دراساتصحيفة البعث

قائمة الاختلافات الفرنسية- الألمانية

عناية ناصر

على مدى عقود، عُرفت فرنسا وألمانيا باسم “الثنائي”، أو “الزوجين” الحاكمين في أوروبا، وحتى “محركها”، وكانتا تهدفان إلى العمل على توحيد القارة، ولكن مؤخراً تحوّلت الأمور وبات الفرنسيون يريدون قيادة السيارة الألمانية بورش، بينما يصر الألمان على تقنين وقود هذه السيارة، هذا الأمر ينطبق على قائمة طويلة من الأزمات، من بيلاروسيا إلى ناغورني كاراباخ.

هذا ليس مفاجئاً كما قال وزير الخارجية الألماني الأسبق سيغمار غابرييل، ففرنسا وألمانيا “تنظران إلى العالم بشكل مختلف”، ومن ثم فإن لهما “مصالح متمايزة”، والحقيقة هي أن الاختلاف الفرنسي الألماني قديم قدم الاتحاد الأوروبي.

هذا الانقسام يربك الزعماء الفرنسيين والألمان الحاليين: الرئيس ايمانويل ماكرون، والمستشارة أنجيلا ميركل، بقدر ما أثر في سلفيهما العملاقين: شارل ديغول، وكونراد أديناور، منذ أن أمسك الاثنان أيديهما عبر نهر الراين قبل 60 عاماً، كان عليهما تحويل الأعداء القدامى إلى أصدقاء، لكن الدول لا تتزوج، إنهم يتبعون المصالح، وليس بعضهم البعض.

عندما تتطابق قوتان بشكل وثيق، فإن المشكلة دائماً هي من يقود، ومن يتبع؟ يريد ماكرون، مفرط النشاط، بالتأكيد إدارة أوروبا، (كما يقال، سعى جميع أسلافه في قصر الاليزيه إلى القيام بذلك)، في غضون ذلك، لاتزال ميركل تشدد على الأولويات الألمانية.

الاختلاف الحالي هو أيضاً مسألة شخصيات، بشكل عام، ماكرون هو نقيض ميركل، وفي حين أن ماكرون يتوق إلى الأضواء، فإن ميركل، المعروفة في المنزل باسم موتي (أمي)، تلتزم الاستمرارية والحذر.

وينعكس هذا في السياسات الخارجية للبلدين أيضاً، فمنذ فوزه بالرئاسة في عام 2017، غازل ماكرون على التوالي أمريكا وروسيا والصين، ثم ابتعد عن الثلاثة، وعلى النقيض من ذلك، حافظت ميركل على مسافة الدول الثلاث.

سبق لماكرون أن أعلن “الموت السريري” لحلف الناتو، مردداً وصف ترامب للتحالف بأنه “عفا عليه الزمن”، لكن المستشارة الألمانية ستكون آخر من يطفئ الأنوار في مقر التحالف في بروكسل، فالناتو، حسب الألمان، ضمن أمن ألمانيا لمدة 70 عاماً، وبتكلفة قليلة.

تتركز الخلافات الأخيرة بين فرنسا وألمانيا في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، حيث ارتفعت وتيرة التوتر بين اليونان وتركيا، وكلاهما عضو في الناتو، على خلفية استكشاف الغاز، كان ماكرون سريعاً في الوقوف إلى جانب اليونان، حيث أرسل السفن الحربية والطائرات بينما كان يعد بأسلحة، وقد استضاف في وقت سابق قمة في كورسيكا شارك فيها زعماء ست دول متوسطية أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي لتوفير ثقل ضد تركيا، لكن ألمانيا غابت عن المشهد هناك.

بدلاً من ذلك، تتغاضى ميركل عن تصريحات تعتبرها مبتذلة حول “علاقة متعددة الأوجه” مع تركيا، والتي يجب أن تكون “متوازنة بعناية”، المصالح الألمانية واضحة: منع تدفق اللاجئين من تركيا!.

ثم هناك المواجهة الحالية بين أرمينيا وأذربيجان بشأن ناغورني كاراباخ التي حث فيها ماكرون البلدين على التفاوض على الفور، بينما وقف أردوغان إلى جانب أذربيجان ضد أرمينيا، وظلت ألمانيا “قلقة” فقط، لأن ميركل لا تستطيع أن تستفز أردوغان.

بعد أن دُمرت أجزاء كبيرة من بيروت في انفجار آب، اندفع ماكرون إلى لبنان، متعهداً بتنظيم مؤتمر دولي للمانحين دون التنسيق مع ميركل، تريد فرنسا، التي احتلت بلاد الشام بعد الحرب العالمية الأولى، أن تحافظ على نفوذها الإقليمي، بينما لا توجد لألمانيا مصالح استراتيجية هناك، وهي تتخلى بشكل غريزي عن أي شيء يشبه التصعيد، لأن الاهتمامات مختلفة، والمخططات مختلفة.

تتبع ألمانيا أيضاً نهج عدم التدخل في ليبيا، وأفضل ما يمكن أن تفعله ألمانيا في الشرق الأوسط هو ترتيب لقاء سلام آخر في برلين، كما هي العادة الألمانية.

هذه مجرد قائمة قصيرة من الاختلافات في السياسة الخارجية الفرنسية الألمانية في الأشهر القليلة الماضية، لكن ذلك يؤكد نمطاً سائداً، تحب فرنسا القفز، بينما تفضل ألمانيا التراجع.

أعلنت ميركل مؤخراً عن “ساعة أوروبا” في “عالم عدواني”، ولكن إذا لم تتعاون فرنسا وألمانيا معاً، فكيف يمكن ذلك للأعضاء الخمسة والعشرين الآخرين في الاتحاد الأوروبي؟.

يعتبر الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم قبل الصين، وعلى الورق لديه عدد من القوات يعادل عدد الولايات المتحدة، لكن الثروات وحدها لا تصنع فاعلاً استراتيجياً، إذا فعلوا ذلك فستكون سويسرا قوة عظمى.

بطبيعة الحال، لن يتوقف أي زعيم أوروبي عن الحديث عن المصير المشترك لأوروبا، ولكن في حالة الاتحاد الأوروبي، غالباً ما تكون “وحدة” لا تحمل القدرة على الفعل، فكتلة من 27 دولة ملزمة بشرط الإجماع على القضايا التي يعتبرها الأعضاء ضرورية لن تكون أبداً فاعلاً استراتيجياً، لأنها ستلتزم دائماً بالقاسم المشترك الأدنى الذي يمكن للجميع قبوله.

حتى لو سارت فرنسا وألمانيا معاً، فلن ينسجم معهما الآخرون، لأنهم يخشون هيمنة الثنائي، وما لم تندمج الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في ولايات متحدة أوروبية، فلن تترك القضايا الاستراتيجية الحيوية لحكم الأغلبية.