سوف يعبر شمال اليونان، وألبانيا، ليصل إلى بحر الأدرياتيك قبل الوصول إلى جنوب إيطاليا. سيوفر حوالي 2٪ (10 مليارات متر مكعب من الغاز، مع إمكانية مضاعفتها في المستقبل) من إجمالي احتياجات الاتحاد الأوروبي الذي يسعى إلى تعزيز أمنه في مجال الطاقة من خلال تنويع الإمدادات. وقد استغرق بناء هذا الخط أربع سنوات ونصف، وكلف 3.9 مليار يورو. ولهذا، تم تمويل المشروع من قبل بنك الاستثمار الأوروبي بقرض مباشر بلغت قيمته 700 مليون يورو، بضمانة من الاتحاد الأوروبي في إطار الصندوق الأوروبي للاستثمارات الاستراتيجية، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، بنصف مليار يورو. والمساهمون في خط الأنابيب هم شركة بريتيش بتروليوم (20 في المائة)، و”شركة النفط” في جمهورية أذربيجان – سوكار (20 في المائة)، وشركة البنية التحتية الإيطالية للغاز الطبيعي (20 في المائة)، وفلوري (19 في المائة)، وشركة إيناغوس (16 في المائة)، وشركة الطاقة السويسرية “أكسبو” (5 في المائة). ووفقاً لموقع برنامج تاب، سيكون لهذا الخط أهميته الاستراتيجية والاقتصادية الكبيرة، لأنه سيعمل على “تعزيز أمن الطاقة في أوروبا، وتنويع الإمدادات، وتحقيق أهداف إزالة الكربون”.
تنويع الإمدادات
ولكن الأمر المؤكد هو أن خط الأنابيب “عبر الأدرياتيك” جاء تتويجاً لمفاوضات مكثفة تهدف إلى تنويع إمدادات الطاقة في الاتحاد الأوروبي والحد من الاعتماد على روسيا. ولكي نفهم بشكل أفضل دوافع الأوروبيين، يتعين علينا أن نعود إلى كانون الثاني 2006، أي إلى “حرب الغاز الأولى” بين روسيا وأوكرانيا، عندما أوقفت موسكو لفترة وجيزة شحنات الغاز إلى أوكرانيا بسبب التأخر في مدفوعاتها. شعر الأوروبيون حينها بالحرج، وفي تشرين الأول 2008، صادقت قمة رؤساء دول الاتحاد الأوروبي على تقرير بشأن أمن الطاقة، فيما اقترحت خطة عمل، بعد شهر من ذلك، ممراً للغاز عبر جنوب القارة العجوز. وفي كانون الثاني 2010، وقع خوسيه مانويل باروسو، الذي كان آنذاك رئيساً للمفوضية الأوروبية، وهو حالياً الرئيس غير التنفيذي لمجلس إدارة “غولدمان ساكس”، اتفاقاً مع أذربيجان لتوريد 10 ملايين متر مكعب من الغاز سنوياً إلى أوروبا، ما مهّد الطريق أمام ممر جديد للغاز عبر الجنوب. وقد أصبحت أذربيجان ومواردها من الطاقة – كما ينظر إليها من بروكسل – شريكا أساسياً. فلا عجب، إذن، إن كان الاتحاد الأوروبي قد التزم نوعاً من السياسة الحذرة تجاه الحرب المشتعلة في ناغورني كاراباخ،
وغض الطرف عن الكثير من التجاوزات التي لازمتها، ولا سيما حيال موقف أردوغان الذي أشهر الدعم التركي لأذربيجان وحاول إذكاء الصراع من خلال الدعم العسكري والسياسي المباشر وزج الإرهابيين المرتزقة.
وليس من المستغرب أيضاً أن بروكسل لاذت، مرة أخرى، بسياسة “المعايير المزدوجة”، من خلال الحرص على عدم فرض أي عقوبات على أذربيجان، ولكن أيضاً حيال سياسة أردوغان، وبما لا ينسجم مع تجديد العقوبات المفروضة على روسيا منذ عام 2014، في حين أن 31٪ من الغاز الطبيعي الذي تشتريه يأتي من روسيا نفسها، مقابل 40٪ في عام 2018.
خطأ في الحكم؟
هل تلقت أذربيجان معاملة تفضيلية؟ هل كانت هناك مبالغة في تقدير مكانة باكو في خريطة الاتحاد الأوروبي الجديدة لأمن الطاقة؟ تجدر الإشارة إلى أنه في حين أن حوض بحر قزوين غني فعلاً بالمواد الهيدروكربونية، فإن أذربيجان لم تكن، خلال المناقشات الأولية للممر الجنوبي، من بين البلدان العشرين الأولى التي لديها أكبر احتياطيات من الغاز، بل وتظهر كل المؤشرات أن مخزونها مرشح للنفاد في الأجل المتوسط.
تمتلك أذربيجان حالياً ثلاثة مصادر رئيسية للغاز: بئر شاه دينيز، ويضم أكبر احتياطي للغاز في البلاد، وبئر نفط تشيرراغ – غونشلي، والكميات المختلفة التي تنتجها شركة سوكار من بئر غونيشلي المائية الضحلة، فضلاً عن آبار أخرى أصغر حجماً. ولم يكن متوقعاً حدوث زيادة كبيرة في الموارد إلا مستقبلاً، بدءاً من العام 2018، بسبب استغلال شاه دينيز 2. ومن المتوقع أن يصل هذا الأخير إلى ذروة إنتاجه في أوائل العشرينات، حيث ينتج حوالي 16.3 مليار متر3 / سنة من الغاز. وفي عام 2019، تم تجاوز التوقعات بزيادة قدرها 28٪، حيث بلغت 24.5 مليار بدلاً من 16.3 مليار. وتم توقيع عقود البيع بشكل طوعي مسبقاً، واعدة بـ 6 مليارات م3 / سنة من الغاز إلى تركيا و10 مليار متر3 / سنة للمشترين الأوروبيين.
أرقام واعدة ولكنها أقل بكثير من الاحتياطيات الرئيسية في العالم، فهذه الاحتياطات موجودة في روسيا (25.4 في المائة من الاحتياطيات العالمية)، تليها إيران (15.8 في المائة)، وقطر (13.6 في المائة)، وتركمانستان (4 في المائة)، وقطر (13.6 في المائة)، وتركمانستان (4 في المائة)، وقطر (13.6 في المائة)، وتركمانستان (4 في المائة)، وقطر (13.6 في المائة)، وتركمانستان (4 في المائة)، وقطر (13.6 في المائة)، وتركمانستان (4 في المائة)، وتركمانستان (4 في المائة)، و2004 – 2001. والمملكة العربية السعودية (4٪.).
غاز باهظ الثمن
في الوقت الحالي، يستورد الاتحاد الأوروبي 4٪ فقط من نفطه و0٪ من الغاز من أذربيجان. وبمجرد تشغيل خط أنابيب جنوب الأدرياتيك سيستورد الاتحاد الأوروبي حوالي 2٪ من غاز أذربيجان. فهل ستكون هذه النسبة كافية لاعتبار خط الأنابيب هذا محورياً للاتحاد الأوروبي، في سعيه إلى تنويع إمداداته والحد من اعتماده على روسيا؟
قد تكمن الإجابة على هذا السؤال في أن السلطات الأذربيجانية أغدقت الأموال لسنوات طويلة كجزء من “دبلوماسية الكافيار” الشهيرة للضغط من أجل تمويل مراكز بحوث في جميع أنحاء العالم. ويبدو أن سياسة حشد الضغوط هذه قد أثمرت، سواء على المستوى الدولي، أو في الأمم المتحدة، حيث فازت أذربيجان بمقعد غير دائم في مجلس الأمن في العام 2011، وفي مجلس أوروبا، حيث هي عضو، وبالطبع مع المستشاريات الأوروبية. ومن خلال مبالغتها في تقدير مكانتها في جيوبوليتيك الأنابيب، تمكنت باكو من تحقيق أهدافها بالحصول على حصة كبيرة من التمويل الأوروبي في إطار برنامج المساعدة التقنية (قرض 1.2 مليار يورو). وفي حين أنه من نافل القول إن للمصارف الأوروبية مصلحة في استعادة أموالها المستثمرة، فقد اختار الاتحاد الأوروبي التكتم على استيراد المرتزقة التكفيريين، ومؤخراً الفظائع المرتكبة في كاراباخ منذ استئناف الأعمال القتالية في 27 أيلول، بتحريض من الأتراك. إن المعارك العنيفة تندلع على بعد عشرات الكيلومترات من الأنبوب الجديد، لذلك: ألا تنطوي الخطوة الأولى نحو خفض التصعيد على إنشاء آلية للاعتماد المتبادل بين الأشقاء الأعداء في القوقاز؟ وفي حين أن خط الأنابيب مهم لأنه سيوفر لأوروبا القليل من الإمدادات، إلا يستحق وقف الاضطرابات والصراعات في القوقاز أهمية نفسها!!