“مورفين أحمر”.. تمازج الأسطورة بالواقع
رواية “مورفين أحمر” الصادرة عن دار سين 2020 للكاتبة مجدولين الجرماني التي بُنيت على استحضار الأساطير وتوغلت في أسرار النفس البشرية، وتناولت صوراً مختلفة تعيشها الأنثى وتدفع وحدها ضريبة الخذلان، أثارت جدلاً في حفل التوقيع في المركز الثقافي العربي –أبورمانة- ضمن ندوة بإدارة الإعلامي محمد نصرالله وحضور كثير من الأدباء والمهتمين. ولم تقتصر الندوة على إطلاق رواية جديدة، وإنما كانت مناسبة لإطلاق مشروع الروايات المسموعة الذي أنجزه الإعلامي محمد نصر الله مع مجموعة من المذيعين. واعتمد نصر الله على القراءات المسموعة من الرواية وتم التعريف بالرواية من خلال حوارية الكاتبة، إضافة إلى القراءة النقدية والمداخلات، وقد شدت مفردات الرواية بالتسجيل الصوتي الحاضرين إلى المشهد التمثيلي المتخيل إلى معالم الرواية التي كان عنوانها مدار استفسار وتساؤلات، وإلى صورة الغلاف وكل ما تحمله من غموض تخفيه الجرماني.
استهل الإعلامي محمد نصر الله الندوة بالحديث عن الأدب الأنثوي الذي شهد في سورية تصاعداً ما يدل على مستوى وعي نضج المرأة والانفتاح الذي تعيشه في المجتمع السوري. وبدأ من الشخصية شام بطلة الرواية التي من خلالها مضت الأحداث التي تناولت واقع النساء اللواتي تعرضن لأهوال الحرب. ورأى بأن الكاتبة كانت منحازة لصف المرأة عامة.
في التسجيل الأول بصوت نصر الله والمذيعة هبة مشعل استحضر مقطعاً من الأسطورة والحوار الدائر بين جوبتير وهيرا وبروميتوس ليضع الحاضرين في أجواء الفلسفة الوجودية التي كانت خطاً في الرواية”.
التشفير السردي
وقدم الناقد أحمد هلال رؤية نقدية أشار فيها إلى أن الكاتبة تجرب في جنس أدبي مختلف عن الشعر، فـ”مورفين أحمر” تحمل الكثير مما أطلق عليه الشعرية التي هي مجموعة مكونات النص الروائي وتوظيف اللغة، وهذه الرواية ذات حساسية خاصة بدءاً من العنوان والتساؤل لماذا بُنيت عليه عمارة روائية تتفق وتتباين على مستوى مقولاتها وخطاب شخصياتها، وعلى مستوى نزوعها الأسطوري، وهذا يأتي من باب التشفير السردي إلى الحالة الرمزية لآثار الحرب، وهي تنتصر للحب، للقيمة الإنسانية، ولا تذهب نحو الشر المحض، فنحن أمام مغامرة روائية شاقة على مستوى التخييل الثري وانفتاح الرواية على ماتعنيه.
أما لوحة الغلاف التي أثارت الانتباه كانت محور رسالة مصورة من الكاتب والتشكيلي عبد الحليم حمود، الذي أوضح بأن الغلاف يحمل البعد السريالي الغامض وتتعدد فيه العناصر السميائية والرمزية التي تحمل دلالات متنوعة، فحينما نكون أمام عدد من الشخصيات والمضامين والأحداث فالأرجح أن نحتاج إلى توليف بصري يختزل نص الرواية، ويستشف روحية وباطنية المعنى وكأنه تأليف إضافي بموازاته.
واختارت الكاتبة الجرماني مقطعاً من صوت الكاتبة (السارد) الذي يتدخل بوصف الحالة السردية” مشت طويلاً وهي تعانق الأشجار الممتدة إلى الحديقة العامة في الحي الشعبي الذي تقطنه، نظرت إلى الوجوه المتعبة والمستهلكة من الركض وراء رغيف الخبز”
تأثري بالأدب الغربي
وتوقف نصر الله في حوار مع الكاتبة عند بعض المحاور التي تضمنتها الرواية، فتحدث عن قصص النساء المعذبات وعن ضحايا الحرب والنظرة الذكورية في المجتمع وانتصار الكاتبة للمرأة ومعاداة الرجل، ليصل إلى سؤاله ألا تكون المرأة ظالمة والرجل مظلوم أحياناً؟ فعقبت الجرماني عن التربية المجتمعية والجذور التي أعطت الرجل مساحة من الحقوق أكثر من المرأة، إضافة إلى العادات التي تظهر الوجه الإيجابي له، ومع ذلك حفلت الرواية بنماذج لنساء بصورة مغايرة لهذا الطرح وأظهرتُ الجانب السلبي في سلوكياتهن.
وأضاف بأن مجمل القصص مأساوية ألا توجد بقعة ضوء؟ فأجابت بأن خط المتن الحكائي كان يخدم المنحى العام لمسار الرواية ويجسد حالات واقعية من المجتمع، نجحت بإيجاد الحل في بعض الحالات. ووجد نصر الله أن الكاتبة عملت على توصيف بعض الحالات بمقاطع تخدش الحياء ولا تصلح لقراءة اليافعين، فسألها “لماذا تجاوزت التابو أو الخطوط الحمراء؟ فرأت الجرماني أن التوصيف يخدم الرواية فكما نستمتع بالماء ونصف ملامح الوجه وتغييرات الغضب، نصف الإحساس لنجعل القارئ يعيش المشهد المتخيل وكأنه أمام شاشة، ويأتي هذا نتيجة تأثري بالأدب الغربي لتصوير الأحداث على الشخصية وليس لعرضها.
وعن رسالتها من الرواية قالت الجرماني رسالتي انتصار المرأة بأن تمسك بطرف الخيط وتجد الحلول لمشكلاتها وتتغلب على مشاعرها وضعفها، أن تكون قوية وتقرأ النور رغم الظلام، وأن تؤمن بأن الخير موجود وينتصر على الشر.
الشرق المتعب
ثم انتقلت دفة الحوار إلى الحاضرين لاسيما الذين قرؤوا الرواية، فعلقت رباب أحمد بأن الرواية ولوج إلى النفس البشرية بما تحمله من أنواء وأعباء من موروث يقيد الحركة ويجعل العلاقة ملتبسة بين الرجل والمرأة في مساحة الشرق المتعب وغير المستقر سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، فنمت الرواية عن ثقافة في علم النفس للتصالح مع الحياة ومع الذات في ظل استحضار حالات تظهر بأن الرجل ضحية أيضاً فحينما يكون جانياً فهو ضحية المجتمع.
ونوهت ميسم الشمري ممثلة دار سين إلى استناد الرواية على الأسطورة لترجمتها على الواقع المعاش والصراع بين الخير والشر، وإلى أهمية الندوات الأدبية لإثراء المشهد الثقافي والالتقاء بالأدباء والاهتمام بالشباب وتشجيعهم للالتفاف نحو الأدب.
وأبدى الشاعر خليفة عموري إعجابه بالعنوان الشائق الذي يدل على شيء من الكيمياء الدلالية واللونية، عن المخدر واحتراقه بدموية اللون الأحمر بعلاقات ممتزجة بين الحب والحرب والمرض.
كما قرأت سناء الصباغ في الرواية توظيفاً للفلسفة غير المملة ولعلوم الطاقة التي تمارسها الكاتبة في حياتها العملية، واختلفت بالرأي مع نصر الله الذي وصف الشخصيات الأنثوية بالمقهورات والمعذبات، فأشارت إلى صورة المرأة الخائنة في الرواية وإلى صورة المرأة المتصابية.
الباحث حامد العبد تحدث عن ظاهرة في الأدب النسائي تعاب عليه وتدخله أحياناً بإطار الذاتية والسطحية بإعادة المرأة كتابة ذاتها في منتجها الأدبي.
ملده شويكاني