مجلة البعث الأسبوعية

القضاء الرياضي.. ضمان للحقوق وانتصار للرسالة الرياضية على عالم المال

“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيّر

بدأ الموسم الجديد لأعرق المسابقات الأوروبية للأندية – دوري أبطال أوروبا – بمشاركة نادي مانشستر سيتي الإنكليزي، بعد أن كان قاب قوسين من الحرمان تطبيقاً لقرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “اليويفا” الذي أعلن، في بيان رسمي، عن حرمان السيتي من المشاركة في البطولة وتغريمه مبلغ 30 مليون يورو كعقوبة لمخالفة قوانين اللعب المالي النظيف؛ لكن السيتي قام باستئناف القرار أمام محكمة التحكيم الرياضي CAS، لينجح في كسب القضية. وبحسب إدارة النادي، تمت معاقبة الفريق من جانب جهة واحدة هي الاتحاد الأوروبي الذي كان الخصم والحكم في الوقت نفسه، ولم ينظر إلى الأدلة المقدمة من طرف إدارة النادي بالطريقة المطلوبة، لذلك كان لابد من الاستئناف أمام هيئة حيادية تضمن تمثيلاً متساوياً لجميع الأطراف، فما هي هذه المحكمة؟ وما دورها؟ ومتى تأسست؟ وما هي أبرز القضايا التي أثيرت داخل أروقتها؟

من الناحية النظرية، تحتاج الطبيعة البشرية بشتى المجالات إلى جهة قانونية تنظر في تطبيق القوانين التي تنظم التعامل بين البشر، وإلّا سادت النزاعات ودبت الفوضى في كل مكان؛ وعلى الرغم من أن القضاء الرياضي هو أخر الهيئات القضائية تأسيساً في العالم، إلا أن وجوده كان نقطة تحول في عالم الرياضة، فرغم أننا نرى الوجه المشرق فقط من هذا العالم إلّا أن الوجه الآخر له قاتم.. وقاتمٌ جداً، فالعديد من النزاعات تنشأ جراء العلاقات بين اللاعبين وأنديتهم، كحال كرة القدم أو الشركات الراعية لهم في باقي الألعاب، وفي بعض الأحيان مع بلدانهم، وطبعاً هي بغالبيتها تتعلق بالأموال.

من ناحية التأسيس، أنشأت المحكمة الرياضية سنة 1984 بمدينة لوزان السويسرية، وتم وضعها تحت السلطة الإدارية والمالية للمجلس الدولي للرياضة، كمؤسسة مستقلة تقوم بتسوية وحل النزاعات القانونية المتعلقة بالرياضة من خلال التحكيم والوساطة. ويوجد بالمحكمة الرياضية الدولية ما يقرب من 300 محكم، من 87 بلداً، تم اختيارهم لمعرفتهم المتخصصة بالتحكيم وقانون الرياضة، حيث يتم تسجيل حوالي 300 حالة من الخروقات والمخالفات الرياضية من قبل المحكمة الرياضية سنوياً.

ويتم اللجوء للمحكمة الرياضية عندما تعطي اللجان الانضباطية في الاتحادات القارية أو الدولية حكمها النهائي بعد الاستئناف في قضية ما لا يرضي القرار فيها أحد الطرفبن المتخاصمين أو كلاهما، أي أنها الملاذ النهائي للرياضيين والجهات الرياضية. وهنا يجب التوضيح أنه في حالة مانشستر سيتي، القضية قضية لعبٍ مالي نظيف وهو قانون خاص بالاتحاد الأوروبي والمسابقات الأوروبية ولا علاقة للاتحادات المحلية أو الاتحاد الدولي به، لذا يمكن القول إن لكل قضية قاعدة خاصة بها من حيث التوقيت الذي يتم اللجوء فيه إلى المحكمة.

ورغم أن قضايا اللاعبين وعلاقاتهم مع أنديتهم والانتقالات في عالم الساحرة المستديرة هي مسألة خاصة بالاتحادات المحلية والاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، لكن كثيراً من النجوم يفضلون استخدام حقهم في التقاضي أمام محكمة التحكيم الرياضي ذات الطريق السريع وقليل التكلفة، وقلة منهم يتجهون نحو المحاكم المدنية التي تحتاج لسنوات للبت في بعض القضايا، ولكن الغاية تكون تحويل القضية نحو الرأي العام بدلاً من بقائها شأناً رياضياً، وأشهر هذه القضايا طبعاً قضية بوسمان التي أفرزت قانوناً يحمل اسم بوسمان وكنا قد أسهبنا في الحديث عنه وأهميته سابقاً.

ومن شروط الاحتكام إلى المحكمة اتفاق الطرفين المتنازعين على تقديم النزاع إلى التحكيم وكتابة ذلك خطياً، وإضافةً لما ذكر تقوم المحكمة الرياضية بإجراءات حل النزاعات التالية: تسوية المنازعات الناشئة عن علاقات تعاقدية، أو الأضرار، وإجراءات التحكيم العادية، أو إجراءات الوساطة المعمول بها، وتسوية المنازعات الناشئة عن القرارات التي اتخذتها الهيئات الداخلية للمنظمات الرياضية، وإجراءات تحكيم الاستئناف المعمول بها.

وشابَ المحكمة عيب واحد جرى العمل على إزالته بعد إثارته للعديد من المشاكل، حيث كان للقضاء السويسري صلاحية النظر بالخلافات الناتجة عن القرارات الصادرة عن محكمة التحكيم الرياضي متى كان هناك خطأ في تطبيق القانون أو انتهاك لحقوق المتخاصمين، على سبيل المثال. وفي العام 1994، أصبحت محكمة التحكيم تتبع المجلس الدولي لمحكمة التحكيم الرياضي، ويتشكل المجلس الدولي من ممثلين عن الاتحادات الدولية والاتحادات الدولية الاولمبية واتحاد اللجان الوطنية الأولمبية، واللجنة الأولمبية الدولية، وأعضاء من خارج اللجان المذكورة من ذوي الخبرات القانونية الدولية، بحيث يصبح مجموع الأعضاء عشرين عضواً.

أما أهم الفضائح والقضايا الرياضية في العقد الأخير، والتي جرى الاحتكام فيها إلى الـ CAS، فقد أحاطت تهم الفساد بالفيفا لسنوات طويلة، وعوقب العديد من مسؤوليه، كالقطري محمد بن همام، أحد المرشحبن السابقين لمنصب رئيس الاتحاد الدولي، والذي تقرر إيقافه مدى الحياة بعد فضيحة شراء أصوات قبل انتخابات 2011. وربما يكون العام 2015 أسوأ الأعوام القضائية، ففي قضية النجم الفرنسي – الجزائري الأصل – كريم بنزيما ومواطنه ماثيو فالبوينا، حيث اتهم الأول بابتزاز زميله بشريط إباحي، وكانت هذه الضربة القاضية لمشاركة بنزيما مع منتخب الديوك رغم عديد المطالبات بإرجاعه نظراً للمردود القوي الذي يظهره مع ناديه ريـال مدريد الإسباني.

ولا ننسى ما حصل مع كل من جوزيف بلاتر الرئيس السابق للفيفا، ومشيل بلاتيني الرئيس السابق لليويفا، عندما تمّ اعتقال أبرز مسؤولين في اللعبة، وسحبهما من أحد فنادق مدينة زيوريخ بطلبات قضائية أمريكية، ليعلن بعدها بلاتر – الرئيس المنتخب لولاية خامسة – استقالته بعد أيام تحت الضغوط. وسار بلاتيني الذي كان مرشحاً ليخلفه حينها على طريق الإيقاف عينه، والسبب دفع السويسري للفرنسي مبلغ 9 مليون دولار كرشوة؛ وطبعاً السبب في كل هذا كان شرف تنظيم مونديالَي 2018 و2022، وآخر القضايا اضطرار رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، البريطاني سيباستيان كو، إلى فسخ عقده مع الشركة الأمريكية للألبسة الرياضية نايكي، بعد اتهامه بتضارب المصالح حول منح حقوق استضافة مونديال القوى لعام 2021.