“إخبارية مجانية” برسم وزير المالية!
حسن النابلسي
في الوقت الذي نشدّ فيه على يد وزارة المالية تجاه التشدد في مكافحة التهرب الضريبي، وتأكيد وزيرها بأن القانون يسمح له بإحالة مرتكب جريمة التهرب الضريبي إلى القضاء، وأنه سيتم توقيع مذكرة مع المصرف المركزي تهدف لإحالة مرتكب التهرب الضريبي للقضاء بجرم غسل الأموال، نستهجن حقيقة تساهلها تجاه التهريب ورموزه، وكأن الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد!.
ثمة نقاط عدة تستدعي الوقوف عندها في هذا المجال: أولها أنه إذا ما قارنا بين فاتورتي “التهرب الضريبي”، و”التهريب”، سرعان ما نجد أنه من الأجدى أن يتصدر الثاني أجندة عمل الوزارة إذا كانت بالفعل جادة بترميم ملفاتها المترهلة وتطهيرها من الفساد من جهة، ودعم الخزينة العامة للدولة من جهة ثانية!.
تشير التقديرات غير الرسمية إلى أن قيمة التهرب الضريبي تحوم حول 1000 مليار ليرة سورية، في وقت تحجم وزارة المالية عن الإفصاح عن حقيقة الرقم، وتكتفي بذكر النسب بين عام وآخر، بينما قيمة فاتورة التهريب تصل إلى 3 مليارات دولار سنوياً، ووفقاً لتأكيدات رسمية، قيمة المهربات التركية منها تصل إلى 1.5 مليار دولار، ومع إقرارنا بخطورة التهرب الضريبي، إلا أننا نستغرب حقيقة تصرفات موظفي الاستعلام الضريبي، وآليات عملهم المعتمدة لمكافحة التهرب الضريبي من خلال محاصرة الصناعيين خاصة، ومصادرة حواسبهم وجوالاتهم، بينما لا تبالي وزارتهم بما تعج به المولات والمحال التجارية من مهربات من كل حدب وصوب، وكأن لسان حالها يقول: “غضوا أبصاركم عنها وصوبوا سهامكم نحو الصناعيين وارتكاباتهم”، فأيهما يجب أن يحاسب بجرم غسل الأموال: “الصناعيون المنتجون المتهربون ضريبياً”، أم “المهربون المخربون للصناعة والمستنزفون للقطع الأجنبي دون وجه حق”!.
النقطة الثانية: إن مكافحة التهرب الضريبي ترتبط بالدرجة الأولى بتعديل التشريعات والقوانين الناظمة، وليس بالعمل البوليسي الذي يتجه إليه وزير المالية، على عكس التهريب المتوجب قمعه بالعمل البوليسي كونه أخطر بكثير من التهرب الضريبي!.
النقطة الثالثة: إن أغلب مراقبي الدخل وموظفي الاستعلام الضريبي متواطئون مع أغلب المكلفين، فإذا ما أراد الوزير مكافحة التهرب الضريبي، عليه أن يبدأ من مكافحة الفساد في وزارة المالية أولاً!.
النقطة الرابعة والأهم: إن المنتجين، وتحديداً الصناعي والفلاح، هم أيقونات ذهبية، فهم العماد الأساسي للإنتاج، وبالتالي يجب تشجيعهم والأخذ بيدهم، ولا يجب سحقهم في حال ارتكابهم مخالفة ما، ومحاسبتهم بجرم غسل الأموال، وغض الطرف عن المهربين الذين يعيثون فساداً بالاقتصاد الوطني من الألف إلى الياء!.
أخيراً، ندرج هذا المقال ضمن سياق ما تعتمده الجمارك من عملها، والاستعانة بما يقدم إليها من “إخباريات مأجورة” لضرب مطارح التهريب، ونعتبره بمنزلة “إخبارية مجانية” نبيّن فيها تربع منتجات دول الجوار، وخاصة تركيا، على رفوف محالنا وأسواقنا التجارية، فما الذي ستفعله وزارة المالية ممثّلة بالمديرية العامة للجمارك؟!.
hasanla@yahoo.com