دراساتصحيفة البعث

بايدن والشرق الأوسط.. ملفات عالقة وتحديات مرتقبة

د. معن منيف سليمان

تبدو السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط على أبواب مرحلة جديدة مع تولي جو بايدن الرئاسة في 20 من كانون الثاني القادم، وسيجد بايدن نفسه أمام مجموعة من الملفات العالقة والتحديات المرتقبة التي ستقوده حتماً إلى تبنّي سياسة جديدة مغايرة تماماً لسياسة سلفه ترامب، ويمكن رصد ملامحها في عدّة قضايا مهمّة في الشرق الأوسط أبرزها: الملف الفلسطيني، والنووي الإيراني، والتطبيع بين بعض الأنظمة العربية و”إسرائيل”، والحرب على اليمن، والوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. وهي ملفات عالقة ستساهم إعادة النظر فيها بإعادة رسم المشهد الإقليمي مرّة جديدة، بهدف إعادة موقع الولايات المتحدة إلى موضع القوة والريادة في العالم، كما ورد في خطابات بايدن.

يتضمّن برنامج بايدن حول ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والفلسطينيين، واستئناف تقديم المساعدات الأمنية والاقتصادية للفلسطينيين، وهي التي توقفت خلال ولاية ترامب، في حين تعهّد بعدم تقليص أو حجب المساعدات العسكرية الأمريكية لـ”إسرائيل”، وأعلن صراحة أنه لن يتراجع عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، فيما أكدت نائبته، كاميلا هاريس، أن إدارة  بايدن القادمة ستلغي العديد من الخطوات التي اتخذتها إدارة  ترامب فيما يتعلق بالفلسطينيين. وقالت: “نحن ملتزمون بحلّ الدولتين وسنعارض أية خطوات أحادية الجانب تقوّض هذا الهدف، كما سنعارض الضم والتوسّع الاستيطاني”.

ويتوقع لسياسة جو بايدن، تجاه إيران خلال المرحلة المقبلة، أن تتمّ العودة إلى اتفاق (5+1) الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، وإن اتخذ الأمر شكلاً جديداً، والعودة لعلاقات أفضل مع إيران اقتصادياً، ما يحقّق العديد من المزايا لأطراف عدّة، منها أمريكا التي تعاني من ركود وكساد، وأوروبا التي هي شريكة أمريكا في العقوبات الاقتصادية على إيران. فقد أوضح بايدن أنه ينوي العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إذا عادت إيران أيضاً إلى الامتثال الكامل، وأنه ينوي كذلك الانخراط دبلوماسياً مع طهران بشأن قضايا أخرى.

وفيما يتعلّق بمسار “التطبيع”، فإن بايدن والديمقراطيين رحبوا باتفاقيات تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني وكلّ من الإمارات والبحرين والسودان، وانطلاقاً من صداقته الحميمة لـ”إسرائيل” سيسعى بايدن للاستمرار في هذا المسار، وسيشجّع بعض الأنظمة العربية على إقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني، لأن هذا بنظر الرئيس المنتخب وإدارته الديمقراطية يصبّ في مصلحة عملية السلام ويشجّع “إسرائيل” على تقديم “تنازلات” للفلسطينيين!.

وفي ملف العدوان على اليمن يعتقد أن هناك تغييراً منتظراً، لأن بايدن أعلن أنه سيعيد النظر في عمليات بيع الأسلحة للسعودية كي لا تُستعمل في اليمن، ومن هذا المنطلق ربما سوف تضغط الإدارة الأمريكية على اللاعبين الإقليميين في الأزمة اليمنية، وخاصة السعودية، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار ووقف الحرب، لأنها تحوّلت إلى كارثة إنسانية وأخلاقية، وبايدن سيعمل بكل الطرق على وقفها لكي يتميّز عن إدارة ترامب.

ولكن الصحفي اليمني إبراهيم مطرز كان أقل تفاؤلاً حيال هذا الملف، مؤكداً أنه “يجب ألا ننسى أن جو بايدن كان نائباً للرئيس في إدارة باراك أوباما عند بداية الحرب”.

أما بالنسبة لملف العلاقات مع أنظمة الخليج يبدو أن بايدن سيتخذ نهج باراك أوباما الذي اتسمت فترته بفتور مع هذه الدول، التي من المفروض أنها حليف أساسي للولايات المتحدة في المنطقة. وقال بايدن في بيان نشره موقع حملته الانتخابية منذ أسابيع: “سنعيد تقييم علاقتنا بالسعودية وننهي الدعم الأمريكي لحرب السعودية في اليمن، ونتأكد من أن أمريكا لا تتراجع عن قيمها لبيع الأسلحة أو شراء النفط”. وأكد أنه سيجعل السعودية تدفع ثمن مقتل الصحفي جمال خاشقجي وسيتعامل معها باعتبارها دولة منبوذة.

وفي ملف وجود القوات الأمريكية في الشرق الأوسط فإن بايدن يدعو إلى ضرورة تقليص عدد قوات بلاده في العراق، في موقف نابع من ضرورة الحفاظ على وجود عسكري يكون له تأثير في مجريات الأوضاع في هذا البلد تحت مظلة مايسمّى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، مؤكداً في تصريح له أنه سيحتفظ بوجود صغير للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان إذا تمّ انتخابه، وأنه لا يخطّط لخفض كبير لميزانية الدفاع الأمريكية.

وقال بايدن في مقابلة مع مجلة الجيش الأمريكي “ستارز أند سترايبز”: إن عصر الحروب اللانهائية يجب أن ننتهي منه، وأضاف: “يجب أن تنتهي هذه الحروب التي لا نهاية لها.. أؤيد تخفيض القوات في الخارج، لكن يجب ألا نغفل عن مسألة الإرهاب وداعش”، وهذا يعني الحفاظ على الوضع الراهن الذي تبقي عليه إدارة ترامب!.

ويرى مراقبون أن مقاربة بايدن للسياسة الخارجية الأمريكية ترتكز أساساً على توجّهات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التي تتعارض في جزء كبير منها مع إدارة البيت الأبيض الحالية.

وأكد بايدن في خطاباته أنه سيعيد موقع الولايات المتحدة إلى موضع القوة في العالم ويقوي علاقاتها مع الحلفاء. ويرى مراقبون أن سياسة كهذه هي على طرف النقيض لسياسة ترامب “أمريكا أولاً” التي جعلت الولايات المتحدة تتراجع على مستوى تأثيرها العالمي.